حروف ثائرة

ما بين غزة «الفلسطينية».. وسيناء «المصرية»!!

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

«جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي»، المقولة الخالدة، وكلما زادت حدة الشدائد، كشفت أكثر من هو صديق أو عدو، وتبقى تلك المكاشفة مرهونة بدرجة الوعى عند المكروب، فإذا غاب الوعى أصيب العقل بالتشتت، والفكر بالذبذبة، واختلط حابل الحقيقة، بنابل الخديعة والزيف!


أقول ما سبق خوفا من اللعب على حبال أزمة غزة الطاحنة لتحقيق أغراض أبعد ما تكون عن مصالح غزة وشعبها المطحون المسحوق تحت وطأة احتلال غاشم لا يعرف إنسانية أو رحمة، أغراض تستهدف مصر وموقفها من تلك الأزمة، موقف مشرف ليس بغريب على أم الدنيا من دعم ومساندة للحقوق الفلسطينية، ولعل أهم ما يميز الموقف المصرى الحالى الوضوح الشديد فى دعم أشقائنا الفلسطينيين، ورفض، بل فضح العدوان الأنجلو صهيوني على القطاع، ومحاولاتهم المستميتة تصفية القضية على أن تدفع مصر فاتورتها !
ففى أزمات عديدة مشابهة كان الموقف المصرى داعما بلا شك، لكن كان يغلف هذا الدعم بستار من الدبلوماسية التى تؤكد وقوفها بجوار الطرفين، أو تتخفى وهى تدعم الفلسطينيين بكل أشكال الدعم الدبلوماسى والمادى والمعنوي، ليستتر هذا الدعم ليس من قبيل إنكار الذات بقدر البعد عن إثارة حلفاء وهميين لمصر، وحتى فى سعي الموقف المصرى لحماية سيناء وأمننا القومى كانت أستار مشابهة وتبريرات غريبة، لكن الموقف الحالى جاء جليا بكل جوانبه، فما أروع كلمات الرئيس السيسى بحفل الكلية الحربية، والأقوى كلماته لوزير الخارجية «الأمريكائيلي» أنتونى بلينكن، شجاعة وعروبة لا لبس فيهما من كشف العدوان الإسرائيلى الذى تعدى كافة المواثيق والأعراف، وفضح مخططات التهجير والتوطين وتصفية القضية بلا تزيين لكلمات ولا استعارات مكنية على أمن وطننا، وتظهر قوة مصر فى وضع شروط تخدم اهل غزة لعبور الأجانب لمعبر رفح.


تلك المواقف المصرية القوية التى لا لبس فيها تلجم المتربصين الباحثين عن أى نقيصة ينالون بها من مصر، لكنها لم ولن تمنعهم عن المحاولة وممارسة عاداتهم القبيحة، فمنذ إندلاع الأزمة تركوا ما تفعله إسرائيل عدوانا وغدرا بأهل غزة باحثين عما ينالوا به من مصر، وعندما تحطمت محاولاتهم على صلابة ووضوح المواقف المصرية التى نالت ترحيبا شعبويا واسعا، بدأت حملات التشكيك فى دعم مصر لغزة وشعبها، والبكاء على رفض دخول الأشقاء من غزة لسيناء وكأن مصر تغلق فى وجههم الباب الوحيد، هو بالفعل الباب الوحيد الواسع ليس لمساندة الفلسطينيين، بل لتصفية قضيتهم وضياع حقوقهم التاريخية بأرضهم، إذا ما عبروه غربا الى سيناء الحبيبة.


قطعا نحن حريصون على مصرية سيناء، ودفعنا فى سبيل ذلك دماء شهدائنا، فسيناء كانت ومازالت وستظل أبد الآبدين مصرية خالصة، لكن ما تفعله مصر يبقى أيضا على هوية غزة كمدينة فلسطينية، اهلها دفعوا ويدفعون ثمنا باهظا للحفاظ على الهوية الفلسطينية لغزة والضفة وكل المدن المحتلة، ولنا فى التاريخ عبرة، فالتهجير الأول للفلسطينيين مكن الاحتلال من فرض واقع مرير، وأى تهجير جديد سيقضي تماما على القضية، وكما تسعى مصر للحفاظ على مصرية سيناء تحافظ كذلك على فلسطينية غزة والقطاع وإحياء قضيتهم، ونحمد الله أن معظم أهل غزة وقادة فلسطينيين فهموا الموقف المصرى واشادوا به، ليخسأ المتربصون المثبطون، ولتحيا مصر وتحيا فلسطين.