«41 عامًا بلا هوية».. حكاية «إسلام» ضحية الإجرام

إسلام
إسلام

تصوير: يحيى سيد 

قصة مؤثرة تصلح فيلمًا من أفلام الميلودراما؛ التي برع في تقديمها المخرج الراحل حسن الإمام، وربما تكون أكثر إثارة وأشد تشويقًا، بل من الممكن أن قصته لن تخطر ببال أمهر الكتاب والمؤلفين.. القصة أصولها بدأت منذ 31 عامًا ولم يسدل عنها الستار بعد، فمازال بطل هذه القصة يبحث عن نهاية سعيدة ينهي بها مأساته. 

«إسلام» اكتشف وهو في الحادية عشر من عمره أن الأسرة التي نشأ وتربى في أحضانها ليست أسرته الحقيقية وأن والديه المزعومين مجرد لصوص أطفال خطفوه مع طفلين آخرين وقاموا بتربيتهم سويًا على إنهم أولادهم لتبدأ محنة لم تنته حتى لحظة كتابة هذه السطور.. قصة مليئة بأحداث مشوقة ومثيرة.. بداية تناول الإعلام لهذه القصة كان من خلال أخبار الحوادث عام 1992، وبعد أن ظن الجميع أن هذه القصة أسدل عنها الستار عادت إلى الأضواء عام 2016 عندما اهتمت بها بعض البرامج التليفزيونية في محاولة جادة للبحث عن نهاية سعيدة لإسلام، ولكن بعد 7 سنوات ازدادت الصورة قتامة بعد أن انضم أبناء إسلام إلى المأساة وبعد أن كان هناك شخص واحد بلا هوية أصبح هناك أربعة أشخاص؛ لذلك نعيد فتح الملف من جديد بحثًا عن حل قانوني وإنساني لإسلام وأولاده، وإلى التفاصيل المثيرة.

خطف رضيع

تعود تفاصيل القصة لـ31 عامًا، وتحديدا شتاء 1992، في إحدى الليالي الممطرة، كان الجو باردًا والرياح شديدة، وأصوات الرعد تتعالى من كل مكان، الكل نيام داخل بيوتهم، وفي بيت من بيوت منطقة حي أبو صقل، بالعريش كانت تعيش أسرة مكونة من 5 أشخاص، أب وأم وثلاثة أطفال "إسلام، هشام، محمد"، استيقظت تلك الأسرة على طرقات شديدة على باب المنزل، أصابتهم بالفزع الشديد، فأسرعت الأم تفتح الباب، فوجدت أمامها رجال المباحث يبحثون عن طفل رضيع تعرض للخطف منذ أيام، وبتفتيش المنزل وجدوا الطفل، لتصرخ الأم "ولادي.. سيبوا ولادي"، وتم اصطحابهم جميعا للقسم، وهناك كانت المفاجأة، الأطفال الثلاثة ليسوا أشقاء، وليسوا من صلب الأب والأم، وإنما الزوج والزوجة عصابة تخصصت في خطف الأطفال، ومعهما شقيقة الزوجة.. ولكن ما هي حقيقة تلك العصابة وكيف تم اكتشافهم وأين أسر تلك الأطفال وخصوصا الطفلين إسلام وهشام؟، لأن الطفل الثالث محمد هو ابن الأسرة التي بلغت بخطفه وتم تسليمه لهم في الحال. 

