«أوبنهايمر» أعاده إلى الواجهة| ازدهار أدب القنبلة النووية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتب: حسن حافظ

اختراع القنبلة الذرية ثم استخدامها مرتين من قبل الولايات المتحدة ضد اليابان 6 و8 أغسطس 1945، دشن مرحلة جديدة من تاريخ البشرية، بعدما اتضح للجميع الآثار الكارثية لاستخدام السلاح النووى الذي قتل 220 ألف نسمة بعد استخدامه مرتين فقط، لينطلق الرعب النووى مع حصول الاتحاد السوفيتى وقتها على سر السلاح النووي، ويبدأ سباق تسلح مرعب مع الولايات المتحدة، فعاش العالم أيام الرعب، وتجلى كل هذا فى أدب القنبلة النووية، والذى انقسمت الكتابة تحته بين كتاب يحكون عن واقع استخدام السلاح النووى وتداعياته على الأرض، وكان لليابانيين قصب السبق فى هذا الفرع لأنهم تلقوا صدمة استخدام السلاح النووي للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ البشرية حتى يوم الناس هذا، فكان أن تحدثوا عن الأثر المدمر للسلاح النووى على البشر من خلال الاتكاء إلى قصص حقيقية لأسر عاشت تبعات ما بعد إلقاء القنبلة على هيروشيما وناجازاكي، أما الفرع الثانى من ذلك النوع الأدبى الحديث، فيتحدث عن تخيل مصير البشرية حال اندلاع حرب نووية، وهو أدب برع فيه الأمريكان بشكل أساسى وهو نوع أدبى يمزج بين أدبى الكوارث والخيال العلمي.

ولد أدب القنبلة النووية من رحم الكارثة، إذ كتب الروائي الياباني تاميكى هارا، أول أعماله فى عام 1946، أى بعد عام واحد من إلقاء القنبلة الأمريكية على اليابان، السر فى ذلك يعود إلى أن هارا كان من سكان مدينة هيروشيما، وفقد زوجته قبل نهاية الحرب العالمية بعام، ثم نجا من الضربة النووية بعدما فقد بقية أسرته، لذا انفجرت موهبته الأدبية تسجل الوقائع البشع لمن تعرض لقسوة مواجهة السلاح النووي، فنشرت أول أعماله بعد كتابتها بعام، وهى رواية (زهور الصيف) 1947، ثم نشر (من الأنقاض) بعدها بأشهر، و(مقدمة للإبادة) فى 1949، ونلتقى فى هذه الأعمال بشخص دمرته تجربة النجاة من القنبلة النووية، لذا لم يكن أدبه إلا رسالة تشاؤم وتنبؤ سوداوى بهلاك قريب للبشرية، لذا لم يكن غريبا أن ينتحر بعد كتابة آخر أعماله قصة قصيرة بعنوان (أرض رغبة القلب) 1951. 

في نفس تلك الأجواء، كانت يوكو آوتا وهى سيدة نجت من القصف النووى لهيروشيما، تكتب أدبا خاصا عن التجربة القاسية، ولم تكن فى ذلك بعيدة عن مسيرتها قبل الحرب، إذ كانت روائية ذات منتج يحظى بمتابعة واسعة قبل الرعب النووي، وقد نشرت قصة بعنوان (نور من الأعماق) بعد أيام من إلقاء القنابل النووية، وتحديدا فى 30 أغسطس 1945، لكن عملها الأساسى عن تجربتها وقت القصف النووي هو رواية (مدينة الجثث)، والتى عملت على إنهائها فى أسرع وقت بعدما تملكها هاجس الإصابة بالإشعاع النووي، لكن الرواية لم تنشر إلا سنة 1950، ثم واصلت بعد ذلك عدة نصوص أدبية منها رواية (نصف إنسان) والتى تحكى قصة كاتب يعانى من مرض نفسى بسبب تداعيات القصف النووى ويعيش فى رعب نشوب حرب عالمية نووية.

