قمة القاهرة للسلام

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«عشنا أياماً أمام الشاشات نتابع تلك المأساة، الشاحنات وشباب مصر المعجون بالوطنية يقف أمام المعبر حتى يتم فتحه ودخول المساعدات»

ثلاث كلمات دالات شكلن عنواناً لذلك التجمع العالمى المهم. «قمة» .. «القاهرة».. «السلام».

قمة.. نجحت فى جذب قامات دولية رفيعة المستوى، قوامها رؤساء وملوك وأمراء، رؤساء وزارات، ووزراء، ممثلون على أعلى مستوى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، معظم القادة العرب، ممثلون لدول أوروبية، وأفريقية، جاءوا ليتبادلوا وجهات النظر حول القضية الأزلية التى بدأت منذ خمسة وسبعين عاماً، واستمرت إلى يومنا هذا!. لم تجد حتى الآن من المجتمع الدولى الاهتمام الذى تستحقه بحثاً عن حلول جادة وشاملة.

القاهرة .. عاصمة مصر الشامخة، الكبيرة، الدولة العربية المحورية التى تحرك الأحداث على مر التاريخ، والتى أثبت الوضع الشائك الأخير فى قطاع غزة أنها الدولة القادرة على القيادة والمواجهة. وأن ثقلها السياسى والاستراتيجى يلعب دورًا مؤثرًا فى مسارالأحداث المصيرية المتعلقة بمصر أو الدول العربية الشقيقة، وخاصة فلسطين.

السلام .. هو التوجه والهدف الذى تؤمن به مصر كدولة عريقة، صاحبة حضارة من أقدم وأهم الحضارات الإنسانية، فقد سعت دوماً إلى إرسائه والدعوة له ليس من منطلق الضعف، لكن من منطلق القوة والحكمة التى تقول إن الكل خاسر فى أى حرب من الحروب، وإن الشعوب هى دائماً من يدفع الثمن فادحًا، موجعًا من أرواح أبنائها، واستنزاف مواردها.

تابعت القمة باهتمام مثل ملايين المصريين والعرب فى كل بقعة من بقاع العالم بقلب يملؤه الأمل فى أن يتوصل القادة من مختلف الجنسيات إلى موقف موحد، أو شبه اتفاق يمكن أن يتم البناء عليه رغم معرفتى السابقة أن هذا حلم بعيد المنال، لكن الإنسان يتعلق بقشة فى مثل تلك الأحوال التى تزهق خلالها فى كل يوم عشرات الأرواح، وتراق بحور من الدماء.

ملاحظات من قلب الحدث

استمعت بتركيز إلى المتحدثين فى المؤتمر، وتأكد لدىّ ما توقعته، وهو أن العالم منقسم إلى معسكرين، يحمل كل منهما وجهة نظر مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى. الدول العربية والإسلامية ومعظم الدول الأفريقية مؤمنة بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم التى يتمتعون فيها بالاستقرار والأمن إلى جانب دولة إسرائيل. الدول الغربية مؤمنة إيماناً راسخاً بأن إسرائيل تواجه حرباً، وأن واجب المجتمع الدولى هو مساندتها والوقوف إلى جانبها ضد الإرهاب الذى يهدد أمنها من قبل حركة حماس.

وأنا شخصياً أعذرهم، لأن الآلة الإعلامية الصهيونية هى الأقوى على مستوى العالم، وقد نجحت عبر خمس وسبعين سنة فى أن تزرع فكرة عدالة موقف إسرائيل، وأن الشعب الصهيونى ضحية لإرهاب الفلسطينيين، للأسف لم يستطع صوتنا أن يصل إلى الغرب حتى الآن، ولم ننجح فى إبراز عدالة القضية، أو تقديم صورة حقيقية عما يحدث فى الأراضى الفلسطينية، لم نقدم لهم طوال هذه العقود رسائل إعلامية يفهمونها، تزحزح ولو قليلاً من الفكرة النمطية والصورة الذهنية للعرب والفلسطينيين المغروسة فى عقولهم بواسطة الإعلام الصهيوني.