الحكاية كما نشرتها أخبار الحوادث وقت حدوثها وتحديدا 1992، كانت كالتالي؛ بلاغ من أم في مارس ١٩٩١م تقدمت به لرئيس مباحث قسم ثان العريش، قالت أنها كانت تحمل ابنها مصطفى وعمره 40 يومًا، وتعرفت على سيدة في السوق أخبرتها أن اسمها إيمان وتعمل بالشئون الاجتماعية، وأنها تتعرف على السيدات الفقيرات لفحص حالاتهن وتوفيرالرعاية الصحية لهن وتوظيفهن، فرحت الأم وأخذتها لمنزلها لتفحص حالتها، وفي اليوم التالي اصطحبت الأم لطبيب ليفحصها طبيا حتى توفر لها وظيفة، وتركت الأم الطفل مع "إيمان المزعومة"، ودخلت للطبيب، وعندما خرجت لم تجد إيمان ولا طفلها، فإيمان خطفت الطفل وفص ملح وداب، وظل البحث مستمرا عن الطفل لعدة شهور لدرجة أن الأم فقدت الأمل في أن تجد ابنها مرة ثانية، وبعد مرور عام ونصف على تلك الواقعة، وصلت معلومات لرئيس المباحث تؤكد أن الجيران في منطقة حي أبو صقل يشكون في سيدة وزوجها يعالجان من العقم ومع ذلك فإن لهما ثلاثة أطفال، كما أن الزوجة تدعي أنها حامل في الشهر الرابع، على الفور تشكل فريق بحث لكشف اللغز، وفعلا أثبتت التحريات أن الزوجة عقيمة، ولم تنجب طوال حياتها أي طفل، والزوجة التي تدعي الحمل لجيرانها تحشو بطنها بالملابس القديمة لتنتفخ، ولكن السؤال لماذا تفعل ذلك؟، وفي نفس الوقت تم فتح ملف البلاغ الخاص بخطف رضيع من والدته منذ عام ونصف، واستدعاء الأم والتي أكدت أنها تستطيع التعرف على الخاطفة ولو مر 100 عام، فصورتها مازالت عالقة في ذهنها، وبالفعل تم القبض على تلك السيدة، والتي اتضح أنها تدعى "عزيزة"، وأن الطفل الذي أسميته محمد هو مصطفى نجل صاحبة البلاغ وبالفعل تم تسليمه لأهله، وأخذت عزيزة تعترف بجريمتها ولماذا لجأت لخطف الأطفال، وأكدت أنها عاقر وكان حلم الأمومة يساورها، وبدأت الناس في معايرتها، لذلك ملأ الحقد قلبها وقررت خطف الأطفال من أمهاتهم وإشباع غريزة الأمومة عندها، وكان إسلام بطل قصتنا هو أول طفل لجأت لخطفه. 




إسلام ومستشفى الشاطبي

اعترفت "عزيزة" وقالت إنها ذهبت هي وزوجها وشقيقتها يبحثون داخل المستشفيات عن طفل يعجبها، ولكن لم يعجبها أحد في أغلب المستشفيات، وفي مستشفى الشاطبي خدمها القدر عندما دخلت وحدها بينما انتظر زوجها وشقيقتها بالخارج، فقابلت والدة إسلام وهي تحمله رضيعا، وكانت سيدة جميلة ونحيفة، فاقتربت منها للتعرف عليها واتضح أنها أنجبت الطفل منذ يوم واحد فقط وزوجها محبوس، وكان يبدو عليها التعب، فظلت تطرق على باب المستشفى وتعنفهم لتركهم تلك السيدة في هذه الحالة، فأخذها الأطباء للداخل وأغلقوا الباب، وكان الطفل مع عزيزة، فأخذته وهربت، وفي الليل ظلت تصرخ وكأنها آلام الولادة، وفي الصباح عرف الأهالي بأنها وضعت مولودها الأول، واستخرجت له شهادة ميلاد باسم إسلام سعيد وصار ابنها البكري. 

واعترفت أيضا بقصة خطف الطفل الثاني، وبعدها انتقلت للعيش في العريش حيث أسرة زوجها، وهناك وبسبب معايرة الجميع بقلة إنجابها فكرت في خطف الطفل الثالث، وكانت تستعد لخطف الرابع أيضا، ولكن رجال المباحث أحبطوا خطتها، وتم الحكم عليها وعلى شقيقتها، بالسجن 7 سنوات بتهمة خطف الأطفال، وعلى الزوج بالسجن 3 سنوات بتهمة التزوير.

ولكن ما يهمنا الآن هو إسلام تحديدا؛ وذلك بعدما استطاع رجال المباحث إعادة الطفلين الآخرين لأسرهما، ولكن إسلام بدأت مأساته، طفل كان عمره وقتها 11 عاما، فجأة اكتشف أن هشام ومحمد ليس شقيقيه وتم إعادتهما لأهلهما، بينما هو لا يعرف من والده ومن والدته، قصته عرفها الأهالي وتناقلتها الألسنة، ونال تعاطف من الجميع حتى أشفق عليه مدرس لغة عربية وتبناه 6 أشهر، ثم بعد ذلك تبناه مدير المعهد الأزهري لمدة 6 أشهر أيضا، عاش إسلام تقريبا عام ونصف متنقلا بين الأسر في المنطقة وما بين مكتب رئيس المباحث، حتى تم إصدار قرار بإيداعه دار رعاية ببورسعيد وقبل أن ينفذ القرار، جاءت أسرة من محافظة المنوفية وتحديدا مركز أشمون يقولون أنه ابنهم، والغريب وقتها أن عزيزة قالت "أيوه.. دي أسرته"، فرح إسلام فأخيرًا عثر على أسرته وسيعيش أياما سعيدة، ولم يكن ذلك المسكين يدري بما يخفيه له القدر. 




