مصر درع الأمة عند انقطاع الأمل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: حسن حافظ

في الليلة الظلماء يفتقد البدر، هذه الحكمة العربية، ربما لا تنطبق على حالة مثل حالة مصر مع المنطقة العربية، فعندما ينعدم الأمل، وتفقد الأمة القدرة على المقاومة، ويبدو أن بلاد العرب على وشك الضياع، يخرج المارد المصرى من بين الرماد، يعيد الأمل الضائع، ويشعل شمعة تنير الطريق للشعوب العربية، ويحقق النصر، تتحول مصر فى كل منعطف تاريخى لدرع الأمة، حقيقة تاريخية تزيدها الأيام رسوخا والوقائع وضوحا، وما يجرى الآن فى المنطقة العربية خير دليل على صحة هذه المقولة.

◄ موجات استعمارية متتالية تحطمت على الصخرة المصرية

◄ القاهرة بددت روح اليأس فى زمن المغول وبعد النكسة

الحاصل الآن فى المنطقة العربية كاشف جدا، فالحرائق فى كل دولة عربية تقريبا، ومصر واحة استقرار، تحمل شعلة التهدئة وسط حدود عربية من كل الجهات، لذا لم يكن غريبا أن تتولى القاهرة الحديث عن التهدئة في غزة المشتعلة وأن تعمل على حماية الفلسطينيين وحقوقهم، ففى وقت يطالب البعض بتصفية القضية الفلسطينية بنقل أهالى غزة لسيناء، جاء الموقف المصرى ليوقف هذا العبث، كصخرة تحطمت عليها أطماع الاستعمار الجديد، فعندما قالت القاهرة: لا، كتب الموت على المشروع الغربى لتهجير الفلسطينيين بالقوة من غزة إلى سيناء.

ما تقوم به مصر الرسمية والشعبية من ملحمة دعم لغزة وإسقاط لمشروعات تهجير الفلسطينيين، يذكرنا بالدور المصري الذى سطر الكثير فى تاريخ الأمة العربية، وكان الحائط الذى تكسرت عليه الكثير من المشروعات الاستعمارية التى استهدفت المنطقة، فكانت القاهرة صوت الحرية وكعبة الأحرار من مختلف البلدان العربية، إذ يُذكّر الدكتور حسين السيد، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة 6 أكتوبر، بكيفية نجاح القاهرة فى دعم جهود الاستقلال فى الجزائر بلد المليون شهيد، فكان الرد بالعدوان الثلاثى على مصر، لكن الأخيرة انتفضت وكتبت شهادة وفاة الاستعمار عام 1956.

◄ اقرأ أيضًا | البيت الأبيض: نعمل مع مصر لإخراج الأمريكيين المحتجزين فى غزة

يتابع: «هناك مواقف كثيرة تؤكد أن مصر كانت ولا تزال قلعة العروبة، ورمانة ميزان المنطقة، فمن ينسى مشروع حلف بغداد 1955، الذى دعت لتأسيسه الولايات المتحدة، وإن لم تنضــم له، لكنه ضم بريطانيا وتركيا وإيران وباكستان والعراق، وكان هدفه أن يكون طليعة الاستعمار الجديد فى المنطقة بعد استقلال دولها، لكن الموقف المصرى الرافض لهذا الحلف الاستعمارى كتب له شهادة وفاته سريعا».

فيما يقول الباحث محمد صبحي، المتخصص فى التاريخ الإسلامي: «المواقف المصرية كأنها القدر الذى كتب على أبناء النيل، فمن ينسى عندما أحكم الصليبيون قبضتهم على ساحل بلاد الشام، وأسسوا أربع بؤر استيطانية، ولم تستطع الخلافة العباسية ولا سلطنة السلاجقة فى إيران والعراق، أن تزيل العدوان، ثم جاء البطل صلاح الدين وخرج من مصر مسلحا بإمكاناتها ومكانتها وحقق نصر حطين المجيد، واسترد القدس ووضع خطة لمن يأتى بعده لاسترداد الأرض، وهو ما تحــقق على يد سلاطين مصـــر؛ الظــاهر بيبرس والمنصــــور قـــــــلاوون والأشــرف خليل، وقــــد أدرك الصليبيــون أن مصر هى قلب مشروع المقاومــــة فنظــموا الحملات لاحتلال مصـــــر، ومــــرة أخرى تكسرت النصال على الصخرة السمراء، ولم يتجاوزوا دمياط فى المرة الأولى، وسقط ملك فرنسا لويس التاسع أسيرا بعد هزيمته فى دلتا مصر».

ويضيف: «تكرر الأمر واختلف العدو واستمر الدور المصري، فالمغول الذين اكتسحوا العالم كتسونامي لا يتوقف، اكتسحوا إيران ودمروا العراق وأفسدوا الشام، ثم جاء الدور على مصر، المشهد العام وقتها والمعطيات العسكرية تقول إن الهزيمة ستقع على مصر كما حصل مع من سبقها، ووقتها كان المغول سوف يستبيحون بقية بلاد العالم، إلا أن القاهرة كان لها رأى آخر فخرج جيش مصر بقيادة السلطان المظفّر قطز، وتحققت معجزة عين جالوت، التى أعادت كتابة التاريخ بلا أى مبالغة وتم رد جحافل المغول وشرهم عن المنطقة، وعندما حاولوا الهجوم مجددا هزموا أكثر من مرة على يد الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والناصر محمد، حتى ذهبت دولة المغول إلى ذمة التاريخ وبقيت مصر».

نفس روح اليأس التى بددتها مصر فى زمن المغول، بددتها أيضا فى زمن النكسة، فبعد هزيمة 1967، سرت روح اليأس فى نفوس العرب، ولم يعد الصديق قبل العدو ينظر لهم بجدية بل نظر لهم البعض باستهانة، لكن المجند المصرى انتفض، فكانت البداية حرب الاستنزاف، التى أكدت أن روح المصريين لا تكسر، وأن لا استسلام للهزيمة، ثم جاءت حرب أكتوبر 1973، التى حققت النصر ومعجزة العبور فاستعاد العرب ثقتهم بأنفسهم بعدما ظنوا أنهم خرجوا من بوابة التاريخ مكللين بالعار.

ولا يعتقد البعض أن الدور المصرى يتوقف عند الجهاد الحربي، فمصر وقفت لحماية العرب ثقافيا أيضا، فكانت حارس الهوية العربية، بل إن استمرار استخدامنا للعربية يعود لتلك القلعة العلمية الراسخة ممثلة فى الأزهر الشريف، الذى ظل الحارس الساهر على العربية وعلومها، فى زمن حكم العثمانيين الأتراك، الذين لم يقدروا على نشر التركية بين المصريين والأقاليم العربية، وظل الأزهر يقوم بدوره حتى جاء عصر التحديث فى عهد محمد على باشا، فقاد طلاب الأزهر البعثات الأجنبية ونقلوا خلاصة الحضارة وبدأوا مرحلة التحديث والتنوير فى مصر ومنها إلى كل العالم العربي.