قدم إبداعاته ورسومه المتنوعة علـى صفحات «آخـرساعة»

مصطفى حسين أسطورة الكاريكاتير| 9 سنوات على رحيل «الريشة الساخرة»

رسام الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين
رسام الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين

تسع سنوات مرت على رحيل رسام الكاريكاتير المبدع، الفنان الكبير مصطفى حسين، الذى غاب عن عالمنا صباح يوم 16 أغسطس 2014 تاركًا فراغًا كبيرًا، بينما لا تزال أعماله باقية تمس قلوبنا جميعًا إذا عدنا إليها أو تذكرناها، فقد كانت رسوماته تنبض وتشعر بالآم البسطاء، إذ كان حاضرًا بريشته الساخرة فى العديد من المواقف التى مرت على تاريخ مصر، ليس هذا فقط بل كان فارسًا ومبدعًا فى فن الرسوم التوضيحية المصاحبة للمقالات الصحفية التى قدمها على مدار 11 عامًا على صفحات «آخرساعة»، بخلاف رسوم الأطفال التى كان يعشقها ويتمنى التفرغ لها.

◄ رسوماته التوضيحية لعبت دورا كبيرا فى إظهار المحتوى الصحفي

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

ولا شك أن الرسوم التوضيحية تلعب دورًا مهمًا في العمل الصحفي، خاصة في إظهار محتوى أو مضمون القصص القصيرة والفكرة المراد توصيلها للمتلقى، فهى إذًا لغة طيعة وسهلة، وليس هناك أسهل ولا أسرع من الفن التشكيلي في نقل الإحساس للمتلقى.

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

◄ أحسن رسام في العالم
دراسة الفنان في كلية الفنون الجميلة تعتبر من أهم العوامل التي ميزت وشكلت خطوطه، حيث إنه درس في قسم التصوير، ما ساعده على رسم وإتقان النِسب التشريحية التس جعلته يتفوّق على أقرانه وقتذاك، واستطاع بريشته أن يصنع تاريخًا غنيًا بالأعمال المميزة مع الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب، إذ ارتبطا ارتباطًا نشأ وتحقق من أجل «أخبار اليوم» وجسدا لنا أروع الأعمال التشكيلية مع أقوى الأفكار الساخرة داخل الصورة الكاريكاتيرية الواحدة.

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

فترات طويلة قضاها مصطفى حسين أفكار أحمد رجب، ولكن كانت له فترات أخرى رسم الكاريكاتير بأفكاره هو. يقول الكاتب الراحل أحمد رجب إنه كان يتابع أعمال مصطفى حسين التي تُنشر بين الحين والحين في «آخرساعة» و«أخبار اليوم»، وذات يوم سأل الأستاذ بيكار عن رأيه في مصطفى حسين، فقال بيكار إنه أحسن رسام في العالم أجمع، وكررها بيكار حتى لا تكون العبارة من باب المبالغة. وذهب رجب إلى حسين وعرض عليه الاشتراك معه في عمل رسوم كاريكاتيرية لـ«الأخبار» و«أخبار اليوم»، واعتذر مصطفى حسين بأنه قد يحسن الرسم لكنه لا يعرف تأليف رسم ضاحك، فقال لمصطفى: ما رأيك أنا أفكر وأنت ترسم؟ وهذا ما تم بالفعل في كاريكاتير «الأخبار» و«أخبار اليوم» الذي اشترك فيه الاثنان معًا.

◄ عمالقة الرسوم التوضيحية
كان الفنان الراحل موهوبًا في الرسوم التوضيحية، وبخطوط سهلة رشيقة يستطيع أن يرسم شخصياته وأبطاله، ويُجسِّد المحتوى في لوحات بديعة نفتقدها في هذه الآونة، فقد كان له باع طويل في هذا المجال، إذ انتشرت رسومه في العديد من المجلات والصحف، ومن أهمها مجلة «آخرساعة» التي كان لها النصيب الأكبر من تلك الرسوم، رغم وجود عمالقة يرسمون بها في ذلك الوقت أمثال بيكار ورخا وصاروخان والحسين فوزي، وآخرون.

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

ولكن خطوط مصطفى حسين ورسومه كان لها دور في وضع اسمه بين هؤلاء العمالقة، كما كان لصحيفة «أخبار اليوم» الأسبوعية و«الأخبار» اليومية جزء من هذه الرسومات، بالإضافة إلى جريدة «مايو» التي كان يبدع بها رسومًا مصاحبة لما كان يكتبه الرئيس الأسبق محمد أنور السادات على حلقات، ومجلة «كاريكاتير» التي قدّم بها رسومات عديدة مصاحبة للموضوعات الصحفية، وأيضًا كان يقوم بعمل الرسوم التوضيحية لكثير من الكتب التي كان يرسم أغلفتها، وبعضها كان يبدع الرسوم الداخلية فقط، بينما يرسم أغلفتها الفنان بيكار.

