يوميات الأخبار

أول طائرة تهبط فى مطار غزة.. مصرية!

محمد الشماع
محمد الشماع

بينما العالم الحر أو من يسمون أنفسهم هكذا! أصحاب حقوق الإنسان لا يكتفون بالمشاهدة وإنما يساهمون مساهمة فعالة فى هذه المجزرة للشعب الفلسطينى

أثناء انفجار المجزرة البشرية فى غزة وجرائم الحرب القذرة التى ترتكبها إسرائيل ولم يسبق فى تاريخ البشرية أن تعرض هذا الكم من البشر للموت، بينما العالم الحر أو من يسمون أنفسهم هكذا! أصحاب حقوق الإنسان لا يكتفون بالمشاهدة وإنما يساهمون مساهمة فعالة فى هذه المجزرة للشعب الفلسطينى..

بينما مصر تدين الاعتداء وتدعو للتهدئة، وتقدم كل ما تملك من إمكانيات ومساعدة للفلسطينيين بدوافع وأسس لا تخضع للمزايدة أو الأقاويل ويكفيها تاريخها الطويل فى التضحية والكفاح من أجل الشعب الفلسطينى، حتى انتصرت لدخول المساعدات لإخواتنا أبناء الشعب الفلسطينى قبل الإفراج عن حاملى الجنسيات الأجنبية من غزة، بالرغم من الضغوط الهائلة على مصر!

وفد مصرى فى غزة!

بعد عودة الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات ورفاقة الى غزة بعد تحريرها انطلاقا من الحدود المصرية فى يوليو ١٩٩٤.. وبعد إعادة الإعمار فى غزة والدور الكبير الذى قامت به مصر ومشاركتها فى إقامة البنية التحية ومطار غزة الدولى الجديد وعدد من المؤسسات الإنتاجية والخدمية والتعليمية والصحية مما ترك أثراً عميقاً فى نفوس الشعب الفلسطينى، كانت أول دعوة من الجانب الفلسطينى قدمها الزعيم ياسر عرفات إلى مصر تقديرا لدورها ومساندتها للشعب الفلسطينى بدعوة وفد مصرى رسمى وشعبى ضم عددا من الوزراء وكبار المسئولين والسياسيين والحزبيين والمفكرين والصحفيين والفنانين برئاسة صفوت الشريف حتى تكون أول طائرة تهبط فى مطار غزة طائرة مصرية تحمل الوفد المصرى الذى تشرفت بأننى كنت أحد أعضائه.

ثلاثة أيام قضاها الوفد فى غزة فى ضيافة الشعب الفلسطينى وكان ياسر عرفات فى استقبال الوفد فى مطار غزة تملؤه السعادة والفرح والزهو بأعضاء الوفد أبناء الشعب المصرى..

وانطلق الوفد فى حافلات سياحية وسط شوارع غزة التى امتلأت عن آخرها للترحيب بأعضاء الوفد فى احتفالية تاريخية لا تنسى ومررت فى نفس الأماكن التى أشاهدها حاليا وهى تنفجر وتسقط مبانيها فوق أطفال ونساء وشيوخ وشباب أبناء فلسطين ـ استقبال شعبى ورسمى رائع للوفد المصرى مهرجانات شعبية ومؤتمرات سياسية، وكلمات رائعة وإشادات بمصر وشعب مصر وقيادات مصر من القيادة الفلسطينية من أبو عمار للدور المصرى العظيم..

كما كان الحضور الشعبى من الشباب والرجال والنساء والأطفال طوال مدة الزيارة وفى كل مكان يذهب إليه الوفد المصرى حضوراً لافتاً للنظر بشكل يثير الإعجاب ويدل على الحب المتبادل بين الشعبين الفلسطينى والمصرى والحرص الشديد لحضور المؤتمرات الشعبية احتفالا بالوفد المصرى الذى كان يصل لمكان المؤتمر ولا يوجد موضع لقدم من كثرة الزحام وهم سعداء فارحون بوجود الوفد المصرى بينهم وفى وطنهم فلسطين.

فى كل مكان كان الإخوة الفلسطينيون يقدمون لأعضاء الوفد الحلوى التى يجيدون صنعها بأيديهم والمشروبات فى كرم غير عادى، كما كانت سعادتهم فائقة بمشاهدة نجوم الفن المصرى بينهم والاحتفاء غير العادى بالفنان عادل إمام الذى حرص الجميع على التقاط الصور التذكارية معه.

