كنوز| يوسف إدريس يسترد مقعده من فتاة صهيونية فوق السحاب

د. يوسف إدريس  - الكيان الصهيونى يمارس القتل والحرق والتجويع فى فلسطين
د. يوسف إدريس - الكيان الصهيونى يمارس القتل والحرق والتجويع فى فلسطين

للشخصية الصهيونية سمات تقوم على الإستيلاء والإدعاء والكذب والنظرة للعرب على أنهم «وحوش» تستحق الإبادة بالقتل والحرق والتجويع، وهذه السمات نستخلصها من مقال «خطاب من فتاة صهيونية» ضمه د.يوسف إدريس لكتابه «شاهد عصره»، ويقول فيه أنه تلقى خطابًا من فتاة تدعى «نورا زونشتين» تقول فيه: «يبدو أننى قد أصبحت من رأيك وأنك كنت على حق»، ونعرف من المقال أنه التقى بهذه الفتاة عندما كان فى طريقه من مطار أثينا إلى بروكسل، صعد للطائرة وقبل أن تتحرك فوجئ الركاب بفتاة تدخل من الباب متأخرة، فى يدها حقيبة، وأخرى تحت إبطها، وثالثة بين هذه وتلك، وهى توزع ابتساماتها الصفراء المرتبكة على المضيفة المذهولة من عدد الحقائب، فلكل راكب حقيبة يد واحدة، لكن الفتاة لم تعرها اهتماما وظلت تتخبط فى الركاب وهى مرتبكة بما تحمله !

لا يعرف كاتبنا الكبير لماذا اختارت هذه الفتاة ان تجلس بجواره بالذات! مع ان مقعدها فى مؤخرة الطائرة، سقطت حقيبتها الثقيلة على ساقه فألمته أثناء وضعها على الرف العلوى، عاونها فى وضع بقية الحقائب، كانت قصيرة القامة، عصبية، كثيرة الحركة، وجهها أحمر، شعرها همجى يجمع بين الأبيض والذهبي، وعندما عاد الهدوء للمكان فوجئ بها تطلب منه أن يتنازل لها عن مقعده بجوار النافذة، بزعم أنها تصاب بدوار إذا ابتعدت عنها، وبصفته طبيب أدرك أنها تكذب لأن العكس هو الصحيح!» 