◄ اقرأ أيضًا | العالم يترقب طرح فيلم «أوبنهايمر» مجسدًا قصة «أبو القنبلة الذرية»

ويعد الروائى الياباني كنزابورو أوي، والحاصل على جائزة نوبل للآداب 1994، أحد أكبر المواهب فى أدب القنبلة النووية، والذى عاش تجربة القصف النووى وهو فى العاشرة من عمره، لذا كتب العديد من الروايات التى تخلد هذه اللحظة الصعبة وغير المسبوقة فى تاريخ البشرية فى سلسلة من الروايات بداية من (اقتلعوا البراعم اقتلوا الأولاد)، و(الموت غرقا)، و(الصرخة الصامتة)، ثم كلل كل هذا بتوثيق روايات الناجين من الكارثة فى (مذكرات هيروشيما) 1965.

وانتقل الاهتمام بأدب القنبلة النووية عبر المحيط الهادى إلى الولايات المتحدة، التى شهدت عدة كتابات روائية وتوثيقية تدور حول المسئولية الأخلاقية للأمريكان بسبب إلقاء القنبلتين النوويتين على اليابان، كما نجد عند الكاتب الأمريكى تشارلز بلغرينو، (القطار الأخير من هيروشيما)، والذى اعتمد على شهادات حقيقية لعدد من الناجين من كارثة هيروشيما، بما فى ذلك شهادة شخص تعرض للقصف على مدينة هيروشيما، ثم فر إلى مدينة ناجازاكى حيث تلقى صدمة إلقاء القنبلة النووية للمرة الثانية، ليكون الشخص الوحيد الذى نجا من القنبلتين، وقدم بلغرينو فى نصه الروائى المبنى على تحليل عميق للشهادات الموثقة رواية تتحدى الروايات الأمريكية الرسمية عن القصف النووي، وقدم صياغة أخلاقية تدين الاستخدام الأمريكى للسلاح النووى بشكل حاسم.

وسيطر على الأمريكان هاجس التخلص من التبعات الأخلاقية لإلقاء القنابل النووية وبدء أكبر سباق تسلح يهدد الكوكب بالهلاك، عبر روايات عدة تدين الاستخدام النووى وتحذر منه، لكن أزمة خليج الخنازير فى كوبا العام 1962، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والتى كادت أن تتسبب فى حرب نووية عالمية لا تبقى ولا تذر، حولت الأدب الأمريكى لتناول أعمال تتحدث عن نهاية العالم بسبب حرب نووية عالمية، وتأثيراتها المدمرة، مثلما هو الحال فى رواية (المد الهائل) 1970، للروائى الأمريكى ألكسندر كي، والذى يحكى قصة عن العالم ما بعد الحرب العالمية الثالثة النووية والتي أدت إلى قلب محور الكرة الأرضية وإغراق القارات الخمس فى المحيط، ولم يتبق إلا جزر صغيرة يعيش عليها عدد محدود من البشر فى ظروف تعود بهم إلى ما يشبه الحياة البدائية، أما رواية (الطريق) 2006، للكاتب الأمريكى كورماك مكارثي، فتدور حول قصة أب وابنه يواجهان عالم ما بعد الكارثة النووية.

وانتقل هذا الأدب إلى مصر إذ نجد عدة روايات حديثة تتحدث عن نهاية العالم بسبب كارثة نووية، مثل رواية (ملاذ: مدينة البعث) 2017، لأحمد صلاح المهدي، إذ تدور الرواية فى أجواء ما بعد كارثة حرب نووية بسبب الصراع على النفط والموارد بين الدول العظمى، والتى أدت إلى تغيير المناخ للكوكب كله بشكل جذرى، وقد كرر تجربة الحديث عن الحرب النووية فى روايته التالية (الشتاء الأسود) 2018، والتى تبدأ بعد حرب نووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وتركز على قصة زياد وشقيقته فريدة ومحاولتهما الحياة فى عالم يوشك على نهايته. 

يعيش العالم فى رعب من السلاح النووى الذى اخترعه أوبنهايمر وفريقه العلمى فى الولايات المتحدة، ما قاد إلى سلاح تسلح سريع ومرعب، إذ يتواجد الآن آلاف القنابل النووية والهيدروجينية القادرة على نسف كل مظاهر الحياة على وجه الأرض، تعيش البشرية مع احتمال اندلاع حرب نووية وتتعايش مع هذا الكابوس، وعبر الأدب عن الاحتمالات الكارثية لاستخدام هذا السلاح لعل الرسالة تصل إلى صناع السياسة وتجبرهم فى يوم من الأيام على الوصول إلى حلم البشرية الأثير بتحقيق السلام العالمي كما حلم يوما الفيلسوف الألمانى الكبير إيمانويل كانط.