حسن علام
فى الوقت الذى توصل فيه العلماء للصعود إلى القمر، وأدركوا الرموز الكونية لطبيعة اللغة البشرية، فإنهم مازالوا عاجزين عن فك الطلاسم الصوتية للغة الطيور بكل أنماطها.
حى «شبرا».. وتحديدا منطقة «الخلفاوى» شهدت مراحل طفولتى وصباى وشبابي، وبما تحمله سمات الأحياء الشعبية المعروفة بطيبة أهلها، وحياتهم العفوية الخالية من التكلف والتعقيد، فكل شقق البيت الذى نسكنه يعيش قاطنوها تحت مظلة التواصل واستدامة المحبة بين الجيران، وقوة العلاقات الاجتماعية، وتبرز روح الشهامة فى المناسبات المختلفة سواء كانت حزينة أو مفرحة، فالكل يتبارى فى تقديم العون والتضامن والمساندة، والحفاظ على الموروث الشعبى الذى ألفناه منذ نعومة أظافرنا..
ومنذ 83 عاما أكرمنى الله بالزواج من رفيقة عمرى الطيبة الصالحة الصوفية، والتى أكن لها كل التقدير والحب، فانتقلت من «شبرا» إلى عمارات ضباط الجيش بالهرم، لكن العلاقات الأسرية هنا «فردية»، ومكثت فيها هذه السنوات الطويلة أعرف جيرانى بالوجوه فقط دون أسمائهم، باستثناء قلة منهم يتقابلون عند مدخل العمارة اسبوعيا عقب صلاة الجمعة وهم أعضاء مجلس الإدارة لتدارس شئون النفع العام وحل مشاكلها وسبل تطويرها، لكن تماسك سكانها لم يكن على المستوى الموجود فى الحى الشعبى الذى تختفى فيه الفوارق الطبقية.
وفى مطلع هذا العام قررت الانتقال إلى مسكن جديد بحثا عن الهدوء والسكينة بعد أن تجاوزت السبعين من عمري، وبعد أن أفاض المولى من نعمه، سكنت بحى المهندسين بشارع هادي، نمت فيه أشجار ظليلة، وأستطيع التحرك فيه على قدمى بسهولة متوجها إلى المتاجر والمحلات والمطاعم والمقاهى وشراء احتياجات أسرتى الصغيرة بكل يسر، وتتوافر فيه مواصفات الحى الآمن.
وأجمل ما فى سكنى الجديد أننى أتمكن من الاستغراق فى النوم بشكل أفضل، لأن غرف النوم مطلة على شارع ليس فيه مرور أو زحام أو ضجيج فالعامل البصرى فيه مريح.
أصحو من النوم صباحا على لغة الطيور المتراصة على سطح دولاب صغير صمم لتغطية الجهاز الخارجى للتكييف وتستقر عليه ردحا من الوقت للاستراحة والتقاط الأنفاس لمزاولة أنشطتها سعيا إلى الرزق، وهى كما رأيت فصائل من الطيور أهمها «العصافير»، وهى أكثرهن عددا، مع بعض «الحمام»، و«اليمام»، الصغير، ولكل منها لغته الخاصة فى المخاطبة والتعاملات بينها!!
فى بداية سكنى كانت العلاقات متوترة بينى وبينها، فبمجرد أن أزيح الستار، وتشاهدنى من الزجاج الفاصل، حتى يتطوع بعضها بإطلاق صيحات تحذيرية، فيسارع البعض بالطيران، بينما ينظر الباقى بحذر شديد مطلقا «زقزقة» النداء «كما يبدو»، لمخاطبة الباقى المستعد للرحيل!
وخفق قلبى تعاطفا مع هذه الطيور الجميلة، وتفتق ذهنى للوصول إلى حل يرضيها ويقنعها بأننى إنسان مسالم يحبها ويخطب ودها، فأمرت من تعمل عندنا بإحضار أوانى صغيرة مغطاة بحبات الأرز مع أكواب بلاستيكية بالماء!
