أخر الأخبار

آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: هذه الأمم المتحدة المغلوبة على أمرها!

حامد عزالدين
حامد عزالدين

أظن أن العجز الكامل لمجلس الأمن الدولي باعتباره الجهة الأعلى المسئولة عن إدارة شئون العالم  باعتباره هيئة دولية «محايدة» يحتاج إلى إعادة نظر بشكل عاجل في نظام التصويت العجيب المعمول به، والذي يجعل صوتا واحدا يعادل في قوته أصوات عشرات دول العالم، وأقصد به حق النقض الذي لا يسأل صاحبه عن مبرراته.

وثانيا في اعتبار قرار يصدر عن الجمعية للأم المتحدة بأغلبية ساحقة في نفس الأمر المعروض على مجلس الأمن بمثابة قرار غير ملزم. وبمعنى قانوني أقرب إلى الحبر على الورق . وأظن أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانوا أمام وضع يختلف جذريا عما هو عليه الوضع حاليا.

فعندما تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة في العام 1945 كان عدد أعضائها 51 دولة - بينهم مصر- فيما يبلغ عدد الأعضاء اليوم 193 دولة. وعند تأسيسها بعدما أوشكت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء، كانت الدول في حالة خراب، وكان العالم يريد السلام. فاجتمع ممثلو 50 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة حول التنظيم الدولي في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا بالولايات المتحدة - نظرا لدورها الحاسم في إنهاء الحرب، في الفترة من 25 أبريل إلى 26 يونيو 1945. وعلى مدار الشهرين التاليين، شرعوا في صياغة ميثاق الأمم المتحدة ثم التوقيع عليه، بأمل أن تمنع المنظمة الجديدة، نشوب حرب عالمية أخرى مثل التي كانوا قد عاشوها. 

وما دام تحقيق السلام هو الهدف الأسمى للأمم المتحدة، فإن الواجب يقتضي منها العمل على إزالة أى أسباب يمكن أن تؤدي إلى الحروب، وعلى رأسها غض النظر عن مشاعر الظلم لدى بعض الأطراف لصالح أطراف أخرى.

واليوم يعمل في الأمم المتحدة بجميع هيئاتها نحو 36 ألف موظف وتبلغ ميزانيتها نحو 14.8 مليار دولار. وأظن أن الواجب يقتضي ضرورة إجراء تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف الذي هو التعامل العادل للمنظمة مع مختلف الأطراف بما يحقق المساواة الكاملة وذلك بأن يصبح رأي الأغلبية هو العنصر الحاكم في اتخاذ القرارات طبقا لحجم الأغلبية وطبيعة القضية المطروحة للتصويت. فليست الأغلبية «البسيطة» كافية لاتخاذ قرارات الحرب أو السلام ، والإدانة أو التبرئة. فعندما تصوت 120 دولة لصالح إعلان هدنة لأسباب إنسانية في غزة مقابل 14، يصبح القرار واجب النفاذ ولو باستخدام قوات الأمم المتحدة الدولية . 

وإذا كانت المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة تقضي بأن يتكون مجلس الأمن من 15 دولة - بينها 5 دول دائمة العضوية و10 دول يتم اختيارها بالانتخاب لتمثيل المناطق الجغرافية المختلفة لمدة عامين - فلا يصح أن يكون أي من الدول دائمة العضوية (أمريكا وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) متمتعا بحق النقض إذا كان في وضعية تمنعه عن الحياد، كموقف الولايات المتحدة وبريطانيا المشتركتان مع القوات الإسرائيلية في ضرب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وبصفة خاصة عندما يكون هناك إجماع بمثل هذا الحجم من جانب أعضاء الجمعية العامة (120 - 14) لفرض الهدنة الإنسانية. بل ويمكن للدول «مالكة حق النقض» صاحبة المصلحة في قضية ما أن تمتنع عن التصويت، ولا يصبح القرار نافذا إلا بموافقة 9 أصوات على الأقل . أو على الأقل أن تقدم الدولة مالكة حق النقض بيانا وافيا شاملا بقيمة هذا الموقف في خدمة السلام العالمي، وسيكون الأمر رائعا لو تم إلغاء حق النقض واستبدال ذلك بأن تتم مضاعفة الأصوات للدول صاحبة هذا الميزة في الجمعية العامة، على أن تكون مناقشات الجمعية العامة سابقة على جلسة مجلس الأمن كإجراء يمنع جعل إجماع بحجم (120-14) بلا معنى لكونه غير ملزم وهو التعبير المهذب لوصف «الهامشي الذي لا قيمة له» !!. 

إن الهدف الذي من أجله أنشئت منظمة الأمم المتحدة وهو حفظ الأمن والسلام في العالم يتعرض للخطر الشديد، بفعل ميثاق الأمم المتحدة ويكاد يفضي إلى حرب عالمية ثالثة، عندما يتجسد مفهوم «دول السادة»، الذين يصنعون ما يتراءى لهم بقوة القانون، و«دول العبيد»، الذين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا، حتى لو وقفت كل شعوب العالم في صفهم وصرخت بأعلى الصوت «أنقذوا شعب غزة من آلة الموت الصهيونية!»