لكن الجميل فى الأمر هو أنه ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعى، استطاعت بعض الأصوات العربية أن تصنع شيئاً، شباب وشابات أبدعوا فى التعبير عن قضية فلسطين العادلة، وحق شعبها فى العيش فى سلام على أرضه، شباب يملكون لغة إنجليزية قوية، وقدرة رائعة على التعبير عما يحدث فى الأراضى المحتلة، رأيت أغنياتٍ تحكى القضية، ورأيت حوارات محترمة أفحمت المذيعين الكبار فى الغرب، مثل حوار باسم يوسف مع بيرس مورجان، الذى حقق أعلى نسبة مشاهدة فى برنامجه منذ بدايته، حسب ما صرح به الإعلامى البريطانى الشهير.

كذلك رأيت السفير الفلسطينى فى لندن حسام زملط وهو يبارز المذيعين الكبار فى البى بى سى وغيرها من القنوات المهمة، ويقدم الصورة الصحيحة المخفية، التى نجحت الآلة الإعلامية الصهيونية فى طمسها وتزييفها عبر عشرات السنين.

رأيت كذلك حفيدة الكاتب القدير محسن محمد والإعلامية المعروفة هند أبو السعود رحمهما الله، وهى تتصدى لمراسلة السى إن إن وتلقنها درساً فى المهنية والحياد والالتزام بنقل الحقيقة كما هى بلا تحيز أو افتراء.

هؤلاء وأمثالهم هم الأمل فى تغيير تلك الصورة الظالمة التى يراها الغرب ولا يرى سواها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. لابد أن نخطط لتأسيس خطة إعلامية تتولى الإعلام الخارجى من أمثال هؤلاء الشباب، الذين يعرفون كيف يخاطبون الغرب بلغته وطريقته فى الفهم واستيعاب الأمور. فقد جاءت كلمات المسئولين الغربيين لتؤكد عمق الهوة بين العرب والغرب فى التعاطى مع تلك القضية الأزلية.

أكد ذلك الرئيس السيسى خلال كلمته الافتتاحية، حين قال: «إن مصر تعبر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجاً على أزمة إنسانية كارثية، يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطينى فى قطاع غزة، يُفرض عليهم عقاب جماعي، وحصار وتجويع، وضغوط عنيفة للتهجير القسرى، فى ممارسات نبذها العالم المتحضر الذى أبرم الاتفاقيات وأسس القانون الدولى لتجريمها».

كذلك كانت جملة العاهل الأردنى فى المؤتمر قوية، مشحونة بالغضب، حيث قال: «يجب وقف هذه المأساة الإنسانية فورًا، فحياتنا ليست أقل أهمية من حياة الآخرين». أى أن حياة الفلسطينيين ليست أقل أهمية من حياة الإسرائيليين.

وقال: «إن هذه المأساة لم تبدأ منذ 15يومًا فقط، بل منذ خمسة وسبعين عامًا، إن تجويع الفلسطينيين عن الحرية والمستقبل والأمل سوف يؤدى إلى العنف، إن هناك خمسة ملايين فلسطينى يعيشون تحت حكم سلطة الاحتلال الإسرائيلى، ولا يمكن أن تُبنى دولة على الظلم، والسياسة الإسرائيلية تحاول أن تحقق الاستقرار عن طريق الأمن، لا السلام. وهذا ما يولد القهر والانفجار».

أنطونيو جوتيريش

أحببت هذا الرجل عندما رأيته ينزل فى مطار العريش الدولى، ويتجه مباشرة إلى معبر رفح ليتابع عن قرب ما يحدث، و يسجل شهادة للتاريخ تصف الظلم والقهر والتعنت الذى تمارسه إسرائيل ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والمواثيق والقوانين الدولية لحقوق الإنسان.

كان التأثر بهذا الظلم واضحاً على ملامحه، ونبرة صوته، كما كانت كلماته تدين بشدة ما يحدث فى القطاع من مآسٍ إنسانية.

أسعدتنى الخطوة العملية المهمة المؤثرة التى قام بها لممارسة الضغط على الجانب الإسرائيلى ليسمح بدخول الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من غذاء، ماء، وقود، وأدوية.

عشنا أياماً أمام الشاشات نتابع تلك المأساة، الشاحنات وشباب مصر المعجون بالوطنية والشهامة يقف أياماً طوالاً أمام المعبر انتظاراً وصبراً حتى يتم فتحه ودخول المساعدات.

