تساؤلات

طابا فى القلب

أحمد عباس
أحمد عباس

عند مدخل الشهيد أحمد حمدى الضابط راسٍ جدا ومتزن يتطلع بهدوء جم فى الوشوش الداخلة إليه سيارة تلو الأخرى، قليل الكلام للغاية كأنه يدخره للأسئلة المهمة فقط، فى كل الأحوال أحب التعامل مع الضباط الكبار يكونون أكثر رصانة ومهارة فى التعامل مع الشارع، كأن رسوخًا ما يتملكهم كلما زاد العمر وعَلت الرتبة وثقل الكتف بنجومه ونسوره اللامعة.


الجندى على الطريق مبتسم فى عز الحر وقيظ الصحراء، يرفع شادوف الحاجز الأمنى بسلاسة بعد الاطلاع على التراخيص والبطاقات ويسأل: على فين بإذن الله؟، أرد: طابا. فيقول: أيوة كده عمرانة بينا، لا تنس أن تركب الطريق الجديد أقصر وأجود وأسرع، توصل بالسلامة يا أستاذ. يقولونها ويستمر فى توديعى ملوحا حتى أغرب عن نظرته وأختفي. أحببته جدا وصدقته.


الطريق الجديد بالفعل أقصر، اسمه مجازا طريق «بئر العبد» يختصر ساعتين على الأقل من إجمالى الزمن الذى كان مقررا للوصول لمدينة طابا كأنه يشق شبه جزيرة سيناء بشكل عرضى بعد نفق الشهيد أحمد حمدى وصولا للمدينة رأسا، أخيرا فطنت الدولة المصرية لأهمية الوصول إلى هناك، ثم ينتهى الى زجزاج ضيق للغاية بين الجبال مقسوم الى شقين ذهابا وايابا، تفرض عليك سرعة بطيئة للغاية تمكنك من مشاهدة جمال الجبال الصخرية الحمراء.


بعد أربعمائة كيلو متر تقريبًا.. الشاب فى بهو فندق شتايجنبرجر الواقع على أقصى نقطة حدودية يانع جدا ضحكته تملأ القلب وترد الروح فى البدن قهقهته حشرجة تخرج من قصبته الهوائية يقول بينما يحاول الفرار من يدي: والله أبدا، لا اتقاضى بقشيشا من ابن بلدي، ويجرى هاربًا.
المدير فى المطعم رجل أسمر وجنتاه عامرتان بتجاعيد أليفة تنفجر من بين ثناياها الخبرة والتفرس فى النزيل، تنفرج ملامحه لما يتلقى السلام الشعبى المصري، صباح الفل.. أقولها وأنا أداعب العابرين من حولى من عاملى المطعم والنظافة وسُقاة المشروبات الذين يدورون بالصواني.
صانع الحلوى عجوز شعره فضى وابتسامته رائقة يختصنى بقطعة من حافة الصينية المقرمشة لما يعرف أننى مصرى مثله، وأنا أذوب فى هذه القطعة أتهشم من النشوة مع كل قرمشة، تتدغدغ محبتى أكثر لهؤلاء الذين لا يجيدون شيئا سوى خدمة الزبون محلى أو سائح أو بين ذلك، فأما المحلى فهو المصرى وأما السائح فأجنبى معلومة جنسيته وهويته ولغته، وما بين ذلك فهو الذى لا تجوز الكتابة عنه الآن لكن ربما يتحقق ذلك يوما ما إما على يدى أو على يد الأبناء والأحفاد، يكونون أكثر جرأة وأشد عزما.. أغنية سطلانة هى السائدة وشبكات المحمول تتداخل وتقترب من عشر شبكات.


فى طابا طباع الأشياء مختلفة فى كل شيء، كأن الأولوية للمصرى ابن البلد أو قُل إن العاملين هناك يفتقدون العشرة الطيبة والضحكة الصافية والنوايا الواضحة، العلم المصرى هنا يرفرف فى كل بقعة وأنا أحب رؤيته مرفرفًا فى كل مكان خاصة المواقع الحدودية وبالذات فى الأمكنة التى يُخشى عليها أن تختلط أراضيها بأراض مسلوبة، ليت كل مؤسسة وهيئة وجهة ووزارة تفهم ماذا يعنى أن يكون العلم المصرى خفاقا وماذا يتركه فى القلب هذا المشهد.
كل عام والوطن بخير مكتملة أراضيه ومتسعة رقعته وضاحكة وشوش أبنائه وكل انتصار ونحن بخير.