المنوفية.. 22 عاما في وهم

انتقل "إسلام" للعيش مع أسرته الجديدة، واستخرج شهادة ميلاد جديدة باسم إسلام جمعة، مرت السنوات طبيعية جدا، حتى وصل إسلام سن 15 سنة، وبدأت تتغير معاملة أسرته له، تحولت من الحب للكره، ومن العطف للقسوة، وإسلام لا يعرف السبب في تغيير المعاملة، كبر إسلام وحصل على دبلوم صنايع، وقرر الزواج، وبالفعل تزوج من فتاة وأنجب طفلة أسماها ملك، وازدادت المشاكل والخلافات بين إسلام وأسرته، لدرجة أن والده طرده من البيت واستحوذ على شقته وجهازه، فلم تتحمل زوجته تلك الخلافات، فذهبت تشتكي إسلام بالقايمة، ورفعت دعوى طلاق، وبالفعل طلقت وأخذت ابنتها واختفت، مرت الأيام وأراد إسلام أن يستقر ويتزوج للمرة الثانية، فتعرف على فتاة وأحبها وتزوجها، ورزقهما الله بطفلين أكبرهما الآن في الصف الثالث الإعدادي والصغير في 5 ابتدائي، وعاد إسلام للعيش مرة أخرى في شقته في بيت أسرته، لكن الخلافات بينه وبين والده تحديدا ازدادت، من هنا بدأ يشك إسلام إنها استحالة تكون أسرته وقرر يجري تحليل البصمة الوراثية DNA ليتأكد من الحقيقة، وكان ذلك في رمضان عام 2015، وللأسف شكوكه كانت في محلها فهو ليس ابنهم، فهو عاش 22 عامًا مع تلك الأسرة في وهم، حتى وجد نفسه يعيش المأساة مرة أخرى ويعود لنقطة الصفر من جديد ويبحث عن أسرته الحقيقية وكأنه عاد بالزمن لما كان عمره 11 عامًا، الأسرة رفعت قضية إنكار نسب وذهب الأب وألغى قيد إسلام من العائلة، بمعنى أدق إسلام جمعة ليس له أي وجود في الحياة، اسم الأب المقيد في شهادات ميلاد ثلاثة أطفال ليس له وجود في الدنيا!. 




أسرة زوجته

أخذ إسلام زوجته وطفليه وذهب لمحافظة القليوبية وتحديدا طوخ؛ ليعيش مع أسرة زوجته التي وقفت بجانبه وظلت تسانده في محنته، وعمل إسلام حدادا، ورغم أنه استقر وبنى حياة جديدة له، إلا أنه لا يريد سوى معرفة الحقيقة ومن هم أسرته الحقيقية، هذه كانت المشكلة الوحيدة في حياته التي مازالت تؤرقه ولا يعرف للنوم طريقا بسببها، فأخذ يبحث عن عزيزة ليعرف منها الحقيقة ولماذا كذبت وقالت إن جمعة والده؟!، كان يحفظ اسمها جيدا وعرف أنها أدت العقوبة وخرجت من السجن، فظل يبحث عنها حتى وصل لها في محافظة الإسكندرية. 


حوار عزيزة

وصل "إسلام" بعد عناء وتعب لمنزل "عزيزة"؛ التي بمجرد أن فتحت له الباب عرفته، وقبل أن يتفوه بكلمة، قالت "أوعى تتكلم... تعالى يا إسلام أدخل"، ودار بينهما الحوار التالي:

