غياب «بوتين» و«شى» فرصة لتعزيز نفوذ أمريكا وأوروبا

شى جين بينج
شى جين بينج

وإذا لم يكن غياب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مفاجئاً، لكونه لم يحضر قمة مجموعة العشرين العام الماضى فى إندونيسيا وقمة مجموعة البريكس فى جنوب أفريقيا، فضلاً عن وجود مذكرة توقيف بحقه، إلا أن إعلان الصين عدم حضور الرئيس شى جين بينج القمة أثار استغراباً وعلامات استفهام بشأن أسباب هذا الغياب، وخصوصاً أنها المرة الأولى التى يتخلَّف فيها عن حضور اجتماعات القمة منذ توليه السلطة عام 2013.

فرغم وجود تكتل آخذ فى التوسع حاليًا لعدد من الدول تحت اسم مجموعة «بريكس»، والذى تؤدى فيه الصين دورًا قياديًا، مقابل ركون غربى إلى مجموعة السبع وقممها السنوية؛ تعد مجموعة العشرين الأمل المتبقى للحفاظ الفعّال على مبدأ التعددية، لاسيما بعد أن تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، يوم الخميس، عن خطر حقيقى يتمثل فى تفكك النظام العالمى، فى وقت تعانى فيه منظمته من التعثر بسبب الحرب الدائرة فى أوكرانيا.

ويعكس غياب الرئيس الصينى، جنباً إلى جنب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، دلالات واسعة فى هذا السياق.

ويهدد غياب الصين عن المجموعة عديداً من الملفات، من بينها على سبيل المثال مفاوضات إعادة هيكلة الديون، وهو الغياب الذى يشكل «تهديداً وجودياً لمستقبل المجموعة»، بحسب ما نقلته صحيفة فاينانشيال تايمز.

الكاتب والباحث المتخصص فى الشئون الصينية، رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عماد الأزرق، يقول لموقع «اقتصاد سكاى نيوز عربية»، إن الصين وروسيا مواقفهما واضحة من الأزمة الحالية التى تهدد النظام الاقتصادى العالمى، ذلك فى وقت تقود فيه الولايات المتحدة الأمريكية الاتجاه الغربى لممارسة ضغوط عنيفة على موسكو وبكين، سواء على خلفية الحرب فى أوكرانيا، وكذلك على خلفية الصراع الأمريكى الصينى من جانب آخر، وهو الصراع الذى بدأ منذ سنوات من خلال الحرب التجارية وأزمة تايوان وإثارة مشاكل مختلفة بين البلدين.

على الجانب الآخر، يلفت إلى أن الولايات المتحدة «حاولت أن تروج إلى أن مجموعة بريكس (بقيادة الصين وروسيا) يمكنها سحب البساط من مجموعة السبع وتهديد مجموعة العشرين، وفى السياق يتخذ البلدان (روسيا والصين) موقفاً مؤثراً من قمة مجموعة العشرين، بهدف التأكيد على أن القمة تمثل اتجاه الغرب ولا تمثل العالم ككل أو القوى الكبرى فى العالم».

هذه هى المرة الأولى التى يغيب فيها شى أو أى رئيس صينى عن قمة مجموعة العشرين، وهو ما يمثل ضربة لجهود التكتل الذى تشكل أساساً لإيجاد توافق فى الآراء بين أقوى دول العالم، على الرغم من التناقضات الاجتماعية أو الاقتصادية.

وحول ما إن كانت كل من روسيا والصين قادرتين على منافسة الهيمنة الغربية والأمريكية على المجموعة، من خلال وجود عددٍ من دول «بريكس» داخل مجموعة العشرين، ممثلين فى كل من (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا)، إضافة إلى اثنين من الوافدين الجدد فى يناير المقبل (السعودية والأرجنتين)، يشير عماد الأزرق، فى معرض حديثه مع «اقتصاد سكاى نيوز عربية» إلى أن «الصين وروسيا على يقين بأن الولايات المتحدة رفقة الدول الأوروبية تحاول احتواء دول مجموعة بريكس، وبالتالى يمارسان هذه الإجراءات من باب الضغط على واشنطن وحلفائها، ومن خلال التلويح بأن البلدين يمكنهما إفشال هذا التجمع الكبير الممثل فى مجموعة العشرين، فى حال انسحاب دول البريكس من الـ G20».

على الجانب الآخر، فإن غياب الرئيس الصينى «سيمنح نظيره الأمريكى جو بايدن وغيره من الزعماء الغربيين فرصة لإثبات استعدادهم للتعاون مع الدول النامية وتعزيز دعمهم من خلال عرض اقتصادى ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية لتطوير البنية التحتية»، وهو ما عبّر عنه مستشار الأمن القومى لبايدن، جيك سوليفان، الشهر الماضى، بقوله إن الرئيس الأمريكى يرى قمة نيودلهى «فرصة للولايات المتحدة والشركاء ذوى التفكير المماثل لتقديم عرض قيم، خاصة لدول الجنوب العالمى».

وعقدت القمة بعد أشهر من الجهود الفاشلة التى بذلتها المنتديات الوزارية المتعددة لمجموعة العشرين للتوصل إلى استنتاجات مشتركة حول موضوعات تتراوح من الرعاية الصحية إلى تغيّر المناخ، بسبب الخلافات حول الحرب فى أوكرانيا وتقاسم الأعباء بين الدول الغنية والنامية.

وكانت الصين هى «المعارضة الرئيسية للتوافق حول جميع القضايا تقريباً»، طبقاً لما ذكره الرئيس التنفيذى لمركز أنانتا أسبن، وهو مركز أبحاث هندى، إندرانى باجشى.

