علاء عبد الهادى يكتب: طوفان الأقصى والضمير العالمي الحي!

علاء عبد الهادي
علاء عبد الهادي

نعيش في عالم بلا قلب، وبلا ضمير.

نعيش في عالم لا ينحاز إلا للقوى، وإن كان على باطل.

نعيش في عالم المعايير المزدوجة، والكيل بمكيالين.

من يملك القوة، يملك الشرعية، وعلى مدار سنوات الصراع العربى الإسرائيلى، منذ أن تم زرع الكيان السرطانى فى الأرض الفلسطينية عام 1948، لم يعترف الكيان الغاصب بكل قرارات الشرعية الدولية، وضرب بها عرض الحائط متسلحًا بحماية الولايات المتحدة الأمريكية، كم من القرارات صدرت تطالب بحق الفلسطينيين، وبحق الدول العربية، كلها بلا قيمة، وبلا مردود، لم تدرك وتفهم إسرائيل إلا لغة واحدة هى لغة القوَّة، لذلك كان الدرس المصرى القاسى لها فى حرب أكتوبر العظيمة، حيث لقَن الجيش المصرى العظيم، جيش الاحتلال درسًا مؤلمًا قاسيًا، أدرك بعده أن بقاءه فى سيناء أصبح فى حكم التاريخ.

وأنه لابد من الانسحاب من هذه الأراضى المصرية الطاهرة التى روتها دماء شهدائنا، قبل ذلك طالبت مصر، عشرات، بل مئات المرات العدو بالانسحاب، وطالب المجتمع الدولى إسرائيل بالانسحاب إلى نقاط ما قبل 4 يونيو 1967، وكم من المبادرات الدولية التى دخلت على الخط لإقناع اسرائيل بالانسحاب من الأرض التى احتلتها، دون جدوى، ولا حياة لمن تنادى، وكان القرار «ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، وانطلقت عملية أكتوبر العظيمة التى أنهت أسطورة إسرائيل التى لا تقهر، وكسرت هيبة هذا الجيش الذى بغى وتجبر، ولم يجد قادة إسرائيل من سبيل أمامهم، سوى الدخول فى عملية سلام انتهت باستعادة مصر لكامل ترابها الوطنى.

بغير انتصارات أكتوبر العظيمة لكنا حتى يومنا هذا نناشد ونستجدى إسرائيل بالجلاء عن التراب الوطنى المصرى.

استيقظ العالم على «طوفان الأقصى» وأحداث 7 أكتوبر  التى كانت بالنسبة للإسرائيليين أشبه بأهوال يوم القيامة.

هجوم منظم من غزة على إسرائيل من البر والبحر والجو، فى عملية عسكرية مدبرة ومحكمة، عملية أفقدت إسرائيل توازنها وصوابها، ومن هول ما حدث راحت إسرائيل، وبلا وعى ولا ضمير، تصب نيران غضبها الأعمى على الشعب الفلسطينى المحاصر فى قطاع غزة.

وفى نفس الوقت وهى تبطش ملأت إسرائيل الدنيا صراخًا ونحيبًا بسبب الضحايا المدنيين الذين سقطوا أثناء العملية العسكرية الموسعة التى قامت بها حماس تجاه مستعمرات غلاف غزة، وراحت تتاجر بالأمر وتنفخ فيه وتسوقه عبر وسائل إعلامها، وفجأة استيقظ الضمير العالمى على (هول وبشاعة ما فعلته المقاومة الفلسطينية، تجاه هؤلاء المدنيين الإسرائيليين)..!! ولكن أين كان هذا الضمير الحى اليقظ، وحرمات الفلسطينيين تنتهك كل يوم؟!

أين كان هذا الضمير، والأطفال يقتلون وتسوى بأجسادهم البريئة الغضة الأرض؟

أين كانت هذه الآلة الإعلامية الغربية الجبارة، وحرمة المسجد الأقصى تنتهك كل يوم على أيدى متطرفين يهود، يدنسونه مع كل صلاة تحت سمع وبصر، بل وحماية حكومة يمينية متطرفة؟

وأين هذا الضمير اليقظ وغزة محاصرة، بلا ماء ولا طعام ولا كهرباء، وبلا مستشفيات، فإلى أين يتجه هؤلاء الأبرياء؟

لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ لماذا نساوى بين الجانى والمجنى عليه؟

هناك قاتل وهناك ضحية!

