رموز مصر تتجول مع «توتة توتة »

عرض “توتة توتة”
عرض “توتة توتة”

محمد‭ ‬بركات

يظل المسرح المصري صاحب الريادة والتفرد، ‏والذي أمتد تأثيره لأجيال متعاقبة، ليكون “أبو الفنون” المًعبر عن ‏روح وفكر وهوية الثقافة المصرية والشعب المصري، ومنذ أيام قليلة افتتح عرض “توتة توتة” ضمن مشروع مبادرة “ولد هنا”، لتسليط الضوء على ‏القامات والرموز المصرية بمختلف المجالات، والذين ولدوا في ‏أٌقاليم مصر المختلفة، لخلق قدوة ومثل عليا للأجيال الجديدة في هذه المناطق ‏العزيزة من أرض الوطن، واستحضر العرض شخصيات بارزة ومهمة كان لهم دور كبير في الإكتشافات العلمية والبحثية.

يتناول العرض لحظات مهمة وفارقة في حياة كلا من الإمام محمد عبده، د. أحمد لطفي السيد، د. مصطفى مشرفة، د. أحمد زويل، د. مصطفى محمود، د. فاروق الباز، نعيمة الأيوبي، نبوية موسى، د. سميرة موسى، والعرض تأليف وأشعار طارق عمار، وبطولة وائل مصطفى، يحيى شعبان، مصطفى عماد، ساندرا ملقي، جورج شحاتة، محمود فتحي، استعراضات محمد ميزو، موسيقى وألحان أحمد حمدي رؤوف، مخرج منفذ أحمد ماهر، وإخراج السعيد منسي. 

يقول سعيد منسي مخرج العرض: “(توتة توتة) أول عروض مبادرة (ولد هنا)، ضمن مشروعات فرقة (المواجهة والتجوال)، التي تهدف إلى المساهمة في تعريف الأجيال الجديدة في جميع محافظات مصر بالقامات والرموز المصرية في مختلف المجالات، وإظهار قدوة ومثل عليا لهم، والعرض يأتي ضمن مجموعة العروض التي أعلن عنها في خطة البيت الفني خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد مطلع شهر يناير الماضي بالمسرح القومي، تحت شعار (2023 عام جديد ومسرح جديد)، ويلقي الضوء على مجموعة من التنويرين الذين أثروا الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر من محافظات الدلتا، والذين ساهموا في حدوث تغييرات حقيقية داخل المجتمع”.

ويضيف منسي: “مبادرة (ولد هنا) تتحدث عن التنويرين والشخصيات المؤثرة في تاريخ مصر، وغالباً نركز في تلك المبادرة على الشخصيات المجهولة، وحاولت خلال العرض التركيز على الشخصيات غير المعروفة بجانب المعروفين، مثل نبوية موسى، أحمد زويل، نعيمة الأيوبي، الإمام محمد عبده وفاروق الباز، ومسرح (المواجهة والتجوال) مهم، لأنه يطرح قضايا حقيقية وأحلام ناس بسيطة جداً نشأوا في قرى ونجوع مصر واجتهدوا لتحقيق حلمهم”. 

ويتابع منسي: “العرض (حواديت) تم تأليفه بشكل خاص لهذه المبادرة، لأن الهدف منه تعريف الأجيال بشخصيات وطنية خرجت من قرى مصر، وخاضوا رحلة كفاح صعبة من أجل الوصول لحلمهم، وتحقيق إنجازات كبيرة كلاً في مجاله، بالرغم من الإمكانيات المحدودة في ذلك الوقت، حتى يكون هؤلاء العظماء قدوة حسنة للأجيال الجديدة، ومع بداية شهر ديسمبر المقبل سيتجول العرض خارج المسرح العائم ليعرض في أكبر عدد من القرى المصرية، ليستفيد منه أكبر المواطنين”. 

