صدى الصوت

أغاريد «طه حسين»

عمرو الديب
عمرو الديب

غادر عالمنا المضطرب قرير العين بعد رحلة شاقة مرهقة للغاية، اصطدم خلالها بالجهلاء والأدعياء والكارهين الخير، وفوق جبينه المُتعب ارتسمت خطوط الرحلة، وتجاعيد الأيام المضنية، ولكن ما ناله ذلك الفذ من تقدير وطنه ،وتكريم أبناء عالمه شبجهده ومنجزه، ربما مثل عزاء دائماً له قد يخفف عن صدره سخافات الحاقدين والغلاة  المتخلفين، وقبل الرحيل بقليل جاءه نبأ العمر العظيم،  فلم يأذن رب الأكوان برحيل أديبنا الخالد د. طه حسين إلا بعد أن يهنأ بانتصارات وطنه، واستعادة أمته لكرامتها فى السادس

من أكتوبر عام 1973، وأبت الأقدار إلا أن تطرب أذنى «طه حسين»، وتنعش روحه بأنباء النصر المجيد، والظُفر الفريد، قبل أن يرقد فى سلام، لذا مضى عميد الأدب العربى د. طه حسين قرير العين ليس فقط لما أسداه من خدماتٍ لوطنه، وما تركه من مؤلفاتٍ خالدة ،ولكن لأنه علم باجتياز مستنقعات المهانة ،وقبل أن يختتم شهر أكتوبر عام 1973 أيامه غادر العميد فى اليوم الثامن والعشرين،  وهذا العام تحل الذكرى الخمسون لرحيل طه حسين، وفى المقال السابق حاولت عبر هذه المساحة المحدودة أن أختزل الرحلة الثرية الممتدة، والمُنجز الحافل الهائل فى سطورٍ معدودة ، ولكنى  لدواعى المساحة، لم ألقِ الأضواء الكافية على أحد أبرز ملامح حصاد طه حسين، وآثاره الخالدة ، وأعنى بذلك أسلوبه الكتابى الخلاب، وأداءه اللغوى الباهر، حيث امتلك الأديب الكبير أحد أروع أساليب العربية فى عصرنا الحديث، وهو أمر- لو تعلمون عظيم حقاً- فأية لغة - كما قلت من قبل - تتنفس عبر أهلها الناطقين بها، ولكل لغة من لغات الأرض الراقية ذرى تألقٍ، وقمم مجد تبلغها عبر هؤلاء  المتوجة هاماتهم بتلك الهالات الضوئية المشعة الشبيهة بما ترسمه المخيلة الشعبية حول رءوس الملائك والصديقين، ومثل هؤلاء يبدون بين الملايين الهادرة فى محيط الاعتياد كالومضات البارقة فى الآفاق الظلماء، وقليل حقاً ما هم ، قد تنقضى الآجال ، وتفنى الأعمار، ولا تظفر البلاد بواحدٍ منهم ، وطه حسين برز مشعاً كأحد هؤلاء المُتوجين بأكاليل الأساليب، ولك أن تتأكد بنفسك، أمسك أحد كتبه، وليكن «الأيام» مثلاً، أو على «هامش السيرة» أو «أديب» أو «الحب الضائع» ستنساب ألحان أسلوبه إلى كيانك تهزه هزاً، وتتسلل إلى الوجدان فى سلاسة وخفة ساحرة.