أيمن فاروق
إخوان تونس أو ما يلقبونها «بحركة النهضة» يتمنون لو أن شهر أكتوبر يتم حذفه من شهور العام، أو يلقب باسم آخر غير هذا الشهر، فهو مليئ بالأحداث الحزينة والمأساوية لإخوان تونس، ففيه تم إنهاء عشرية حكم الإخوان؛ إذ تقلد قيس سعيد مقاليد حكم تونس وتوليه رئاسة الجمهورية ليقضي على الإخوان مستندا لدعم شعبي كبير، كما أنه منذ أيام قليلة مضت، قرر قاضي مكافحة الإرهاب بتونس، تمديد توقيف رئيس الوزراء السابق، الإخواني علي العريض، لمدة 4 أشهر، كما سيتم فيه هذا العام انتخابات المجالس المحلية بتونس، مما يمثل المسمار الأخير في نعش إخوان تونس والقضاء عليهم إلى الأبد.. وإلى التفاصيل.
مر أربع سنوات على رئاسة قيس سعيد لتونس، وقيادته طريق الإصلاح للقضاء على حكم الإخوان وإعطاء الكارت الأحمر لحركة النهضة واجتثاث أشواكها من وطن قارب في فترة حكمها على الضياع، لذلك فإن قيس سعيد يعتبره شعبه بمثابة طوق نجاة لتونس بعد أن أوشكت على الغرق على يد الإخوان تلك الجماعة التي أربكت مسار الدولة والشعب التونسي، ليأتي سعيد في مثل هذا الشهر "أكتوبر" ويفوز بالرئاسة بأغلبية ساحقة ليؤسس لعهد جديد في تاريخ تونس بعد عشر سنوات كادت حركة النهضة أن تودي بهذا البلد إلى الجحيم، لكنه كتب هو نهاية تلك الحركة للأبد.
لمن لم تسعفه ذاكرته أو يمتلك ذاكرة السمكة، فإن شهر أكتوبر في عام 2019 أعلنت هيئة الانتخابات التونسية عن فوز قيس سعيد رسميا في الانتخابات الرئاسية، بحصوله على الأغلبية المطلقة للأصوات بنسبة 72,71 %، فيما حصل منافسه رجل الأعمال التونسي نبيل القروي على نسبة 27,29 % من إجمالي أصوات الناخبين، ليعد قيس رابع رئيس لتونس منذ عام 2011 كا أنه سابع رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلانها في 25 يوليو 1957 بعد سقوط نظام الملكية أو "البايات" كما يطلقون عليه في تونس، وتنتهي ولايته أيضا في شهر أكتوبر من عام 2024.
لم تكن المهمة سهلة على الرئيس التونسي؛ حيث أعلن منذ فوزه عن دخوله في حرب تحرير وطني، وهذا وفقا لما أعلن عنه في عدة مؤتمرات ومناسبات، تلك حرب التحرير ضد تنظيم الإخوان، وفقا لإعلانه الدائم، وذلك بعد أن وضع يده على حقائق خطيرة من قبل مجلس الأمن القومي عن تورط الجماعة في الإرهاب والاغتيالات والفساد المالي، وكانت البداية عندما اصطدم براشد الغنوشي، زعيم إخوان تونس، ورئيس البرلمان حينذاك؛ ليكتشف حقائق مخيفة وفقا لوصف بعض الخبراء لها، وعليه أزاح الإخوان في 25 يوليو 2021 بعد خروج الآلاف مطالبين برحيل الإخوان وحرقوا مقار النهضة في جميع أنحاء تونس، ووقتها خرج قيس سعيد وأعلن تجميد عمل البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وإعفاء رئيس الحكومة، مستندا لدعم شعبي كبير، وحينها عين الرئيس التونسي قيس سعيد، نجلاء بودن رئيسة للحكومة في 29 سبتمبر 2021، وفي 13 ديسمبر من العام ذاته، أعلن الرئيس سعيد خارطة طريق تتمثل في تنظيم استشارة إلكترونية، يليها استفتاء شعبي حول الدستور، ثم تنظيم انتخابات تشريعية في ديسمبر 2022 ينتهي على إثرها العمل بالتدابير الاستثنائية التي أعلنها في 25 يولي 2021، كما أمر في السادس من فبراير 2022 بحل المجلس الأعلى للقضاء، لتطهير القضاء من أيادي الإخوان التي سيطرت عليه، ثم في السابع من مارس/آذار 2022 عيّن مجلسا جديدا للقضاء، ثم حل البرلمان بعدها في 2022، ثم حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في أبريل 2022، وألغى دستور الإخوان لسنة 2014 وجميع المؤسسات المنبثقة عنه، وتم إعداد دستور جديد للبلاد وتمريره عبر استفتاء 25 يوليو 2022، وفي أغسطس 2023 أنهى الرئيس سعيد، مهمات رئيس الحكومة نجلاء بودن، وعين خلفها أحمد الحشاني.
وقام الرئيس التونسي بفتح ملف الإخوان الأسود وبدأت مسيرة محاسبتهم إذ أنهم لطالما أجرموا في حق تونس، وكان ذلك في 25 يوليو 2021، وأخذ القضاء في فتح الملفات الخطيرة، وعليه، دخلت السجون قيادات بارزة في التنظيم على رأسها راشد الغنوشي، وعلي العريض ونور الدين البحيري والسيد الفرجاني ومنذر الونيسي والصحبي عتيق وغيرهم، في جرائم مرتبطة بغسيل أموال وتلقي تمويلات أجنبية لحزب النهضة والتورط في ملف الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب.
