تساؤلات

على باب ماسبيرو

أحمد عباس
أحمد عباس

فى ماسبيرو تتملكنى فرحة طفولية أعرف مغزاها جيدا، فأنا ذلك الولد القاعد على ركبتيه فى كنبة السيارة الخلفية مرتديا «الشورت» فى سن العاشرة بداية التسعينيات يسأل والده كلما مر من على كورنيش النيل: ما هذا المبنى الدائرى العملاق يا بابا!، فيجيب الأب: هذا مبنى ماسبيرو، ويصمت. فأسأل بالحاح برئ وما هو ماسبيرو!، فيقول الأب: ماسبيرو يا سيدى هو مبنى الاذاعة والتلفزيون ثم يعود لصمته. يظن الأب أنه أجاب وأنهى باب السؤال ولا يدرك أنه فتح على نفسه أبوابا من الأسئلة، يسأل الولد: لماذا مبنى عملاق ونحن نملك شاشة صغيرة فى البيت ولا نحتاج لكل هذا المبنى لنشاهد القناة الأولى والثانية!، فيجيب الأب: يا صغيرى كل ما تشاهده وأنت مستلق على سريرك يخرج من هنا، فيهز الولد رأسه كأنه يفهم، ثم يسأل مجددا: يعنى سينما الأطفال والعلم والايمان وعالم البحار ونادى السنيما واسماعيل ياسين ونشرة الأخبار التى أكرهها كلهم فى هذا المبنى!، فيجيب الأب: نعم وغيرهم، فيرد الولد: طيب يالا نروح، يبتسم الأب ويردد: يالا شد حيلك وحقق حلمك وكن ذلك الشخص الجدير بالدخول.


فى كل مرة يصطحبنى والدى فى مشوار يكون الطريق له كورنيش النيل تدور نفس الحكايا بتفاصيل وأسئلة أكثر أفهم اجابتها وأخرى يتركها والدى بنهايات مفتوحة، كنت أظنه يخبئ اجابتها بينما هو لايرى الغيب لكن ابتسامته تملأ وجنتيه. فى مرة منها شاهدت الدكتور مصطفى محمود سائرا على قدميه أمام المبنى وكنت مولعا بشخصه وببرنامجه العلم والايمان الذى يعرض ليل الجمعة من كل أسبوع، صرت أقفز على ركبتى فى الخلفية وأنادى عليه كالمعتوه وأبى يحاول تهدئتى ذلك انه لايستطيع أن يرى الطريق جيدا، كنت أظن أننى لا أحتاج لشيء أكثر من أن ارتدى أبهى ملابسى لأظهر فى التلفزيون وأدخل ذلك الماسبيرو.
مرت السنون وتحقق الحلم ورآنى أبى على الشاشة ثم صار الحلم ادمانا، يرانى قبل الظهور وهو الوحيد الذى يعرف كل الحكايا ويسألنى اذا كنت ذاكرت جيدا ما سأقول فلا يحب أن يرانى متلعثما فى اجابة لسؤال ما طرأ فجأة على ذهن المذيعة، ثم أعود فيثنى على طلتى وأنا أثق أنها كانت فى مرات كثيرة مجاملة ودعم بأبوية وعطف لكنى كنت أحبها.. رحمة الله عليك يا أبي.


هذه الحكاية وحكايات أخرى رأى العين وأسمع أحاديثها فى أذنى فى كل مرة تأتينى دعوة من فريق اعداد محترف لأكون ضيفًا على احد البرامج التى تبث من ماسبيرو، وأمام بوابة المبنى أزهو جدا لا مكترثاً بمن يرانى وكيف يرانى بينما أتقافز فرحًا.


فى المرة الأخيرة التى دعيت فيها للظهور فى برنامج أحبه جدا اسمه « يُحكى أن» يذاع على القناة الأولى المصرية، أرتاح جدا لفريق اعداده المحترف ومذيعتيه ايمان مختار ورانيا السيد، ظهرت معهما مرات للكلام عن موضوعات سهلة رغم عمقها وهادفة ولطيفة للبيت المصرى لا ابتزال فيها ولا مبالغة، جاءتنى الدعوة كابن لمدرسة أخبار اليوم العامرة بأقلامها ورؤاها وتعددها للحديث عن الكتابة الساخرة وعمالقتها، وهذا ايضًا موضوع له ذكريات تستحق روايتها لكن فى كل الأحوال أحب جدا الحكى عن الأستاذ أحمد رجب ومقاله اليومى « نص كلمة» الذى طالما غّير قوانين وكاريكاتير الفنان مصطفى حسين ومتفرقات للعظيمين صلاح چاهين ومحمود السعدني، وأنا أحب الحكى دائما عن هذه القوة الناعمة التى تملكتنا منذ الصغر بكل أشكالها سواء التى خرجت مطبوعة بالصحف الكبرى أو تلك التى ظهرت من ماسبيرو الأليف.