حبر على ورق

الكفوف الحمراء

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«أوقفوا النار الآن.. أنقذوا أطفال غزة» بهذا الهتاف الذى دوى صداه فى أركان القاعة، أحرج ناشطون أمريكيون وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، أثناء جلسة استماع فى الكونجرس لمناقشة تقديم مساعدات لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

كان بلينكن قد بدأ الحديث فوقف أحد الحضور وشرع فى الصراخ بانفعال وحماس، واصل الهتاف بصوت عالٍ أمام الموجودين فى القاعة «اتفاقية جنيف تحظر قصف المناطق المكتظة بالسكان».. «أوقفوا دعم الإبادة».. «أوقفوا إطلاق النار الآن.. أنقذوا أطفال غزة».

وكأنه أطلق إشارة البدء، ارتفعت الكفوف المخضبة باللون الأحمر، رمز الدماء الفلسطينية المهدرة لأبرياء من المدنيين أغلبهم أطفال ونساء وكبار السن، رفعها مجموعة من المعارضين الأمريكيين للسياسة الأمريكية التى تساند إسرائيل فى حربها على غزة، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولى الذى يحظر قتل المدنيين، أثناء اقتياد الرجل الذى أطلق شعلة البداية إلى خارج القاعة، كانت صيحة الاحتجاج الصريح قد وثقت بعشرات الأيدى والكفوف الحمراء التى ظلت مرفوعة أثناء الجلسة، وصورتها عدسات المصورين.

بعد دقائق، تقف سيدة أخرى أثناء حديث بلينكن لتهتف بصوت عالٍ «الولايات المتحدة تدعم مذبحة وحشية»، فى لحظات يدفعها حراس الأمن خارج القاعة، بينما يصل هتافها إلى الجميع «أطالب العالم بوقف لإطلاق النار، لا يريد الشعب الأمريكى دعم هذه الحرب الوحشية، أوقفوا هذه الحرب، أوقفوا إطلاق النار، أوقفوا تمويل هذه المذبحة الوحشية التى ترتكبها إسرائيل بحق شعب غزة».

هل تتصور الإدارة الأمريكية أنها ستنجو بفعلتها؟ هل يصور لها غرورها، وتزين لها غطرستها أن مساندة المجزرة التى تجرى الآن فى قطاع غزة، والضفة الغربية شيء يمكن تمريره والتغاضى عنه؟ ألا يشاهد هؤلاء المسئولون فى تلك الإدارة صور وفيديوهات الأطفال الفلسطينيين التى تمزق القلوب حسرة وحزنا على موت ضمير العالم؟.

كيف ينظر هؤلاء إلى ما يحدث؟ وأى شيطان يحرك قراراتهم وتوجهاتهم؟ هل القضاء على حماس هو نفسه القضاء على الشعب الفلسطينى الأعزل؟ هل تم اختزال قضية عمرها خمسة وسبعون عاما فى حرب بدأت منذ ثلاثة وعشرين يوما؟.

إذا كانت حماس قد أخطأت فى اتخاذ قرار الحرب منفردة دون إشراك منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا كانت إسرائيل قد قررت الانتقام من حماس، فما ذنب شعب مقهور، صاحب حق فى أرضه المسلوبة؟ شعب له مطالب مشروعة لابد أن يسمعها العالم، ويتبنى حلولا عادلة وشاملة لإرسائها.

لقد صرحت منظمة الصحة العالمية قبل يومين أن غزة والقطاع يشهدان الآن كارثة إنسانية وصحية كاملة، لكن الإدارة الأمريكية لا تسمع، لا ترى، لا تتكلم إلا دفاعا عن مرتكبى الجرائم فى حق الأطفال والنساء والمدنيين فى قطاع غزة.

إننا نعيش الآن أكبر كابوس شهدته البشرية، بشر محاصرون، بلا كهرباء، ولا مياه، ولا وقود، ولا أنترنت، المستشفيات تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتفقد قدرتها على تقديم أى خدمة طبية لأن الوقود والمستلزمات الطبية غير موجودة، الحياة تسلب قهرا وقسرا من بشر معظمهم أطفال وهم أحياء يرون بأعينهم مراسم قتلهم على مرمى من أعينهم!!.

يا قادة العالم الغربى أليس بينكم عاقل؟.. أليس منكم رجل رشيد؟؟.