إعادة إعمار «درنة» تواجه مشكلة توجيه التمويلات

دمرت السيول العارمة التى ضربت مدينة درنة المبانى وتسببت فى تشريد الآلاف
دمرت السيول العارمة التى ضربت مدينة درنة المبانى وتسببت فى تشريد الآلاف

 

اضطرت الحكومة فى شرق ليبيا إلى تأجيل مؤتمر لإعادة إعمار مدينة درنة المنكوبة وسط مخاوف بشأن كيفية إنفاق التبرعات ونقص التنسيق مع غرب البلاد، فى بلد يواجه انقسام السلطة بين حكومتين متنافستين.

وقد دمر جزء كبير من درنة ليلة 10 سبتمبر عندما تسببت الفيضانات الشديدة فى انفجار سدين فوق البلدة. وقدر عدد القتلى بأكثر من 10 آلاف شخص، لكن لا يوجد رقم رسمى دقيق حتى الآن. وكان التفسير الرسمى لتأجيل مؤتمر إعادة الإعمار من 10 أكتوبر إلى نوفمبر هو منح الشركات «الوقت اللازم لتقديم دراسات ومشاريع فاعلة من شأنها أن تسهم فى عملية إعادة الإعمار».

ذكرت اللجنة التحضيرية فى بيان أن المؤتمر الذى كان من المقرر عقده فى الـ 10 من أكتوبر تم تأجيله إلى الأول والثانى من نوفمبر المقبل لأسباب لوجستية، بناء على طلب البلديات فى المدن والمناطق المتضررة وعدد من الشركات العالمية الراغبة فى المشاركة، وفق ما أوضح رئيس اللجنة صقر الجيباني. 

رأى الخبير المتخصص فى الشئون الليبية جليل حرشاوى أن تأجيل موعد مؤتمر درنة يعتبر «انتكاسة متوقعة إلى حد كبير لفصائل شرق ليبيا التى تأكدت الآن أنها ستضطر إلى العمل بطريقة أو بأخرى مع السلطات فى الغرب»، فى إشارة إلى الحكومة المعترف بها دوليًا فى طرابلس.

حيث تشهد ليبيا انقسامًا منذ سقوط نظام الرئيس معمر القذافى فى 2011 وتتولى شئونها حكومتان متنافستان واحدة فى طرابلس يترأسها عبدالحميد الدبيبة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والأخرى فى الشرق برئاسة أسامة حماد مدعومة من البرلمان ومن قائد «الجيش الوطنى الليبي» المشير خليفة حفتر.

وعلى رغم افتقارها إلى الاعتراف الدولي، دعت الحكومة المتمركزة فى شرق البلاد بادئ الأمر المجتمع الدولى إلى المشاركة فى أعمال المؤتمر، لكن يبدو أنها أعادت حساباتها وأشارت إلى أنه سيكون «مفتوحًا أمام الشركات الدولية والليبية فقط».

وألمحت واشنطن إلى أنها ستقاطع المؤتمر المزمع عقده، إذ جاء فى بيان للسفير الأمريكى لدى ليبيا ريتشارد نورلاند «يحتاج الليبيون إلى التأكد من أن المال العام يستخدم بشفافية ومسئولية وأن المساعدات تذهب إلى المحتاجين». وأضاف أن «عقد مؤتمر لإعادة الإعمار فى بنغازى سوف يكون أكثر فاعلية إذا تم إجراؤه بشكل مشترك وشامل».

موكدًا أن بلاده ستواصل «العمل مع المسئولين الليبيين فى جميع أنحاء البلد ومع الأمم المتحدة لدعم برنامج إعادة الإعمار الذى سيثق به الليبيون». ودعا نورلاند السلطات الليبية إلى «تشكيل مثل هذه الهياكل الموحدة، بدلا من إطلاق جهود منفصلة».

كما دعت القوى الأوروبية بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة الخاصة فى ليبيا إلى «إنشاء آلية مستقلة للإشراف على إعادة الإعمار فى الشرق». مؤكدين أن «الوضع الراهن للانقسام السياسى والمؤسسي، وغياب المساءلة عن الموارد والصناديق الوطنية، لا يمكن أن يستمر».

كما دعا المبعوث الأممى إلى ليبيا عبدالله باتيلى إلى حسن إدارة هذه الأموال خلال مشاورات مع المفوضية الأوروبية، حيث يشعر بالقلق إزاء ظهور مبادرات أحادية الجانب ومتنافسة من مختلف الجهات الفاعلة والمؤسسات الليبية بشأن إعادة إعمار درنة وغيرها من المناطق المتضررة من الفيضانات.

حيث يرى أن هذه الجهود الأحادية الجانب تأتى بنتائج عكسية، وتعمق الانقسامات القائمة فى البلاد، وتعيق جهود إعادة الإعمار، وتتعارض مع تدفق التضامن والدعم والوحدة الوطنية التى أظهرها الشعب الليبى من جميع أنحاء البلاد استجابة للأزمة. وقد أعرب الشعب الليبى عن قلقه إزاء التقديرات التعسفية للتكاليف ومبادرات إعادة الإعمار الأحادية الجانب التى تم الإعلان عنها دون شفافية وموافقة من جميع السلطات وأصحاب المصلحة المعنيين.

كما تدعو بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا جميع السلطات الوطنية والمحلية الليبية ذات الصلة وشركاء ليبيا الدوليين إلى تسهيل الاتفاق على آلية وطنية ليبية موحدة ومنسقة لتوجيه جهود التعافى وإعادة الإعمار وضمان الشفافية والمساءلة، استنادا إلى تقييم موضوعى للوضع والاحتياجات على أرض الواقع. ويظهر مثال اللجنة المالية العليا أن القادة والمؤسسات الليبية يمكن أن يجتمعوا معا لاتخاذ قرارات مهمة ومعالجة القضايا ذات الاهتمام الوطني، بما فى ذلك من خلال المنصات القائمة.

ويأمل بعض الدبلوماسيين فى استغلال الغضب من كارثة السد لإجبار السياسيين الليبيين على الموافقة على تنظيم انتخابات وطنية تأجلت مرارا. كما أن هناك مطالب، ترددت أصداؤها داخل ليبيا، بأن يشمل التحقيق فى أسباب الكارثة عنصرا دوليا نظرا لوجود انعدام ثقة واسع النطاق بشأن التحقيق الداخلى الجارى حاليا. هذا وقد اعتقل مكتب المدعى العام مؤقتا 12 مسئولا على صلة بالكارثة. ويتراوح هؤلاء المسئولون المحليون بشكل رئيسى من الرئيس السابق لهيئة الموارد المائية إلى رئيس بلدية درنة. وينصب تركيز التحقيق على ما حدث للأموال المخصصة لإعادة بناء السدود، ولماذا لم تتم متابعة العمل المتعاقد عليه مع شركة تركية. ليبيا بلد غنى بالنفط لكنه يعانى من الفساد المستشري، لا سيما فى عقود البناء. فى سبتمبر، أعلن مصرف ليبيا المركزى (CBL) أن عائدات النفط فى البلاد فى الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 بلغت 59.8 مليار دينار ليبى (10.2 مليار جنيه إسترليني). وتخضع درنة لشكل من أشكال الإغلاق - مع إقامة نقاط تفتيش واعتقال معارضين - منذ مظاهرة تطالب بمساءلة أوضح عن الكارثة.