فى اليوم الثانى لهذا الاجراء هدأت الطيور إلى حد ما، واختفى الفزع من أول نظرة على النافذة، «كما كانوا فى الماضى، ولاحظت أن معظم حبات الأرز كما هي، فأدركت كبر حجمها وطلبت استبدالها فى اليوم التالى بحفنات من قمح وحب «بفتح الحاء»، مع زيادة أوانى الماء خاصة فى هذا الطقس الحار، بعدها ارتاحت واطمأنت، فمجرد أن أفتح زجاج النافذة تنطلق إلى أسماعى أصواتها أكثر شدوا وترحيبا ولعبا بعد الإحساس بالأمان والألفة بيننا، وأسمع من أفواه هذه الطيور ألفاظا وكلمات غير مفهومة، فلغتها بالطبع لا أستطيع تفسيرها، أشاهدها فقط فى رقص «اهتزازي»، دائرى الاتجاه، ومع ذلك فمازلت حائرا فى ترجمة لغاتها، مرددا فى أعماقى سؤالا حائرا يبحث عن إجابة: ماذا قالت هذه العصافير والحمام واليمام فى وجود غريب عليها «مثلي»؟!
فما رصده العلماء من أساليب التفاهم والحياة بين البشر وأطلقوا عليه اسم «اللغات» فإنهم عجزوا عن تشخيص لغة الطير، وتسبيحها لله الخالق الأحد، باستثناء سيدنا «سليمان»، الذى ورثها عن داوود «عليه السلام»، ولم يبلغ أحد من الأنبياء، مبلغ ملكهما «على حد علمي»!
فى الوقت الذى توصل فيه العلماء للصعود إلى القمر، وأدركوا الرموز الكونية لطبيعة اللغة البشرية، فإنهم مازالوا عاجزين عن فك الطلاسم الصوتية للغة الطيور بكل أنماطها، وبما فيها من تنوع وتعقيد، رغم بساطتها وجمالها المحبب إلى أسماعنا، فمن منا لا يطرب بأصوات البلابل، وهديل الحمام، و«زقزقة العصافير»؟!
الجمعة:
على باب المسجد
ذهبت لتأدية صلاة الجمعة بمسجد «الحامدية الشاذلية».. وقبل الدخول من بابه استقبلنى جمهور من «المتسولين»، بعضهم يرتدى ملابس بالية قديمة، والآخر يمد يده بارزا عاهة مستديمة أو مصطنعة «الله أعلم»، ويتحدثون بسكينة مزيفة لترديد أدعية تثير الشفقة لاستخراج النقود من جيبك: حسنة لله، الله يخلى أولادك، ربنا يفتحها فى «وشك»، والغريب أن هؤلاء المتسولين يظلون على هذا الحال من بداية تلاوة القرآن حتى انتهاء الصلاة خارج أبواب المسجد، وسألت نفسي: كيف يستجيب الله لدعائهم وهم لا يصلون أصلا؟!
والواقع اننا نرى زملاء كثيرين لهؤلاء إما فى تسول مباشر بالمطاردة واللزوجة والإلحاح، وإما بطريقة غير مباشرة بالتسول المقنع، والقيام بخدمات غير مجدية وحقيقية ورمزية، كمسح زجاج السيارات فى إشارات المرور أو بيع المناديل أو ترويج أدعية مطبوعة، وبعضهم يدعى أنه محتاج «فلوس»، للعلاج، أو رعاية أيتام أو ضياع أمواله ويريد تذكرة قطار للسفر إلى محافظته.
للأسف بعض الناس تشجعهم وتعطيهم بدافع العاطفة والرأفة، وأحيانا خوفا من نهرهم ومنع رذالتهم، والأفضل أن يبحث كل منا عن الطبقات المحتاجة فعلا، وتنطبق عليهم الآية الكريمة: «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»، وقد تجدهم فى المستشفيات، أو داخل الأوساط الطلابية، وكل أسرة فيها الغنى والفقير «العفيف»، فابحثوا عن هؤلاء!
