«ما حقدت عليك» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

صلاح البسيوني
صلاح البسيوني

في غرفة المعيشة، جلست الست أم نبيلة، وهي امرأة في الخمسينيات من عمرها، على أريكتها، وهي تشعر بالضيق والارتباك، وإلى جوارها، جلس زوجها أبو نبيلة، وهو يحاول تهدئتها.

صرخت الست أم نبيلة بحدة: أريد الطلاق! طلقني، هل يقبل رجل ذو نخوة أن يحبس في بيته امرأة لا تريده زوجا؟

نظر إليها زوجها بحزن، وقال: ما أمسكتك في تعنت أو رغبة في العناد أو الانتقام، بل امتنعت عن الطلاق خوفا عليك في هذا العمر، خوفا عليك من نفسك، فأنت أم أولادي.

ردت الست أم نبيلة بحدة: يا أخي، أنا لا أطيقك، لا أريدك، أكره أن أراك أو ألقاك أو أسمع صوتك.

تابع زوجها حديثه: أفيقي، أدركي إلى أين تتجهين، ستصبحين وحيدة في وسط الطريق، كيف ستكون حياتك أنت والأولاد إذا استمر عنادك هذا؟ لكِ ما تريدين من فراق بين الأزواج، وظلي في مكانك بين الأولاد وخلف حائط بيتك تحتمين بها من برودة خريف العمر وغدر زمن قادم، ولكِ مني تلبية كل احتياجاتك أنت والأولاد، فأنا راحل، فاستريحي في مكانك، في بيتك.

صرخت الست أم نبيلة بحدة: لا أريد منك شيء، لا أريد زكاتك، الجوع عندي أجمل من لقمة منك مغموسة في الشفقة، لا أريد شيء منك سوى الطلاق.

رد بحزن: ليست شفقة ولا زكاة، ولكنها أمانة أوصانا الله بها وسيحاسبني عليها، ما بيننا من عمر طويل انطوت صفحاته بحلوها ومرها، ما بيننا من أبناء ارتفعت فروعهم وطالت عيدانهم، ما بيننا من ماضي ذبحناه وحاضر فقدنا فيه الأمان، ومستقبل أجهضناه قبل أن يولد لتدوسه الأقدام الغاضبة، لقد فقدت الزوجة، ولم تعد في حياتي، ولم يتبق سوى أم أبنائي، عيشي معهم ولك ما تريدين.

صرخت: أريد الطلاق!  طلقني.

صمت لحظات، ثم قال: أنت طالق بالثلاثة، ومع ذلك، أبدا ما حقدت عليك.