محمود الوردانى يكتب :مشروع المقاومة

محمود الورداني
محمود الورداني

أعرف مثل الجميع حجم الخسائر. بينما الحرب تدخل شهرها الثانى، ليس بين غزة والمقاومة فى غزة وإسرائيل، بل بين غزة والمقاومة من جانب، وبين آلة الحرب الإسرائيلية بكل همجيتها وتوحشها، ومعها ثلاث حاملات طائرات أمريكية وقوات خاصة تشارك فعليا فى المعارك وقادة عسكريون ومشتغلون بالسياسة، هذا بالطبع إلى جانب عدد من البوارج والأسلحة الإنجليزية، وهناك مساعدات عسكرية وسياسية أخرى من مختلف دول أوروبا، هناك استنفار كامل وعلنى لكل أنحاء العالم الغربى إلى جانب إسرائيل، فى نوبة موت نادرة ومخيفة للضمير العالمى.

أعرف الخسائر: عشرات الآلاف من المقتولين، ونصفهم على الأقل ليسوا مقاتلين، فهم من الأطفال والنساء الذين يدفعون الثمن بكل بسالة، وعشرات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المفقودين. مدينة كاملة يسكنها أقل قليلا من ثلاثة ملايين يجرى محوها تماما من على الأرض: بيت خلف بيت وشارع خلف شارع أمام العالم.

ومثل الآخرين أعرف أن المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس وليست البيوت والشوارع فقط، كانت أهدافا معلنة للقصف وليست خافية للاحتلال.
أعرف كل هذا، لكننى أعرف أيضا أن مشروع المقاومة انتصر.
نعم مشروع المقاومة انتصر. طبعا انتصر حتى الآن، وقد يكون ممكنا لكل آلة الحرب العالمية وليست الإسرائيلية فقط، خلال الشهور المقبلة- ولا أقول الأيام- أن تصيب المقاومة بضربات موجعة، أما القضاء عليها تماما فلم يعد ممكنا باختصار.

مشروع المقاومة انتصر. هناك عملية كبرى مبهرة وناجحة ولم تحدث عملية مماثلة لها من قبل. هناك فشل مخز للاستخبارات. هناك قتلى للعدو وهناك رهائن فشلت إسرائيل فى حملتها الإعلامية، أن تسوّق أن النساء منهم تعرض للاغتصاب والأطفال تم ذبحهم، على الرغم من أن السيد بايدن نفسه شارك فيها بنشاط وافر، بل وتفرغ لإدارتها. واعتذرت بعض صحف العالم لقرائها عن الأكاذيب التى نشرتها بهذا الخصوص.

هناك حرب دائرة بكل الأسلحة وبمشاركة عالمية مباشرة منذ أكثر من شهر، ومع ذلك لم تنجح إسرائيل حتى الآن فى الاجتياح البرى وتتعرض لخسائر مخيفة فى معداتها وجنودها.

حتى الآن مشروع المقاومة انتصر وهو درس ليس لإسرائيل فقط، بل هو زلزال للمنطقة. العالم العربى قبل السابع من أكتوبر ليس قبله. لم تعد المنطقة الى نعيش فيها مفتوحة ومتاحة لإسرائيل ترتع وتلعب وتلهو بنا كما تشاء.

لا أكتب كلاما حماسيا، وقد كنت قبل السابع من أكتوبر فى أقسى حالات الهزيمة وفقدان أى أمل على كل المستويات، لكننى أشهد الآن مشروع المقاومة وهو ينتصر، وقادر حتى الآن على إلحاق الهزيمة بمشروع الشر والقسوة والفظاظة والحصار والتجويع وقصف المستشفيات ومنع الوقود وقتل الناس بأكثر الوسائل خسة. مشروع المقاومة انتصر ورفض الفلسطينيون التهجير القسرى إلى خارج وطنهم وتكرار مأساة 1948 .

مشروع المقاومة انتصر لأن ضمير العالم قد استيقظ واندلعت مظاهرات بعشرات الآلاف فى كل  مدن العالم، بل وفى أمريكا نفسها ومن يهود، ناهيك عن مظاهرات فى إسرائيل نفسها، كما بادرت بعض دول العالم بسحب سفرائها أو قطع العلاقات الدبلوماسية معها.

طبعا أشارك الجميع لوعتهم وإحساسهم الهائل ببالغ الحزن على أهلنا فى غزة ، وعلى مايتعرّض له أهلنا فى سائر مدن الضفة وعرب الداخل الذين  لايعانون الآن من الاعتقال فقط، بل ومن والقتل والإهانة اليومية ومطاردة المستوطنين.

ومع كل هذا فالأمر المؤكد أن مشروع المقاومة انتصر حتى الآن، ولم يعد ممكنا أن يعود العالم العربى والقضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر