خطف البنات بهدف الزواج.. وجع في قلب روسيا

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتب: أيمن موسى

قبل أيام صدر بيان رسمى عن رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، علاء الدينوف، ورغم جدية الموضوع الذى تناوله البيان، فقد يبدو مستغربا، وبشكل كبير جدًا لجانب كبير من القراء خاصة فى ظروف التطور، الذى شهدته البشرية على مدار تاريخها، وفى ظل التقدم الذى حققه مجال حقوق الإنسان واحترام الحريات والقوانين.
 

وموضوع البيان ببساطة هو أن رئيس الإدارة يؤكد أن تقليد اختطاف العرائس الذى مازال موجودًا وسط شعوب إسلامية لا يمت للإسلام بصلة ولا علاقة له بالتعاليم والقواعد الإسلامية بل إن من شأنه أن ينشر الأحقاد والضغائن التى تؤدى إلى تداعيات ضد تعاليم وقواعد الإسلام ذاته.

والبيان كان يتصل بحادث جديد وقع فى إحدى المناطق فى كازاخستان حيث تتعدد حالات اختطاف البنات بهدف الزواج، وهو ما دفع أرتور لاستييف، مفوض حقوق الإنسان، فى كازاخستان للمطالبة بتعديل القانون الجنائى بما يجرم اختطاف الفتيات حتى وإن كان بهدف الزواج او حتى برضائهن.

والواقع أنه بمراجعة تاريخ موضوع اختطاف الفتيات سنجد أنه انتشر فى الكثير من الحضارات والشعوب والأزمنة، ومع ذلك يرتبط فى الوقت الراهن ببعض الشعوب التى تدين بالإسلام ولأسباب غير محددة ولا علاقة لها لا بالدين ولا حتى بحركة التاريخ الإسلامي، فاختطاف الفتيات ظهر وسط التتار وشعوب القوقاز وآسيا الوسطى قبل الإسلام بزمن طويل، كما يمكن أن نجده بصور مختلف عبر التاريخ سواء وسط السلاف أو الأنجلو ساكسونيين، وغيرهم وكان يتخذ عدة صور بما فى ذلك «حق الليلة الأولى» الذى كان بعض الحكام يمنحونه لأنفسهم عند كل ارتباط يحدث فى المنطقة التى تخضع لهم أو تقاليد أقرب إلى الجاهلية بأن يتخلل حفل الزواج مسابقات بما فى ذلك حق الليلة الأولى لمن ينجح فى اختطاف العروس.

◄ اقرأ أيضًا | «المشرق الإسلامي» بمكتبة الإسكندرية

ولكن المشكلة تتخذ طابعاً خاصاً جدًا فى بعض المناطق بما فى ذلك روسيا وكازاخستان وقيرجيزيا وأثيوبيا وبعض الدول، حتى أننا سنلاحظ أنه كانت هناك الكثير من المحاولات لتعديل القوانين بما يجرم هذه الممارسات حتى وإن كان الهدف منها هو الزواج وبناء الأسرة إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل بذريعة أنه توجد بالفعل قوانين تجرم الاختطاف بصفة عامة ولكن مع ملاحظة أن القوانين التى تجرم الاختطاف لا تطبق إلا عند تقدم الضحية أو المسئول عنها بشكوى ولكن فى حال اختطاف الفتيات غالباً لا تتقدم الضحية بشكوى حفاظاً على كرامتها وكرامة أسرتها.

وكما أشرنا فى البداية أن الموضوع فى آسيا الوسطى والقوقاز له طابع خاص حيث كان رئيس الإدارة الدينية لمسلمى روسيا قد أوضح أنه فى الكثير من الأحيان تتم عملية الاختطاف بناء على اتفاق مسبق بين الفتى والفتاة لإتمام الزواج الذى ربما تكون إحدى الأسرتين غير راضية عنه وعن طريق الاختطاف تجبر على الموافقة.

وهذا الرأى يتفق تماماً مع الدراسات الاجتماعية التى أكدت أن هناك أسباباً عديدة لموضوع الاختطاف وعلى رأسها ارتباط الفتاة والفتى بعلاقة عاطفية، وعدم رضاء إحدى الأسرتين وبذلك تجبر على الموافقة، والسبب الثانى هو التمسك بتقاليد بالية مثل تزويج الشقيقة الكبرى أولا وقد تكون الأصغر مرتبطة بالفعل وترغب فى الزواج بشكل عاجل لذلك تلجأ إلى هذه الحيلة، والسبب الثالث يكتسب الطابع الاقتصادى نوعاً ما وهو عدم قدرة الأسرة على تحمل تكاليف العرس والزواج لذلك تتفق مع العريس على اختطاف العروس حتى تبدو الأسرة مجبرة على إتمام الزواج بسرعة وتعفى نفسها من التكاليف الإضافية للاحتفال.

المثير هنا أن من يتتبع حركة استمرار وتطور هذا النوع من التقاليد سوف يكتشف أنه أثناء الاتحاد السوفيتى السابق كادت هذه التقاليد تنتهى ولكنها ظهرت مجددا بعد تفككه، ومع ذلك كانت هناك محاولات جادة لتقويضها والتخلص منها، حيث أعلن الرئيس الشيشانى رمضان قاديروف أنه لن يسمح بمثل هذه الممارسات مهما كان مبررها أو الهدف منها، بينما طالب نواب فى المجلس التشريعى فى إنجوشيتيا بتعديل القانون لتجريم اختطاف الفتيات بهدف الزواج مهما كانت الظروف إلا أن البرلمان الفيدرالى رفض إقرار التعديلات على اعتبار أن أحد أهم أركان تجريم الاختطاف هو أن يكون خارج إطار إرادة الضحية ولكن عندما يكون برضاء الضحية فهو لا يعتبر اختطافًا.

لا شك أن الأمر شأنه شأن كافة الظواهر الاجتماعية له جوانب اقتصادية ونفسية وترتبط إما بتدهور الأوضاع الاقتصادية أو تردى التطور الثقافى للمجتمع ولكن ينبغى أن نشير أيضاً إلى أنه مهما كانت دوافع الاختطاف إلا أن له جوانب غاية فى الخطورة تكمن فى أنه أثناء عملية الاختطاف قد تقع حوادث عشوائية تعرض سلامة وحياة أحد الأطراف للخطر، مثل غضب أحد أفراد أسرة العروس بالشكل الذى يدفعه للانتقام أو عدم تقبل الحالة خاصة وأحد أحد شروط الاختطاف للزواج هى بقاء العروس لدى المختطف ليلة كاملة سواء فى منزله أو لدى أسرته أو أى مكان آخر وهو ما سيجعل الآخرين يحجمون عن الارتباط بها.

وما قد يدل على خطورة هذه التقاليد أن عدد حالات الاختطاف سنويا في كازاخستان ربما تصل إلى الخمسة آلاف حالة رغم أن الوثائق والإحصائيات الرسمية تنفى وجود هذه الحالات من أساسه أما فى روسيا ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية لهذه الحالات إلا أن وسائل الإعلام تطالعنا من وقت إلى آخر بوقوع جرائم قتل على أساس الانتقام سواء بسبب اختطاف الفتيات أو حتى هروبهن للارتباط مع من يرغبن، فروسيا حالة قائمة بذاتها ذلك أنها دولة علمانية تتمتع بقدر كبير من الحريات بما فى ذلك حرية اختيار شريك أو رفيق الحياة وفى نفس الوقت بها مناطق مازالت تتمسك بعادات وتقاليد تحد من حرية الفتاة فى اختيار شريك حياتها أو حتى التواصل مع الجنس الآخر قبل الزواج الرسمي.

ومع ذلك أستطيع القول بأن الصورة فى روسيا أفضل بمراحل كثيرة جداً عنه فى مناطق أخرى فى آسيا الوسطى والقوقاز وأفريقيا ومناطق أخرى في العالم وذلك لأن الثقافة والتعليم والوعى على مستوى مرتفع وفى تطور دائم.