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

◄ قصة كل أسبوع
بدأت انطلاقته الفنية من دار الهلال، فرسم بدايات أعماله في مجلة «الاثنين والدنيا»، و«المصور»، و«الكواكب»، ومجلتي «الرسالة الجديدة» و«التحرير» في الفترة ما بين عامي 1952 و1956. وعندما صدرت جريدة «المساء» بدأ الرسم فيها عام 1956 واستمر فيها حتى عام 1963. وكان في تلك الفترة يرسم أغلفة ملوَّنة لمجلة «Arab observer» التي كانت تصدرها الدار القومية للطباعة والنشر، ثم انضم لـ«آخرساعة» عام 1963 التي عمل بها حتى عام 1974.

وعلى صفحات الأميرة «آخرساعة»، تتناول ريشة الفنان القصة القصيرة أو الرواية الطويلة المجزأة على حلقات مسلسلة، وفي هذه النماذج نلاحظ تنوُّع الطرق التي يتبعها الفنان في العرض لرسومه التوضيحية المصاحبة لقصة كل أسبوع، فالخامة الغالبة التي كان يستخدمها لتنفيذ رسومه هي ألوان الجواش، وأحيانًا يستخدم معها الألوان المائية، وأيضًا وفي نطاق ضيق يظهر استخدامه لأقلام الفلوماستر أو فرشاة الحبر الأسود، وأحيانًا أخرى المساحات السوداء بخامة الجواش المحبّبة له في التنفيذ. 

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

◄ عزيزي.. عزيزتي
أحد عشر عامًا قضاها مصطفى حسين يرسم على صفحات هذه المجلة رسومًا توضيحية كاريكاتيرية عديدة رسمها في تلك الفترة، وأذكر من هذه الرسومات خلال فترة الستينيات، فقد كان الكاتب الكبير يوسف السباعي يكتب عمودًا أسبوعيًا في «آخرساعة» بعنوان عزيزى أو عزيزتى حسب الشخصية التي يتحدث عنها، وكان مصطفى حسين يرسم تلك الشخصيات بخطوط سهلة وبسيطة، حتى أن القارىء كان يعرف الشخصية بمجرد أن تقع عيناه عليها، كما كان يكتب القدير محمد وجدى قنديل في تلك الفترة مقالًا تحت عنوان «هذا الرجل يقول»، وكان يتناول في مقالاته شخصيات عامة وسياسية، يجسدها بريشة مصطفى حسين، بخلاف ما كان يرسمه مصاحبًا للعديد من كبار الكُتّاب وقتذاك في «آخرساعة» و«الأخبار» و«أخبار اليوم».

رسام الكاريكاتير مصطفى حسين

◄ قوة الشعب السوداني
ومن النماذج التي رسمها في «آخرساعة» رسمة بتاريخ 18 نوفمبر 1964، كانت تحمل عنوان «لن يدخل العملاق في القمقم»، حيث أراد أن يبعث برسالة يُعبِّر من خلالها عن قوة الشعب السوداني وصموده أمام العدوان الأمريكي البريطاني في ذلك الوقت. والجميل في هذا العمل قوة التكوين واختيار وتوزيع الألوان في تناغم، حيث نجد أن الفنان رسم الشعب السوداني كأنه عملاق يستحيل ترويضه، مراعيًا حجم المستعمر الطامح هنا مقارنة بحجم الشعب السوداني، فقد تخيّل الفنان ضآلة حجمه، وفي قالب ساخر رسم القمقم صغيرًا جدًا مقارنة بحجم الشعب السوداني، في تعبير منه عن استحالة دخوله القمقم.

وبالنسبة إلى الألوان، استطاع الفنان من وجهة نظري اختيار ملابس بيضاء ترمز إلى الشعب السوداني، وهذا من الناحية الجمالية والتشكيلية خدم المعنى، حيث نجح في تسليط الضوء على الإنسان السوداني ببشرته المميزة باللون الأسمر، كما نجح أن يبعث برسالة مفادها أن هذا الشعب نقي وصافٍ مثله مثل الرداء الأبيض على عكس ما يرتديه العدو اللدود الغالب عليه الأسود.

وعندما نتأمل الجانب الأمريكي بالرسم نجد أنه يحمل سُرة دولارات، ونجد أن غطاء القمم الذي يمسكه الجانب البريطاني عليه علامة العملة الأوروبية، وكأنه يحاول إرسال رسالة مفادها أن الشعب السوداني لا يُشترى بالمال.

رحم الله مصطفى حسين الذي ترك لنا وللأجيال القادمة إرثًا كبيرًا سيظل علامة من علامات الفن التشكيلى المصري والعربي بل والعالمى.