لماذا يعيب العالم على الفلسطينين أنهم عاملوا إسرائيل بما تعاملهم به: بلغة القوة، ولا لغة غيرها يدركها الاحتلال الغاشم؟

ماحدث يوم 7 أكتوبر، سيبقى نقطة وعلامة جوهرية، ومفصلية فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، والمؤكد أن حماس عندما أقدمت على هذه الخطوة كانت تدرك تبعاتها، وتدرك إلى أى مرحلة يمكن أن تتطور الأحداث.

مصر، وعلى مدار تاريخها كانت حاضنة وراعية للحق الفلسطينى الجلى، وكل الحروب التى خاضتها، كانت دفاعًا عن الحق الفلسطينى، وقدمت عشرات الآلاف من خيرة شبابها فى كل تلك الحروب انحيازًا للحق الفلسطينى، ولليوم تبقى مصر هى الطرف الأساسى الحاضن والداعم والحامى لهذا الحق الفلسطينى، ولم تتخل يومًا عن ثوابت هذا الحق، سياسة مصر واضحة وجلية، منذ تفجر الأوضاع الأخيرة، بضرورة وقف التصعيد، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وإرجاع الأمور إلى نصابها بإعطاء الحق الفلسطينى لأهله والقائم على حل الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية، لأن هذا هو لب الصراع، وهو المبرر الذى يمنح الوقود لكل الجماعات الجهادية والإرهابية التى تتستر وراء القضية الفلسطينية، وتتاجر بها.

مصر بلا شك مع الحق الفلسطينى، ولكن يجب أن نلتفت ونحن نقدم يد العون لأشقائنا، ونتحرك فى كل المحافل الدولية مساندين وداعمين لهذا الحق الجلى أن نعى وندرك ما يريدون أن تنزلق إليه الأوضاع، بالعودة إلى طرح الأفكار «الشارونية، نسبة الى أرئيل شارون» التى تتضمن تنفيذ ضربة عسكرية عنيفة وقاسية تجاه غزة لا يكون بعدها هناك من سبيل أمام سكانها سوى النزوح واجتياح الحدود المصرية، تمهيدًا لإنشاء وطن بديل للفلسطينيين..حل الصراع لا يمكن أن يكون على حساب مصر، أو بالتفريط فى سنتيمتر من ترابها الوطنى تحت أى مسمى.

موقف مصر واضح ولا يقبل التأويل أو القسمة على اثنين : مصر مع حق الفلسطينيين، داخل ترابهم الوطنى، الذى يقاتلون من أجل استرداده، وإلا فإننا بقبول مناقشة هذا الطرح الشيطانى، إنما نقضى على القضية الفلسطينية من جذورها، ونقدم فى الحقيقية حلولًا على طبق من ذهب لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، التى ساعتها سوف تموت موتًا إكلينيكيًا، ولن يكون هناك وقتها مبرر للنضال.

يجب أن نعى ونلتفت لأساليب إسرائيل التى، وهى تضرب بلا قلب وبلا رحمة، وبلا أدنى ضمير، تسعى فى الوقت نفسه إلى استخدام أساليبها القذرة المعتادة بإحداث فتنة بيننا وبين الأشقاء، الذين لم نخذلهم يومًا، مرة بالتلميح الصريح والمبطن، بأن من يريد أن ينجو من المجزرة، وحرب الإبادة التى تشنها على القطاع وأهله، فليس أمامه إلا معبر رفح والدخول إلى مصر، ومرة ثانية، تدعى عبر المحسوبين عليها بأن مصر حذرت إسرائيل من ضربة محتملة توجهها حماس لإسرائيل.. كلام ملغوم ومسموم لا يستحق الرد عليه.

منذ اندلاع الأحداث، وكما هو قدر مصر، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يتوقف عن إجراء اتصالاته المكثفة، مع كل الأطراف لوقف هذا التصعيد الخطير وغير المسبوق للأحداث على الأرض وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية للأشقاء وقال لرؤساء تحرير الصحف على هامش احتفالات أكاديمية الشرطة بتخريج دفعة جديدة إن «أمن مصر القومى مسئوليتى الأولى ولا تهاون أو تفريط فيه تحت أى ظرف.. وأن الشعب المصرى يجب أن يكون واعيًا بتعقيدات الموقف ومدركًا لحجم التهديد».

كل المؤشرات والمعطيات، تقول إننا أمام تغير جوهرى فى الصراع، وأن الأمر قد يطول، ويجب أن نتحلى بالصبر، فهذا قدر مصر التى تعيش وسط محيط ملتهب من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب، ولكن الله معنا، ومع إخواننا فى غزة.