إسلام: جمعة مطلعش أبويا

عزيزة: مأنا عارفة أنه مش أبوك

هو: ليه كدبتي.. ومين أهلي؟ 

هي: أنت ابني أنا 

هو: ابنك ازاي وانتي عاقر مبتخلفيش 

هي: لا ابني اللي اتمنيته من ربنا 

ولكي يقطع شكها رغم أنه متأكد من أنه ليس ابنها، أخبرها أنه سيجري تحليل الـ DNA وبالفعل أثبت التحليل أنها ليست والدته، وعلى الرغم من ذلك كان لديها إصرار رهيب بأنه ابنها، حاول إسلام معها مرارا وتكرارا لتخبره بالحقيقة لكي يعود لأسرته كما عاد هشام ومحمد، ولكن بلا فائدة، ومن خلال وجوده في إسكندرية استطاع إسلام أن يعرف جزء من الحقيقة وهي أنه خطف منذ أن كان عمره شهر ونصف وليس كما قالت في التحقيقات أنها خطفته منذ يوم واحد من ولادته، عرف تلك المعلومة من السيدة التي أرضعته وهو طفل، ولكنها في النهاية مجرد معلومة لم تصل به لشيء سوى أن عزيزة تكذب ولا تقول الحقيقة، وعاد إسلام لبيته خائبا بعدما فشل في معرفة من هي أسرته.




ماتت وسرها معها

وبعد أيام وتحديدا يوم 27 سبتمبر 2016، وجد إسلام عزيزة تدق بابه، فرح لرؤيتها اعتقد أن ضميرها استيقظ وستخبره بالحقيقة، لكنها أخبرته أنها مريضة سرطان وبدون أي مقدمات ألقت بنفسها من الطابق الرابع وسط ذهول إسلام، تم نقلها سريعا للمستشفى في محاولة لإنقاذها، وداخل المستشفى ظل المسكين يتوسل إليها أن تخبره الحقيقة وتقول من والده ومن أسرته، ولكن صعدت روحها للسماء، وفي هذه اللحظة نتذكر فيلم «العفاريت» للكاتبة ماجدة خيرالله، والذي تحول من خيال إلى واقع عاش فيه إسلام، وكأن الكاتعة هي عزيزة وإسلام هو بلية التي رفضت الكاتعة أن تبوح لها وتقول من والدتها وماتت قبل أن تنطق بالحقيقة.. ماتت عزيزة وسر إسلام معها!.. وقتها اتهم إسلام بقتلها وظل محبوسا 64 يومًا، كان لا يتمنى من الله سوى أن يسخر له من يخرجه ممن هو فيه وأن تظهر براءته، حتى أثبتت التحريات وشهادة الشهود وتقرير الطب الشرعي براءته وأنها هي من انتحرت.

54 تحليلًا DNA

رغم موت عزيزة إلا أن إسلام لم يفقد الأمل في أن يجد أسرته، وأنشأ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يحكي فيها قصته، تاركا رقم هاتفه وأن أي أسرة لديها طفل تم خطفه عام 1982 يتصل به.. لم يكن إسلام يتوقع أن تنهال عليه كل هذه الاتصالات، مرة محافظة كفر الشيخ وأخرى الإسماعيلية وثالثة الصعيد، وهكذا من شرق مصر وغربها وشمالها وجنوبها تنقل إسلام، لدرجة أنه أجرى 54 تحليلا مع 54 أسرة، ولكن جميعها لم تثبت أنه ابنهم، لدرجة أن هناك أسرة تعيش في محافظة الإسكندرية لديها ابن يشبه إسلام وكأنه تؤام اعتقد الجميع أنه ابنهم.

اقرأ أيضا| المتهم بخطف طالب في البساتين: «كنت عايز أرجع فلوسي من أبوه»
 

أمل وكذبة

هذا حدث عام 2018، أجرى إسلام وتلك الأسرة تحليل البصمة الوراثية، وبعد أيام ذهب هو وشقيقه لمعرفة النتيجة، فاستقبله الطبيب بابتسامة وفرحة "مبروك انت ابنهم.. دي نتيجة التقرير المبدئي ولكن النتيجة النهائية ستظهر بعد 4 أيام"، إسلام كان عاقلا ويتسم بالهدوء الشديد وبسبب ما عاشه لم يفرح بالنتيجة وقرر الانتظار 4 أيام حتى يتأكد تماما، لكن شقيقه والأسرة لم ينتظروا وفرحوا بما قاله الطبيب وخرجوا في الصحف والمواقع يحكون قصة خطف إسلام وكيف عاد لهم بعد هذه المدة، ولكن بعد 4 أيام كانت المفاجأة التقرير النهائي أثبت أن إسلام ليس ابنهم.. ومازال إسلام يبحث عن أسرته منذ 1992 وحتى وقتنا هذا.


