صدى الصوت

طه حسين..عميدًا ورائدًا

عمرو الديب
عمرو الديب

ما أروعك أيها الشاعر حين تختزل حشود المعاني، وزحام التفاصيل، وتلال الدلالات فى أسطر موجزة، وعبارات مكثفة ، كما تجليت على لسان مبعوثك الأسمى الشاعر السورى الفذ «نزار قباني» ..مبدع القصائد المؤثرات، عندما أنشد يرثى عميد الأدب -العربى العلامة د. طه حسين الذى نحتفل هذه الأيام بذكراه الخمسين- بعد مغادرته عالمنا مطمئنا على أوطاننا المنتصرة المنتشية بنبض العبور ، فقد اختزل «نزار» رحلة العميد الشاقة المرهقة، ومسيرة أيامه الحافلة فيما يربو على الستين بيتا، وقد نجح الشاعر السورى المذهل فى أن يجمع -على صعيد واحد- كل معانى العميد، وجل بصماته، وتفاصيل ريادته، ودلالة ذلك على خصوبة مصر، وثرائها المعنوي، فقد أجاد «قباني»، وأفاد فى القصيدة التى ينشد مطلعها سائلا العميد : ضوء عينيك أم هما نجمتان؟، ثم يردف بتقرير الواثق: كلهم أعمى وأنت تراني، ويمضى «نزار» فى قصيدته الخالدة معددا بصمات العميد الرائد، وكيف هدى خطى آلاف المبصرين، وهو الذى حرم نعمة الإبصار مؤكدا أن ابن مصر المنتمى إلى ترابها -بصدق- أراد لمجتمعه أن يتصدر المشهد الإنساني، وقد أصاب الشاعر السورى الكبير الراحل فى قراءة لوحة طه حسين الملحمية ،وكنز عطائه المدهش، وقد اشتهر الرجل الذى خاض أشرس المعارك منتصرا للعلم وللقيم الإيجابية،  لذلك استحق أن يكون واحدا من أبرز رواد التفوق المصرى فى العصر الحديث، ومن وجهة نظرى المتواضعة أرى أن «طه حسين» تربع على قمة الرواد بالسبق الذى حققه حيث فطن إلى وجيعة بلاده مبكرا جدا، وهو أن التعليم هو أصل الداء، وهو أيضا مبدأ الدواء، وبداية طريق النهوض، لذا ارتفع صوته مناديا بأن يكون التعليم كالماء والهواء، وحين وجد أن التطبيق أخطأ الطريق قال : «إن الماء يجب أن يكون صافيا، والهواء نقيا، وبعد ذلك تتوالى حيثيات تفوق ريادة العميد، فهو باعث فكرة المعجم الكبير الذى تفتقده لغتنا العربية الثرية، وهو قاطرة حركة إحياء التراث العربى وفق منهج علمى ، والعميد -كذلك- من أول الدعاة إلى تصويب الخطاب الدينى، و«طه حسين» رائد تنشيط حركة الترجمة من شتى اللغات شرقا وغربا، وتعد «أيامه» واحدة من أروع نصوص الأدب العربى على مر عصوره، كما أن أسلوبه هو أحد أجمل الأساليب الخلابة فى البيان العربي، وما أندر هؤلاء الذين يمكن أن نطلق عليهم المتوجين بأكاليل الأساليب.