بينما يقول طارق عمار مؤلف العرض: “تتناول المسرحية مجموعة من الشخصيات التنويرية، فتدور الأحداث داخل مولد شعبي، ويوجد رجل يحكي حكايات، ثم يطلب منه مجموعة من الشباب إستخدام هاتفه المحمول للبحث عن حكايات جديدة بدلا عن حكاياته القديمة المكررة، وعندما يبحث الرجل عن حكايات جديدة تظهر له حكايات شخصيات ثم يستحضرها على خشبة المسرح، هذه الشخصيات تستكمل الحكايات بنفسها، والشخصيات هي الإمام محمد عبده، د. أحمد لطفي السيد، د. مصطفى مشرفة، د. أحمد زويل، د. مصطفى محمود، د. فاروق الباز، المحامية نعيمة الأيوبي، السيدة نبوية موسى، د. سميرة موسى، ولا نتناول السيرة الذاتية لهذه الشخصيات، لكن لحظات فارقة في حياتهم، لأن السيرة الذاتية لكل شخصية في العمل تستحق عمل مسرحي مدته 4 ساعات، لذلك نركز على مواقف مثل دور أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد وكفاحه لتأسيس الجامعة الأهلية، ونقاشه مع الإمام محمد عبده ورغبته في إصلاح التعليم داخل الأزهر وتجديد الخطاب الديني وتطوير التعليم العام، إلى أن أتفقوا على انشاء الجامعة، التي تحولت بعد ذلك إلى جامعة فؤاد الأول، ثم أنتهى اسمها إلى جامعة القاهرة، مرورا بتخرج جيل عباقرة من بينهم سهير القلماوي ونعيمة الأيوبي أول محامية في مصر، وأطلق على هذا الجيل دفعة 33، وهي أول دفعة تضم 6 فتيات يتخرجون من الجامعة، وما يرتبط بالتعليم من عمليات بحثية علمية، هناك أيضا لحظة الصراع التي خاضتها د. سميرة موسى لكي تتعلم ثم تستكمل دراستها الجامعية، ثم عينت معيدة بالجامعة وتصبح أول عالمة ذرة مصرية وعربية، بعد أن تلقت دعم من أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة، عندما منعت من تعيينها معيدة بالجامعة، أيضاً تناول العرض اللحظة التي قرر فيها د. أحمد زويل تطوير الكاميرا لتصور بمعيار الفيمتو ثانية لتصوير التفاعلات الكيميائية، نستعرض أيضا إسهامات د. فاروق الباز في مجال الفضاء، حيث استطاع أن يعمل مع وكالة (ناسا) للمساعدة في التخطيط للاستكشاف العلمي للقمر، واختيار مواقع الهبوط لبعثات رحلات (أبولو)”، إلا أنه لم يتوقف على العمل في مجال الفضاء فقط، فإستخدم اكتشافاته واختراعاته في الفضاء ليصنع بها إنجازات في الأرض، أما د. مصطفى محمود فاستطاع أن يثبت أنه لا تعارض ما بين العلم والدين، وكيف وقفت نعيمة الأيوبي أمام المحكمة لتدافع عن حقها في الحصول على عضوية نقابة المحامين بعد تخرجها من كلية الحقوق، وحرصت في العرض على تقديم رابط مشترك بين هذه الشخصيات، فالقضية الأساسية التي تخوضها مصر حاليا وستظل فترة طويلة، وهى لا إصلاح لأمة بدون التعليم، وبالتالي كان إختيار شخصيات كان لهم علاقة بالتعليم المصرى وتطويره، وكان لهم مواقف قوية، ثم مخرجات التعليم التى خرجت هؤلاء العباقرة الذين حققوا إنجازات كبيرة على المستوى المصرى والعالمى بأفكارهم العلمية والتنويرية القوية، كل ذلك كان من خلال رابط مشترك وهو التعليم ومدى أهمية التعليم لتطوير المجتمع”.

وعن سبب كتابته لهذا النص يقول عمار: “(توتة توتة) أول   تعاون مع فرقة (المواجهة والتجوال)، وأهم ما يميز عروض الفرقة أنها تركز على الواقع المصري، لأنها تتحرك وسط القرى دون التقيد بالمراكز والمحافظات، ومنذ فترة كانت تراودني كتابة نص عن رموزنا، وعندما جاءت المبادرة تقدمت بها، لأنني بشكل خاص اميل لمسرح السير الذاتية، وسبق لي في 2010 تقديم مسرحية عن الراحل الدكتور مصطفى محمود بمسرحية (الباحث عن الحقيقة)، وأغلب تجاربي المسرحية أقوم فيها بإلقاء الضوء على بعض النماذج المصرية التاريخية التي لم يعطيها المسرح حقها، وفي السابق كتبت نص عن السلطان طومان باي، وعن الشيخ همام بن يوسف الهواري، والشيخ حسن طوبار، ثم تناولت الشريف محمد كريم، ولدي نصوص تناولت فيها شخصيات من التاريخ المصري القديم، مثل الملك تحتمس الثالث، لأنه للأسف العصر الحالي إيقاعه سريع، ونتيجة ذلك الأجيال الجديدة بدأت تهجر بعض العادات الحميدة الجميلة، ومنها القراءة، وبالتالي أصبحت أحد مصادر الثقافة الأساسية لديهم السينما والمسرح والتليفزيون، وهنا يتم إلقاء العبء على القائمين على صناعة الفن في جميع المجالات على زيادة الأفق أمام هذا الجيل، بعد أن هجروا الكتاب تقديم هذه النماذج في صيغة درامية، ليتعرف على تاريخه، لأننا نعيش في ظل ظروف صعبة، ومصر أصبحت مطمع للعالم كله، ويجب أن نعرف تاريخنا جيداً، حتى نعرف سبب ما يحدث في الحاضر، ونخطط للمستقبل، لذلك أصبحت مهمتنا كقوة ناعمة تقديم التوعية بشكل غير مباشر بأهمية التاريخ عن طريق المسرح بشكل بسيط، والمسرحية (وجبة) تناسب جميع الأعمار”.

أحمد رسمي أحد أبطال العرض تحدث عن العرض قائلا: “أقدم أكثر من شخصية، أولها دور الناظر في مدرسة نبوية موسى، ونناقش في البداية فكرة فرق الأجور بين المرأة والرجل، ثم أقدم شخصية والد سميرة موسى وكيف ساعدها في استكمال تعليمها الجامعي، والدور الثالث أقوم بدور محامي يقوم برفع قضية يطالب بحق نعيمة الأيوبي في الحصول على كارنيه نقابة المحامين”.

وفي النهاية يقول يحيى شعبان أحد أبطال المسرحية: “العرض تجربة جديدة يتحدث عن نماذج مصرية لابد من ذكرها والتحدث عنها لكي تعرفها الأجيال الجديدة، لكن بشكل كوميدي بسيط، بحيث يناسب جميع الفئات العمرية، وتدور الأحداث داخل مولد شعبي، وأنا أقدم شخصية (ميسو) الذي يعمل داخل المولد، ومهمتي الاتفاق مع منشد المولد، وفى نفس الوقت لدي أعمال أخرى على ألعاب المولد، والعرض بشكل عام مفيد جداً للكبير والصغير، لأنه يقدم معلومات مهمة عن هذه الشخصيات”.

اقرأ أيضا : الذكرى الـ ٥٠ لنصر أكتوبر .. ملحمة النصر على خشبة المسرح المصري

;