فى اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين ووزراء المالية وغيرهم من المسئولين، فشلت الهند فى الحصول على بيان نهائى واحد متفق عليه من قبل جميع الأعضاء. وقد اختارت روسيا والصين مراراً وتكراراً عدم استخدام اللغة التى روجت لها الدول الغربية التى تدين الحرب.

وكانت مجموعة العشرين قد تمكنت من الاتفاق على بيان مشترك غير متوقع فى قمة 2022 فى بالى. ولكن المناقشات التى جرت هذا العام تحت رئاسة الهند اتسمت بصدع يبدو أنه لا يمكن جسره بين الغرب وروسيا والصين بشأن الحرب فى أوكرانيا، وفق تقرير الفاينانشال تايمز المشار إليه.

يهدف بايدن إلى الاستفادة من غياب الرئيسين الصينى شى جين بينج والروسى فلاديمير بوتين فى اجتماع قادة مجموعة العشرين فى الهند، من أجل تعزيز العلاقات مع دول فى المجموعة، تحاول الصين وروسيا جذبها إليها، بحسب تقرير لـ«بلومبرغ».

 وقرر بوتين وشى عدم المشاركة فى قمة هذا العام، مما فتح الباب أمام بايدن لإعادة تعزيز مكانة الولايات المتحدة كنقطة رئيسية فى النظام الدولى.

وسيعرض بايدن موقف الولايات المتحدة أمام دول تربطها علاقات اقتصادية قوية مع الصين، مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وإندونيسيا، بالإضافة إلى البلد المستضيف الهند. وتمتنع هذه الدول أيضاً عن اتخاذ مواقف ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.

وجزء أساسى من هذا الجهد يتضمن تعزيز التمويل ونطاق العمل للبنك الدولى، وبنوك تنموية أخرى، بهدف تعميق العلاقات مع اقتصادات العالم الناشئة، وتقديم بديل للتمويل الصينى الذى تدعمه الحكومة فى بكين.

وتُخطط الولايات المتحدة، للضغط من أجل تخفيف عبء الديون عن الدول الفقيرة والإعلان عن تمويل مشاريع البنى التحتية الجديدة.

ويعتبر هذا التمويل عاملاً مهماً لتحقيق التوازن فى مواجهة الجهود الصينية والروسية، والتى تستهدف دولاً ذات أهمية استراتيجية واقتصادية.

يأمل الرئيس الأمريكى فى تعزيز الاستقرار النسبى لاقتصاد بلاده، بعيداً عن الشكوك فى أن الكونجرس أو عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، يُمكن أن يقوض أى وعود يقدمها المسئولون الأمريكيون.

وذكرت «بلومبرغ» أن النتيجة الأكثر أهمية بالنسبة لبايدن، هى تقوية موقفه قبل نوفمبر، قبيل رحلة مرتقبة لشى جين بينج إلى سان فرانسيسكو، حيث تستضيف الولايات المتحدة القمة السنوية لمنتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ.

وزار عدد من المسئولين الأمريكيين بكين فى الأشهر الأخيرة، مما أثار إشارات إيجابية من المسئولين هناك، وتكهنات بأن اجتماعاً بين الزعيمين يجرى إعداده.

وقال وانج يى وى، الدبلوماسى الصينى السابق ومدير معهد الشئون الدولية بجامعة رنمين الصينية: «من الواضح أنه كان هناك تخفيف مؤقت للتوترات بين الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك، سيكون من الصعب على النخب الصينية استعادة الثقة فى الولايات المتحدة مرة أخرى».

ومن المرجح أن يُكافح القادة حتى اللحظة الأخيرة للتوصل إلى حل وسط بشأن اللغة التى تصف حرب روسيا فى أوكرانيا، وسط مخاطرة بأن لا تُصدر المجموعة بياناً مشتركاً للمرة الأولى منذ تأسيسها عام 1999.

وقالت ويندى كاتلر، نائبة رئيس «معهد سياسات جمعية آسيا»، إن تركيبة قمة هذا العام فى نيودلهى «تجعل من الصعب إثبات أهميتها».

وأضافت: «غياب شى جين بينج عن اجتماع مجموعة العشرين هذا العام يُؤكد كيف أن هذا التجمع، الذى كان بمثابة نجم لامع بين بقية التجمعات العالمية، يُكافح الآن لتحقيق نتائج ذات مغزى فى خضم التوترات الجيوسياسية».

كما يخطط الاتحاد الأوروبى استغلال غياب الرئيس الصينى ونظيره الروسى عن قمة مجموعة العشرين، لتعزيز التواصل مع دول ما يسمى بـ«الجنوب العالمى»، من خلال اجتماع رفيع المستوى مع القادة الأفارقة على هامش القمة، طبقًا لـموقع «بلومبرغ».

وذكرت المصادر، أن التكتل الأوروبى المؤلف من 27 دولة، يهدف إلى «إظهار جديته بشأن إعادة تعريف شراكته مع أفريقيا»، على الرغم من الإرث الاستعمارى المضطرب.
حيث يشارك فى القمة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل، والمستشار الألمانى أولاف شولتز. ومن الجانب الأفريقى، سيضم المشاركون زعماء جنوب أفريقيا، العضو فى مجموعة العشرين، وكذلك مصر ونيجيريا وجزر القمر، التى تتولى الرئاسة الدولية للاتحاد الأفريقى.

ويعقد التجمع الذى يوصف بأنه «قمة مصغرة»، فى الوقت الذى تشتد فيه المنافسة على النفوذ العالمى، وسط مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وانقسامات بشأن الغزو الروسى لأوكرانيا.