الموقف المصرى مشرف، ومصر أكثر من أى دولة عربية أخرى تحمل القضية الفلسطينية فى عقلها وقلبها، وتبذل جهوداً عظيمة للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة. هذا المشهد الإنسانى العالى لشباب مصر يواصلون الليل بالنهار أمام معبر رفح حتى يوصلوا المساعدات لإخوانهم الفلسطينيين العزل تحت الحصار، المشهد الثانى الذى يدعو للفخر كان مشهد اجتماع القمة فى العاصمة الإدارية الجديدة. مكان يليق بمصر ويسمح بعقد مثل تلك القمم والأحداث العالمية، المساعى الدبلوماسية الجارية منذ السابع من أكتوبر تؤكد أن دور مصر أساسى ومحورى كما قال جوتيريش وقبله الرئيس الأمريكى بايدن.

اضطرابات الأكل النفسية

فوجئت بصديقتى الدكتورة هبة عيسوى تعلن على حسابها على موقع «لينكدإن» عن عقد مؤتمر عالمى يناقش اضطرابات الأكل النفسية بعنوان: «سد الفجوة بين اضطرابات الأكل والأمراض النفسية والعضوية المتزامنة». شدنى عنوان المؤتمر فاتصلت بها استوضح تفاصيل الفكرة التى بدت لى براقة، جديدة تستحق الاهتمام والمتابعة.

شرحت لى الطبيبة المخضرمة فى الطب النفسى الهدف من وراء هذا المؤتمروهو وضع هذه القضية الصحية المهمة على أجندة المسئولين والأطباء، والمجتمع المدنى حتى يقوم كل بدوره فى مواجهة الأضرار المترتبة على تلك الاضطرابات. قالت لى إن هناك تزايدًا فى معدلات اضطرابات الأكل النفسية التى ترتبط بسلوكيات الأكل الخاطئة والمستمرة. وهذه تؤثر بشكل سلبى على الصحة و القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعى، وكذلك ارتفاع حالات الوفاة التى قد تصل الى ٨% الناتجة عن عدم الفهم والإلمام بهذه الحالات النفسية.

وأوضحت الدكتورة هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى بطب عين شمس، ورئيس قسم اضطرابات الأكل النفسية، وسكرتير عام المؤتمر، أنه سيتم عقد المؤتمر العالمى بمركز عكاشة بمستشفى الدمرداش بطب عين شمس المؤتمر الطبى العالمى يوم الخميس ٢٦ أكتوبر.

حيث يناقش نخبة من المتخصصين فى الطب النفسى، والمعالجين النفسيين، وخبراء التغذية العلاجية أحدث طرق التشخيص والاكتشاف المبكر لهذه الحالات فى مرحلة الطفولة والمراهقة، وأحدث ما وصلت إليه الأوراق العلمية فى طرق العلاج، سيناقش المؤتمر اضطراب فقدان الشهية العصبى «الأنوريكسيا»، وهو من اضطرابات الأكل الخطيرة، و قد تصل نسبة انتشاره فى الأطفال والمراهقين إلى 5% حيث يمتنع الشخص عن الأكل لاقتناعه بأنه بدين، رغم أنه يعانى من نقصان الوزن أو حتى النحافة.

هؤلاء المرضى يعانون من تخيل صورة مشوهة عن أجسادهم، وكذلك تتضمن جلسات المؤتمر الجديد عن مرض الشره العصبى «البوليميا»، ويعتبر من الاضطرابات المنتشرة بنسبة تصل الى ١٠% من البالغين، كذلك يتناول المؤتمر موضوع الأكل العاطفى وعلاقته بالسمنة، وسوف تُعقد جلسة عن الأكل الانتقائى فى الطفولة وآثاره السلبية على النمو الجسمانى وأضراره على الصحة النفسية والمهارات الأكاديمية للأطفال.

وعلى هامش المؤتمر سوف تقام بمركز الطب النفسى ندوة عامة تهدف إلى التوعية بأخطار اضطرابات الأكل، سواء الصحية أو النفسية، تتحدث فيها الإعلامية سالى فؤاد والفنانة ندى رحمى، وبعض من الناجيات من اضطرابات الأكل، لسرد معاناتهم و أفكارهم المرضية التى كادت أن تودى بحياتهن.

كلمات:

‏المجادلة مع الناس الأغبياء تشبه قتل بعوضة وقفت على خدك، قد تقتلها أو لا تقتلها، لكن فى كلتا الحالتين سينتهى الأمر بك أن تصفع نفسك!. ـ «جورج برنارد شو»