 

نفسي أعيش زي الناس

انتقلنا لمنزل إسلام، حيث يعيش في بيت بسيط بطوخ، بمحافظة القليوبية، في رحلة للبحث معه عن أسرته ونقل معاناته، ومحاولة لإيجاد حل لمشكلته خصوصا أنه بلا أي أوراق تثبت وجوده في الحياة، منذ أن تراه تجد شابا وكأنه أصبح عجوزا من الهم والحزن ومرارة الأيام والأحداث التي عاصرها، شابا مليئا بالوجع والألم.. أب خائف على مصير أولاده.. يمشي هائما يتأمل وجوه الناس، يسأل نفسه من منهم يعيش نفس قصته الحزينة؟، بالتأكيد لا أحد.. يكاد يصرخ من الألم حتى يعرف الكل مشكلته ويقدم له يد العون.

"أنا نفسي أعيش زي الناس"، هكذا بدأ إسلام حديثه معنا، وأضاف: "عندي 41 سنة ومازالت مجهول النسب، لا أعرف مين والدي ولا مين والدتي، 41 عامًا في عذاب، وحتى آخر يوم في عمري لن أفقد الأمل في أن أبحث عن أسرتي ومعرفة الحقيقة، مش عشاني ولكن عشان خاطر أولادي التلاتة، أنا دلوقت مش معايا بطاقة ولا شهادة ميلاد، وأولادي التلاتة مش عارفين لما يكبروا ويستخرجوا بطاقة هتم ازاي، فالاسم المدون في شهادات ميلادهم ليس له وجود في الحياة بعدما ألغى جمعة الذي كنت اعتقد أنه والدي اسمي من قيد العائلة". 
وبصوت حزين قال: "أنا عملت ٥٤ تحليل مع ٥٤ أسرة، لدرجة أنني بعت ذهب مراتي وكان في ناس بتتبرع ليا عشان اعمل التحليل ده وأعرف الحقيقة، وعندي استعداد اعمل اي حاجة بس أعرف الحقيقة وأعيش حياة سوية وأولادي يكونوا ليهم حياة مستقرة".

ثم دخل إسلام في نوبة من البكاء، حاولنا تهدئته، تنهد تنهيدة مليئة بالوجع وقال: "الموضوع صعب، أنا في كرب شديد ومش معترض على قضاء ربنا، بس نفسي حد يحس بيا وبوجعي ويقولي أعمل ايه، أنا مش عارف أعيش، عمر الواحد مش بيتعاش مرتين، أنا قربت على الخمسين ومازالت أعمل باليومية، وغيري عنده شغله الخاص، ولا هعرف اسوي معاشي ولا عارف يكون ليا شغلي الخاص".

صمت قليلا وكأنه يتذكر موقفا حدث معه؛ ثم استكمل قائلا: "منذ عدة أيام وأثناء عودتي من العمل، أوقفنا كمين شرطة وطلب مني بطاقتي، والإجابة كانت "مش معايا بطاقة"، لدرجة أنهم شكوا في وطلبوا مني الاتصال بآخر رقم تواصلت معه، وكان صاحب العمل، وبعد ساعات لم أملك سوى أن افتح اليوتيوب واجعلهم يعرفون قصتي، وأنني لا أملك أي أوراق في الدنيا، تعاطفوا معي ومع قصتي وجعلوني أمشي، ولكن حتى متى سأظل هكذا؟".

واختتم إسلام حديثه قائلا: "لو كانت عزيزة ماتت وسري معاها فزوجها لسه عايش وأكيد عارف الحقيقة ومين أهلي بس أنا مش عارف أوصله.. ياريت يرحم ضعفي ويقولي الحقيقة أنا مين وابن مين".

الإنسان عبارة عن مجموعة أوراق، عندما يولد تكون له شهادة ميلاد، عندما يتزوج يكون هناك قسيمة زواج، عندما يتوفى يكون له شهادة وفاة، فماذا عن إنسان لا يمتلك هذه الأوراق وكأنه لم يولد ولم يأت لهذه الدنيا!.
هذه هي قصة إسلام نضعها بالكامل أمام المسئولين من أجل الوصول لحل إنساني وقانوني يمنح هذا الرجل الفرصة ليعيش حياة طبيعية سوية هو وأولاده مثل أي أسرة عادية، فمن يستجيب لصرخة هذا الشخص ويرحم ضعفه؟.