الأحد:
فى انتظار فتوى
حضرت مجلس تحكيم لرد حقوق فى مشروع «فسخ خطوبة» دعانى إليه والد العروس، وهو بالمناسبة شخصية بارزة ومن أسرة كريمة، منذ حوالى ثلاثة شهور تمت خطبة ابنته، الخطيب يعمل فى وظيفة مرموقة حضرنا الحفل، الذى كان كبيراو فخما، وحدث خلاف بين العروسين: العريس اكتشف أنها «مدخنة »ولم تخبره بذلك قبل أن يخطبها، ويريد فسخها بسبب عدم صراحتها معه، ويطالب برد الشبكة وقيمتها مائة ألف من الجنيهات، بينما هى ترد بأنها تدخن «على خفيف»، ولا تتعدى سيجارتين فى اليوم، وهذا لا يستدعى مصارحته، كما أنها تتهمه بالبخل الشديد، ففى كل مرة يدعوها على العشاء يكون المكان فى ناد تابع لجهة عمله لأنه أرخص، وعندما اقترحت عليه التغيير واختارت اسم مطعم شهير، عمل نفسه من «بنها»، وسلك «الطناش»، والغريب فى الأمر اننى اكتشفت أن العريس «مدخن»، وعندما واجهته أنا بذلك، ولا يستدعى الأمر المطالبة بالشبكة بسبب تدخينها وهو عيب موجود فيه، قال لا يزعجنى أن تكون مدخنة بقدر ما يزعجنى عدم صراحتها من البداية، فكيف يستمر معها؟
وفشل مجلس الصلح فى إعادة المياه إلى مجاريها، هو يطالب برد الشبكة، وصديقى والد العروس يعلن موافقته على ذلك مقابل أن يدفع تكاليف حفل الخطوبة وقدرها خمسون ألفا من الجنيهات.
وأمام هذا الإصرار المتبادل من الطرفين، اقترحت عليهم أن أحصل على موعد من صديقى سماحة مفتى الجمهورية العالم الجليل الدكتور شوقى علام، ونذهب معا، وما يقترحه فضيلته يكون قولا فاصلا ويلتزم به الجميع، فوافقوا على ذلك ويفعل الله كل الخير!
الاربعاء:
الصابون والشامبو
التقيت على مائدة عشاء بالعالم الجليل الدكتور مصطفى أبوالعلا أستاذ الأمراض الجلدية بطب قصر العيني، والحقيقة فقد أجاد هذا العالم فى الاجابة عن تساؤلاتى فى خطوات العناية بالجلد للبقاء عليه نظيفا ناضرا، وأهمية الاستمتاع بالحمام اليومى فى ظل حرارة الجو لتجريد الجسم من أى بكتيريا، لكن بهرتنى معلوماته المفاجئة أن الصابون أهم من «الشاور، جل أى سائل الاستحمام، إذ يعتبر من المواد المنظفة والمطهرة فى نفس الوقت، والذى يحتوى على مواد ذات فاعلية سطحية والتى تكون «الرغوة»، فتقلل الشد السطحى عند اذابتها بالماء، ويصنع من أملاح الصوديوم أو البوتاسيوم الغنية بالاحماض الدهنية، وهو من المواد الصديقة للبيئة، ويقوم بتفتيت وطرد المواد غير المرغوب فيها من على سطح الجلد، ويعود اكتشافه من قديم الأزل، وكان آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا يستخدمونه، وتبدو وجوههم وأجسامهم «زى الفل»، ولم يعرفوا أبدا الصابون السائل «الشاور جل»، الذى يحتوى على زيوت وعطور ومستحضرات تجميل، لكن الصابون يقوم بمهمته على وجه أكمل، لكن من المهم اختيار أنواع الصابون بعناية ابعد عن صابون «الديتول»، واختار «الجلسرين»، لأنها طبيعية وخالية من المواد الكيميائية، «الشاور جل»، قد لا يقتل البكتيريا مثل ما تفعله الصابونة العادية، لكن لا تستخدم الصابون فى تنظيف الشعر، لابد من «الشامبو»!