ترك لها مقعده وتذكر أن إحدى حقائبها كان مكتوب عليها كلمة «إيلال»، وعرف منها أنها شركة طيران إسرائيلية، سألها عن نفسها عندما حلقت الطائرة وأصبحت فوق السحاب فقالت إنها طالبة فى السنة النهائية بكلية الطب بولاية «ماسوشيتش» الأمريكية، وعلم أنها عائدة لأمريكا بعد إجازة صيفية قضتها «متطوعة» فى أحد مستشفيات «حيفا»! وهنا جاء ليوسف إدريس إحساس غريزى بوجوب الامتناع عن محادثتها والانتقال من جوارها، وجاءه إحساس آخر بضرورة أن يعمل بالحكمة القائلة «اعرف عدوك»، أدهشه تطوع فتاة أمريكية «حتى لو كانت يهودية» للخدمة فى مستشفى إسرائيلى فى فترة إجازتها ! 
ما لديه من خلفية معلوماتية عن العقيدة الصهيونية جعله يتفهم أن هذه الفتاة تم تجنيدها لدعم إسرائيل بالتطوع داخل أحد مستشفياتها، وتسعى الصهيونية العالمية إلى زرع عقيدتها فى وجدان كل اليهود فى العالم، وغير اليهود أيضا للعمل دائما لصالح إسرائيل، بدليل ان الفتاة كشفت عن صهيونيتهاعندما قالت «إن قضية إسرائيل هى قضية الحق والعدال والحرية، وإن العرب يريدون ذبح سكان إسرائيل المساكين المُسالمين الوادعين الذين أقاموا دولة لهم فى محيط يعجُّ بالعرب، وإن العداء تقليدى بين بنى إسرائيل والمصريين؛ وإن فرعون أَسَرَهم وجعلهم يبنون أهراماته وتماثيله واستعبدهم وقتَلهم، وضحَّى بهم»!
كظم كاتبنا الكبير غيظه وهو يستمع للمغالطات التى تسردها الفتاة نقلا عن الكتب الصهيونية العدائية التى تحولت لديها إلى عقيدة تمزج بين النصوص التوراتية والفكر الصهيونى، واستمرت الفتاة فى المغالطات والأكاذيب والإدعاءات، وأدرك «تشيكوف العرب» أن الصهيونية التى كانت مجرد فكرة قليلة الأنصار نجحت فى تحقيق أهدافها بتجنيد كل اليهود وغير اليهود فى أغلب العالم لخدمة إسرائيل بالربط بين أطماع الصهيونية واليهودية كدِينٍ، وإعادة صياغته بوجهة نظرها الخبيثة عن طريق تصوير سكان إسرائيل على أنهم قوم مظلومون مضطهَدون محاطون بالعرب الوحوش؛ والدفع باليهود وغيرهم لتقوية إسرائيل وفق الخطة الصهيونية الاستعمارية، لتلعب إسرائيل دور «البلطجى» على أى بلد عربى يفكر فى معاداة الاستعمار العالمى والوقوف فى وجه طغيانه، وأثمرت هذه الدعايات الصهيونية الخبيثة مع هذه الفتاة التى تؤمن بكلام لا تعرف حقيقته، مما جعل كاتبنا يسألها «وما رأيك فى اللاجئين العرب الذين اغتصبت إسرائيل أرضهم» وقالت «هنا إسرائيل»، هل جاء هذا فى التوراة أيضًا؟، فقالت بكل بجاحة « كان لا بد أن تقوم إسرائيل ! «، فقال لها» وبعد أن قامت ماذا يكون الحل بالنسبة لأهل فلسطين؟»، فقالت: «لماذا لا تتقاسمهم الدول العربية وتحلُّ مشكلتهم؟»، ضبط كاتبنا أعصابه وهو يقول «يعنى أصحاب الأرض يشتَّتون، والذين كانوا مشتَّتين يغتصبون الأرض ويقيمون عليها دولة؟»، فقالت ببرود «ما رأيك أنت ؟ وماذا يكون الحل؟»، أجابها بجدية وصرامة «الحل الوحيد أن تعود الأرض إلى أصحابها»، فقالت بعصبية «معنى هذا أن تتقوَّض إسرائيل»، فقال كاتبنا بهدوء «هذه أرضهم، وهم أصحابها، والحق يقضى أن يعودوا إليها»، قالت ببرود «وإذا رفضت إسرائيل هذا؟»، قال «لا بد أن تقبله بالحق والعدل والقوة والنار والحديد إذا لزم الأمر لأستعادة الحقوق».
انتفضت وهى تقول «فهمت، أنت عربى، واسمك أيضًا عربى»، فقال لها «أجل، أنا عربى من القاهرة، ولكنى لا أدعو إلا إلى الحق»، فصرخت فى وجهه وهى تقول أنت لا تدعو إلا لذبح الإسرائيليين، فبادرها قائلا: «نحن لا ندعو لذبح أحد، ندعو فقط لعودة الحق المغتصَب»، فقالت بكل بجاحة «لكنها أرض إسرائيل»، فقال لها كاتبنا الكبير بعد أن فاض به الكيل «هذه الأرض أرض العرب منذ الأزل، وإسرائيل اغتصبتها لبضع سنوات فكيف تصبح حق لها؟».
لم يجد كاتبنا فائدة من الحوار فقد افرغت ما فى داخلها من عقيدة صهيونية فاسدة، واحس أنه أخطأ عندما تنازل عن مقعده لفتاة صهيونية غبية متعصبة، وعاد ليسترد مقعده بجوار النافذة عندما ذهبت إلى الحمام، وعند عودتها قالت له «يبدو أن خطأ ما قد حدث فى المقاعد!» فقال لها «بالعكس لقد صححت الخطأ الذى ارتكبته، هذا مقعدى، فكيف تسمحين لنفسك أن تسميه مقعدك، اسمعى أيتها الصهيونية المتنكِّرة كأمريكية لقد سمحت لكِ بالجلوس فى مقعدى واتضح لى أنك عدوة فعُدت لاسترداد مقعدى، أبحثى لنفسك عن مقعدٍ آخر»، «احمرَّ وجهها غضبًا، وهى تقول «هذا توحُّش، نحن لسنا فى غابة، قم من مكانى» فقال لها «ليس مكانك، هل ترين أن استرداد الحق المغتصب وحشية، تماما كما تنظرون للعرب على أنهم وحوش وجزارين عندما يحاولون استرداد أرضهم، ابحثى عن مكانك وأجلسى فيه». 

ويصف لنا كاتبنا الكبير كيف تمسك بمقعده رغم صراخها وتشنجها ودبدبة اقدامها بالأرض، وطلبت النجدة من بقية الركاب والمضيفات بالادعاء كذبا أنه استولى على مقعدها، وتسبب صراخها فى حضور قائد الطائرة الذى راجع رقم مقعدها وقال لها وهى تذرف الدموع التى تمثل بها أنها ضحية: «السيد على حق ولا أستطيع إرغامه على ترك مقعده»، فقالت ببجاحة غير معهودة «لكنه مقعدى وسوف أشكوك لمدير الشركة عندما نصل إلى فيينا»، تركها الكابتن منصرفا، وذهبت مجبرة لمؤخرة مقاعد الطائرة والغيظ يأكلها طوال الرحلة، ويقول كاتبنا الكبير إنه تعمد أن يعطيها درسا ينسيها الأفكار الصهيونية التى تم حشو رأسها بها، لتعرف ان الحق يسترد عندما يريد صاحبه، لعلها ترى فى أى جانب يقع الحق.

>>>

ملحوظة هامة: «تأملوا جيدا ما جاء فى هذه الواقعة لأنها توضح أسباب انحياز الأمريكان والغرب لإسرائيل ضد الحق العربى بفعل الصهيونية التى أصبحت بالنسبة لهم عقيدة فاسدة»! 

عاطف النمر من كتاب «شاهد عصره»