نستمد صمودنا من مصر

كل القيادات الفلسطينية كانت معنا خلال جولاتنا فى المشافى والمدارس والمشروعات الصناعية والغذائية والصناعات التقليدية الفلسطينية المنتشر فى غزة وفى المؤتمرات السياسية، احاطنا الشعب الفلسطينى بكل التقدير والاحترام مؤكدين انهم كانوا يستمدون صمودهم من وقفة مصر إلى جانب الحق الفلسطينى والتضحيات المقدرة وغير المحدودة من أبناء الشعب المصرى لصالح قضية الشعب الفلسطينى العادلة.

قطاع غزة يبلغ مساحته ٣٦٣ كيلومترا مربعاً يقع على ساحل البحر المتوسط بين إسرائيل وشبه جزيرة سيناء وكان تعداده وقتها ٧٥٠ ألف مواطن وأربعة آلاف مستوطن يهودى وفقا لتقديرات المكتب المركزى الإسرائيلى للإحصاء فى العام ١٩٩٥، أما التقديرات الفلسطينية فتؤكد أن عدد الفلسطينيين يصل إلى مليون نسمة فى العام نفسه. والزراعة هى عصب الاقتصاد بعد أن فقد القطاع ملايين الدولارات من تحويلات المغتربين فى دول الخليج بعد أزمة الخليج ١٩٩٠. كما اصيب الاقتصاد المحلى بأضرار أخرى بعد أن أغلقت إسرائيل حدودها أمام ٣٠ ألف عامل فلسطينى، ويعمل حوالى أربعة آلاف فلسطينى لحساب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أونروا التى تساعد اللاجئين الفلسطينيين. وفى العام ٤٨ فصل قطاع غزة الذى يشبه المثلث على الساحل الجنوبى للبحر المتوسط عن باقى فلسطين حتى عام ١٩٦٧.

لا وقت للنوم فى غزة

ثلاثة أيام رائعة لا تنسى غمرتها المحبة والأمل فى إقامة الدولة الفلسطينية والثقة فى استكمال تحرير باقى الأرض المقدسة، أيام مرت كأنها لحظات كانت تعبيرا عن صلابة الإرادة وتحدى المستحيل وحلم إقامة الدولة الفلسطينية..

لم نعرف التعب رغم أن عدد ساعات النوم كان لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة طوال مدة الزيارة جولات ومؤتمرات واحتفالات ومهرجانات جميلة ورائعة وتراث فلسطينى أصيل، تجولنا فى معظم المناطق والأحياء ورغم أن معظم عناوين الطرق والشوارع والميادين قد كتبت باللغة العبرية، إلا أنه سرعان ما تمت كتابتها باللغة العربية لكى تعيد للقطاع العريق تراثه وتاريخه.

زيارة مرت سريعة، ولكن مازالت كل ملامحها باقية فى القلب والضمير والوجدان حتى الآن وهى تقاوم جريمة حرب ومجزرة بشرية لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية.

ذكريات ومواقف

أثناء مصافحة الزعيم ياسر عرفات تذكرت أول لقاء لى معه فى العام ١٩٨٦ فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أثناء انعقاد اجتماع القمة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وكانت العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية ومصر ليست على ما يرام بسبب بعض الشائعات المغرضة لبعض المنتفعين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية.. كان معى الصديق صفوت أبو طالب الصحفى المتخصص فى الشئون العربية وهو من أصدقاء الزعيم ياسر عرفات..

وإذا بالصديق صفوت يهمس فى أذنى قائلا تحب تقابل «أبو عمار» ولم يكن أحد يعلم بوجود أبو عمار فى أديس أبابا سوى عدد قليل جدا من المشاركين فى القمة ـ قلت بالتأكيد..

نعم ولكن هو فين؟ فقال خلاص تعالى معى إلى حيث يوجد أبو عمار.. وانسلخنا من بين الزملاء الصحفيين وذهبنا إلى مكان غريب بعيدا عن مكان إقامة الرؤساء وقادة الدول الأفريقية وإذا بنا نلف وندور فى ممرات وطرق ضيقة حتى وجدتنى أمام الزعيم ياسر عرفات فصافحته ورد علىّ بحرارة بعد أن قدمنى إليه الصديق صفوت أبوطالب ـ رحمة الله عليه ـ..

