مروان علي يكتب: كاتب بلا أعداء

خالد خليفة
خالد خليفة

حين وصلت إلى حلب فى نهاية الثمانينيات، كان خالد عبد الرزاق قد غادر الشعر بعد توقف ملتقى جامعة حلب إلى الكتابة للتليفزيون والرواية، وصار معروفا باسمه الجديد (خالد خليفة).

كانت حلب تنهض بهدوء، بعد الصراع المرعب والمدمر بين السلطة والإخوان الذى ترك آثارا واضحة على جدران البيوت فى المدينة ظلت لسنوات طويلة.

توقف عن كتابة الشعر ومضى إلى عوالم الرواية، وكانت روايته الأولى (حارس الخديعة) التى نشر فصولا منها فى مجلة (ألف)، التى رأس تحريرها الشاعر السورى المعروف محمود السيد صاحب قصيدة (مونادا دمشق)، وكان خالد خليفة فى هيئة تحريرها مع صديقه الشاعر لقمان ديركي، والكاتب أحمد إسكندر سليمان، والشاعر والمترجم أسامة اسبر، والقاص وائل السواح، والفنان التشكيلى أحمد معلا، الذى كان يشرف على إخراج المجلة والنصوص بطريقة مختلفة، كل ذلك بإشراف القاص والكاتب سحبان السواح وصاحب الفكرة أصلا.

اقرأ ايضاً| نبيل سليمان: عاجل وهام.. إلى خالد خليفة

فى حارس الخديعة حاول خالد خليفة الروائى أن يقدم نصا مختلفا فى مجلة حملت شعار من (أجل الكتابة الجديدة) لكنه لم يكن قد تخلص من آثار علاقته بالقصيدة والشعر الأمر الذى جعل روايته الأولى لا تلفت الانتباه.

 فى دفاتر القرباط تجربته الثانية تخلص خالد خليفة من الشعر ولكنه لم يجد الطريق إلى روايته التى انتظرها، لذلك اتجه إلى السيناريو، وأنجز عدة مسلسلات أبرزها سيرة آل الجلالى التى قدم فيها حلب وشوارعها وازقتها ولهجتها وعوالم تجارها فى نص مدهش ومختلف، وساهم المخرج الكبير هيثم حقى فى تقديم خالد خليفة ككاتب سيناريو متميز.

رغم الشهرة التى حققها بعد هذا المسلسل الذى ساهم هيثم حقى فى مراجعة السيناريو الخاص به وإعداده وتقديم الكثير من العون والمساعدة لخالد خلال فترة كتابته، ظل خالد خليفة ينتظر كتابة رواية مختلفة عن روايتيه وتقدمه كروائى حتى تعرف إلى امرأة حكت له قصة اعتقالها عن أهلها فى ذروة الصراع بين النظام والإخوان فى حلب أواخر السبعينيات والسنوات الأولى من الثمانينيات وتجربتها وتنقلها فى معتقلات المخابرات السورية.

هنا وجد خالد خليفة رأس الخيط وبدأ بكتابة (مديح الكراهية) الرواية التى كرسته كروائى سورى مختلف وقادم بقوة يدير ظهره لكل الخطوط الحمراء التى وضعتها السلطة أمام الكتاب.. عوالم المعتقلات، وحشية الأجهزة الأمنية، الصراع بين السلطة والإخوان وهوية النظام العلوية (الطائفة الأخرى فى مديح الكراهية).

رغم منع الرواية فى سوريا (صدرت عن دار أميسا2006 التى أسسها خالد خليفة وتوقفت فجأة) لكنها وصلت إلى السوريين والقراء فى العالم العربي، والقائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، وترجمت إلى لغات كثيرة.

كان خالد خليفة سوريا بكل معنى هذه الكلمة، وصديقا للجميع، ومخلصا للكتابة ولكل المدن السورية، ولأنه عاش طفولته فى قرية قريبة من عفرين وعلاقته مع الثقافة الكردية والمثقفين الكرد، كان الكثيرون يعتقدون أنه كردي، وشارك فى أمسيات ومهرجانات كردية فى دياربكر وعفرين والقامشلى واربيل.. لكنه كان سوريا حرا يحب سوريا كلها، ويحب الجميع ولَم يكن له أعداء قط فى الوسط الثقافى السورى والعربي، وربما كان الكاتب الوحيد الذى أحبه الجميع، وعاش حياته القصيرة الحرة بلا أعداء، كان يوزع المحبة والابتسامات أينما ذهب.