توقيف على العريض
ولأن شهر أكتوبر يعد شهر المحاسبة وكشف المستور؛ إذ أنه شهر تلقت الإخوان فيه ضربات عدة منها فوز الرئيس التونسي بالرئاسة، ولا يزال شهر أكتوبر شؤوم ومن الأشهر التي لا يحبها الإخوان، إذ قرر قاضي مكافحة الإرهاب بتونس منذ أيام قليلة مضت، تمديد توقيف رئيس الوزراء السابق، الإخواني علي العريض، لمدة 4 أشهر، في قرار يأتي بعد ساعات من التحقيق معه في قضية تسفير الإرهابيين إلى سوريا، وكان قاضي التحقيق سبق أن أصدر مذكرة إيداع بالسجن بحق العريض منذ 19 ديسمبر 2022، إثر استجوابه في إطار تحقيقات متعلقة بشبكات التسفير.
ولا تزال تتلقى الجماعة الارهابية ضربات متعددة ومتنوعة خلال هذا الشهر؛ حيث ستجرى انتخابات المجالس المحلية بتونس، التي سوف تعد المسمار الأخير في نعش الإخوان، لأن تونس تسير على نهج الإصلاج وتخليصها من براثن حركة النهضة، استمرارا لطريق قرارات 25 يوليو 2021 الاستثنائية؛ حيث تتجه تونس نحو خطوة هامة وجديدة، ربما تمثل آخر أنفاس حركة النهضة داخل تونس ونهايتها، وبعد قرابة عام من الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2021 والتي على إثرها صعدت الأحزاب اليسارية والقومية في يوليو 2021 وأخذت تونس تستعد لانتخابات مجلس الجهات والأقاليم، ويعد هذا آخر استحقاق لمسار 25 يوليو، والذي بدأه الرئيس لاستعادة مؤسسات الدولة من أيدي حركة النهضة في تونس، وفي خطوة أخيرة على طريق ذلك المسار، ستجرى انتخابات مجلس الجهات والأقاليم، للمرة الأولى في 2155 دائرة انتخابية، مقارنة بالانتخابات البلدية التي جرت في 350 دائرة عام 2018، مما يتطلب استعدادات لوجستية وبشرية مهمة، وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنها ستنظم في شهر ديسمبر المقبل، على أن يتم تنصيب المجلس منتصف أبريل أو بداية شهر مايو 2024، ويرتكز النظام النيابي الحالي في تونس على غرفتين نيابيتين، عوضاً عن غرفة واحدة قبل حل البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي زعيم إخوان تونس، إضافة إلى أن الدستور التونسي المصادق عليه في 25 يوليو 2022، يفترض أن توافق الغرفتان على عدد من مشروعات القوانين، من بينها قانون المالية، وكل مخططات التنمية المحلية والجهوية.
ويرى خبراء الشان السياسي والحزبي في تونس، أن شهر أكتوبر يعد شهر شؤم على الإخوان كما أن أنهم انتهوا من الخارطة السياسية التونسية، إذ أن البرلمان الجديد يعد أول برلمان خالي من الإخوان منذ عام 2011.
فسادهم
وكان وزير الخارجية التونسي، قد صرح في حوار إعلامي بلندن، قائلا: إن الشعب التونسي ليس دوجمائيا بل برجماتيا ويحب الحياة، مشيرا إلى أن "الإخوان حكموا البلاد منذ 2011 مع أحزاب أخرى، وفقدوا كل مصداقية بسبب ارتباطاتهم بالخارج"، مضيفا، إلى أن فشل الجماعة كان على جميع الأصعدة، فشل سياسي واقتصادي ومالي، وبحث جعلت تونس في وضع صعب جدا، وعليه لفظهم التونسيون، موضحا أن تونس ليس لديها مشكلة مع أحد إلا أن جماعة الإسلام السياسي، لديهم مشكلة مع تونس، لأنها حكمت البلاد منذ 2011 مع أحزاب أخرى وفقدوا كل مصداقية، تونس بلد عاش تجربة تبين فشلها، وعلينا استخلاص العبر من ذلك.
كما أن الرئيس التونسي قيس سعيد وصف فساد الإخوان، مؤخرا، أن آثاره لا تقِل عن قصف مستشفيات فلسطين، وجاء ذلك وفي جولة جديدة من تصريحاته المنددة بحكم الإخوان، قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن الفساد نخر البلاد، مؤكدا أنه "عندما يتم إلقاء القبض على المسؤولين المتورطين يقولون عنهم أبرياء"، في إشارة إلى الانتقادات التي تلاحق القرارات المتخذة بحق عناصر وقادة الإخوان.
كما شدد الرئيس التونسي على أن بلاده "في حاجة إلى ثورة تشريعية لتطهير البلاد وطرد اللوبيات من المرافق الحكومية"، مضيفًا أن "آثار الفساد في المستشفيات التونسية لا تقِل عن آثار قصف المستشفيات في فلسطين".
اقرأ أيضا : بعد أعلان الرئيس التونسي ..إخوان تونس إلى الهاوية