وفى مثل هذه الفرص التى يجب ألا تفلت دون أن تحصل على انفراد أو سبق صحفى خاصة إذا كنت أمام شخصية بحجم وزعامة أبو عمار فبادرته سائلا: كيف حال المقاومة مع مصر؟

وبمجرد أن انتهيت من سؤالى فوجئت بما لم أكن أتوقعه.. أحمر وجه أبو عمار وتحدث بغضب شديد وصوت عالٍ وهو يلوح بيديه قائلا: ايش تريد من المقاومة.. ايش بدك.. تريدها سيئة تريدها كيف؟!.. المقاومة ومصر بخير وأخوة وسلامة وقوة!

فهمت السؤال خطأ!!

على الفور تدخل الصديق صفوت أبو طالب موضحا لأبو عمار إننى رجل مصرى عروبى ووطنى ١٠٠٪ وأنه يريد الإطمئنان على حالة المقاومة وقائدها بعد الشائعات التى انتشرت عن وجود مشاكل عالقة مع مصر!.. انت فهمت السؤال خطأ!!

انسحبت وأنا غير مصدق من رد الفعل غير المتوقع والعصبية التى تحدث بها أبو عمار.. أما الصديق صفوت أبو طالب فقد أخذ يطيب من خاطرى ويهدئنى ملتمسا العذر لأبو عمار الذى كان فى حالة من الضيق الشديد الناتج من محاولات دس الفتن بين مصر والمقاومة.. تقابلت بعد ذلك مع الصديق الفنان فاروق إبراهيم ـ رحمه الله ـ وحكيت له ما حدث فقال لى إن أبو عمار حضر للمشاركة فى القمة الأفريقية كمراقب واستغل فرصة وجود الرئيس مبارك لكى يقابله ويعتذر له عما حدث من بعض رموز المقاومة الفلسطينية فى حق مصر.. ثم همس لى قائلا: أنا عملت صورة ـ بلغة الصحافة ـ قنبلة، وخطفت لقطة لأبو عمار وهو يقبل رأس الرئيس معتذراً له عما حدث!

تقابلت مرة أخرى مع أبو عمار فى مؤتمر القمة الأفريقية فى تونس فى نهاية التسعينيات حيث وقعت مشادة بين أفراد الحراسة الخاصة للرئيس مبارك وأفراد الأمن التونسى فى مطار تونس لحظة وصول الرئيس مبارك إلى العاصمة تونس، وعلى إثر هذه المشادة التى كادت أن تستخدم فيها الأسلحة النارية قرر الرئيس مبارك عدم حضور المؤتمر واعطى تعليمات بالاستعداد للعودة إلا أن أبو عمار وقادة الدول الأفريقية توافدوا على مقر إقامة الرئيس وقدموا له الاعتذار وكان معهم الزعيم ياسر عرفات وطالبوه بحضور المؤتمر حتى لا يفشل المؤتمر قبل أن يبدأ حيث كان مقرراً أن يرأس الرئيس مبارك المؤتمر ويقدم تقريرا عن أعماله فى العام الذى سبق ثم يسلم الرئاسة إلى الرئيس التونسى باعتباره الرئيس للعام الجديد صافحت الزعيم أبو عمار عقب خروجه سعيدا ومبتسما من مقر إقامة الرئيس وكانت الساعة تقترب من الثانية صباحا بعد منتصف الليل حيث كنت أجلس على الأرض من كثرة الإجهاد والإرهاق لكننى انفردت بقصة خبرية عن هذا الحدث الذى لا يتكرر إلا نادراً وتصدر الخبر جريدتنا ومعشوقتنا «الأخبار».

مواقف إسرائيلية

الغرب يدين الإرهاب عندما يكون عربيا.. ويصمت عندما يكون إسرائيليا!!

من ينتصر على الآخر شرعية ـ العدوان ـ الإسرائيلى أم شرعية الأمم المتحدة؟!

القوة الغاشمة التى تملكها إسرائيل تحجب الرؤية وتمنع عنها الفهم!

د.بطرس غالى وجوتيريش الأمينان العامان للأمم المتحدة حفرا اسميهما فى سجل التاريخ بحروف من ذهب بعد مواقفهما من جرائم إسرائيل! الأول بعد مذبحة قانا والثانى مجزرة غزة.