في ذكرى رفيع المقام.. شفيع الأنام| لماذا احتفالاتنا بالمولد النبوي فريدة؟

عرائس المولد النبوي
عرائس المولد النبوي

لاحتفالات المصريين بذكرى المولد النبوي الشريف خصوصية لافتة تجعل من الصيغة المصرية للاحتفال بالذكرى متفردة لا يوجد لها مثيل في بلداننا العربية والإسلامية، وقد اعتاد المصريون على الاحتفال بأشكال متعددة ترسم تراثا شعبيا مميزا لم تسبقهم إليه أية شعوب أخرى، وقد حدثنا باحثان بارزان متخصصان في التراث الشعبى المصري عن تفرد مظاهر الاحتفالات المولد النبوي الشريف فى الثقافة المصرية.

فيري د.خالد أبو الليل أن مظاهر الاحتفالات المعتادة في مصر ذات أصول فى الموروث الثقافي كصناعة الحلوى، وعروس المولد، والحصان اختلفت الآراء حول أن أول من صنعها الأيوبيون أم الفاطميون، ولكنه يميل إلى الرأي الذى يختار الفاطميين، لأن عصرهم كان متميزا بالاهتمام بجماليات الحياة، ومظاهر الاحتفالات المبهجة، وبالأخص فى عهد الحاكم بأمر الله الذي يرجح البعض أنه هو الفارس الممثل على حصان حلوى المولد والعروس هي زوجته.

ويضيف «أبو الليل» قائلاً: المصريون بعاداتهم وسماتهم وتسامحهم استطاعوا ان يتخطوا فكرة التصنيف فى الاحتفالات الدينية لتصبح للجميع، فكل مواطن يحتفل برغم اختلاف الأديان لتصبح تلك الاحتفالات شعبية خاصة بالشعب المصرى، مؤكدا أن الشعب المصرى هو أول من اهتم بالأدب الشعبى، وحافظ عليه رغم رفض العديد، وبعد خمسين عاما من دراسة الأدب الشعبى بالجامعات المصرية، بدأت بعض الدول العربية دراسته رغم رفضهم له فى البداية.. ومن جانبه قال الشاعر والباحث مسعود شومان رئيس اللجنة العلمية للمأثورات الشعبية: «يمثل مولد النبى «» حدثا عظيما فى يقين الجماعة الشعبية، لذا فهى تحتفل به وتبتهج بقدومه بوصفه بركة، ونورا، وخيرا، فتقيم الأذكار والمدائح، ويرتبط بهذه الذكرى العطرة التى تحتل مكانا عميقا فى ذاكرة الإنسانية عامة، والمسلمين خاصة مجموعة من المظاهر الشعبية منها: المديح النبوى المتعلق بميلاده، والمعجزات المتعلقة به حيث تتنوع فى أشكال متعددة منها: الموال والمربع والأغنية، فضلا عن الإنشاد الدينى، ونصوص الذكر الصوفى، وأغانى حنون الحجاج التى يرددها المعتمرون قبل الذهاب إلى العمرة، وتكثر أغانى المداحين والدراويش والمتصوفة عكس بقية أوقات العام، كما تتكاثر عبارات التهانى والتحايا والأدعية التى تبارك هذا اليوم، كما يردد بعض المحتفلين على صوت الإيقاعات الصافية: وولدته آمنة على غُمْر فولــى .

وسمّته النبى محمد، وموشح «بلولـــى»، كما ينتشر سماع الحكايات الشعبية الخاصة بمعجزات الرسول  بجوار أضرحة الأولياء، أو فى الساحات ابتهاجا بمولد النبى ، كما يحلو للبعض رسم الحوائط أو تجديدها قبل الذهاب إلى عمرة المولد النبوى، وتنتشر بعض الحرف والمهن التى تعبر عن فرحة المصريين بالمولد مثل صناعة الحلوى وبيعها، كما تقام «الشوادر» التى تمتلئ بالأحصنة والعرائس المصنوعة من الحلوى، كما تأخذ كزيارات من العريس لعروسه كنوع من التبرك بالمولد النبوى، ونفحاته إضافة إلى مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبية التى ترسم خارطة احتفالات المصريين التى تمثل طقوس العبور من مرحلة إلى مرحلة، أو من زمن إلى أخر أو من حالة إلى أخرى، فالمولد بمثابة احتفالية شكلها المصرى معشقا بها ميراثه الثقافى من قديم الأزل، وهذا سر عظمة هذه الاحتفالية وخصوصيتها الثقافية والفنية عند المصريين.

ومن المعاينات الميدانية فى المولد إقامة الخيام لبعض الطرق الصوفية، حيث يقوم المريدون بتوزيع مشروب «القرفة» على المارة، ويطلقون على هذا الطقس «نفحة»، يتم التبرك بها كعطية من يقيمون الليالى الإنشادية بجوار تلك الخيام، ويجهز المريدون لزفة المولد التى تعد بمثابة إعلان للفرح الكبير لمعظم أهالى البلدة، حيث ما زال المولد يحتفظ بطقس صار نادرا فى الموالد وهو «زفة الحرف»، فيقوم كل صاحب حرفة بتجهيز عربة «الكارو»، وهى عربة خشبية يجرها حصان أو حمار يوضع عليها بعض أدوات حرفته مع بعض البيارق والأعلام المحاطة بالجريد الأخضر كدلالة على استجلاب الخير المتمثل فى خصوبة النخيل، كما تحمل كل عربة «صييتا»، والصييت هو أحد المنشدين الشعبيين الذى يقوم مع فرقته الصغيرة بالمديح والتنويه فى مدائحه عن راعى هذه الحرفة، ومشاركته فى الليلة، وتتزين العربات باللافتات التى تعلن عن اسم شيخ الصنعة، أو رب حرفة من الحرف، وتتوالى العربات فى صف طويل خلف بعضها، تسبقها فرقة من الجمالة، حيث يحمل كل جمل طبول «النقرزان»، وهى طبول كبيرة لها رق من الجلد، وجسمها من النحاس، أما مقدمة الزفة فتتكون من فرقة من العازفين على الآلات النحاسية التى تقوم بلم النقوط من الأطفال، والنساء، والرجال فى الشوارع، كما تقوم بعض النسوة برش الملح، وإلقاء حبات من «الفنضام»، و«التوفى»، على الأطفال الذين يندفعون فرحين لاقتناصها، وتظل تدور الزفة حول البلدة».