يوميات الأخبار

فوضى المناخ.. تضرب العالم

محمد بركات
محمد بركات

للأسف.. كل التوقعات والدراسات العلمية تؤكد الخطر الجسيم الذى يهدد الأرض وسكانها، فى ظل فوضى المناخ السائدة فى العالم الآن.

وسط دوامات اللهب اللافح وموجات الحر شديدة القسوة ونسب الرطوبة الخانقة، يعيش العالم الآن أياما قاسية بعد أن سقط فريسة للمتغيرات المناخية شديدة الوطأة، التى خرجت عن نطاق السيطرة بفعل فاعل وانفلت عيارها وراحت تضرب فى كل مكان وتهدد بنشر الدمار فى كل بقاع الأرض فى فوضى مناخية عارمة لم يسبق لها مثيل.

ونخطئ كثيرا إذا لم ننتبه بكل الجدية إلى الخطر المتربص بنا وبكل البشر، المتواجدين على أى مكان من سطح كوكبنا البائس، المسمى الأرض، الذى نعيش عليه رغم أنه أوشك أن يفقد صلاحيته للحياة البشرية، إن لم يكن قد فقدها بالفعل، تحت وقع المتغيرات المناخية الحادة التى تجتاح الكوكب كله حاليا.

وأحسب أن مجال الخطأ لم يعد متاحا ونحن نرى الحرائق تشتعل فى كل غابات العالم فى كندا واليونان وإيطاليا وفرنسا والجزائر وتونس والبرازيل وأمريكا الشمالية والجنوبية،..، كما أن مساحة الخطأ أصبحت ضيقة ونحن نرى الفيضانات الطافحة تغرق الصين والهند والفلبين، والعواصف والأعاصير تكتسح دولاً وأماكن عديدة فى شمال وجنوب وشرق وغرب كرتنا الأرضية المسكينة والبائسة.

ولكننى أحسب فى ذات الوقت أن من المهم لنا ولكل إنسان على كوكبنا الذى نعيش عليه، وهو الأرض، أن يعرف ويدرك باليقين، أن عدم الصلاحية الذى أصبح الكوكب عليها أو مهددا بأن يكون عليها، تعود فى أساسها إلى الكم الهائل من الملوثات والسموم التى ضخها ويضخها البشر، فى كل يوم بل فى كل ساعة على هذا الكوكب المنكوب بسلوكيات وأفعال سكانه المعوجة أو غالبيتهم على الأقل.

تنبيه وتحذير

وقد يكون من اللازم أن أشير إلى أننى لا أهدف من ذكر ذلك، إلى إثارة الفزع وبث الرعب فى نفوس القراء،..، بل هدفى هو التنبيه والتحذير ودق فاقوس الخطر، والإشارة الواضحة إلى أهمية وضرورة الالتفات بجدية إلى ما تقول به التوقعات والأبحاث العلمية المستمدة من الحقائق على أرض الواقع، التى هى للأسف لا تبعث على الإطمئنان ولا تساعد على تهدئة الخواطر أو راحة البال،..، بل على العكس هى فى أغلبها، إن لم يكن جميعها تبعث على القلق الشديد، وليس مجرد القلق البسيط أو العادى.

وفى ذلك تجدر الإشارة إلى توقعات العلماء الخاصة بمستقبل الأرض، فى ظل الفوضى العارمة والمتغيرات الجسيمة والحادة فى المناخ التى طرأت مؤخرا، والتى تؤكد وجود هذا الخطر، ووجود شواهد عديدة ودلائل كثيرة تؤكده، يأتى فى مقدمتها ذلك التعثر الحاد والانقلاب اللافت والمروع فى الطقس فى منطقتنا والعالم، وهو ما يظهر جليا فى الموجات شديدة الحرارة التى تتسلط علينا وتحيط بالعالم كله الآن،..، ومن قبلها الموجات شديدة البرودة التى هاجمتنا على غير المألوف فى الشتاء الماضى.

وفى ذات السياق كانت هناك متغيرات جسيمة طرأت على المناخ والطقس فى منطقتنا وبقية العالم، سواء بالنسبة للأمطار والفيضانات والحرائق والاحترار والتصحر وغيرها، مما فسره العلماء والخبراء بتغير جسيم وحاد أصاب المناخ فى الكرة الأرضية عموما، وأكدوا وجود خطر جسيم يحيط بعموم وجموع البشر سكان الكرة الأرضية نتيجة ذلك.

الخطر الأكبر

وما يجب أن يشد انتباهنا بقوة فيما يقوله العلماء، هو أن الخطر الأكبر والأعظم ينصب على منطقة الشمال الإفريقى، وقارة إفريقيا فى عمومها والشرق الأوسط، ومنطقة حوض البحر المتوسط، وأن القضية الأخطر ليست فقط ارتفاع درجات الحرارة، بل إن هناك ما هو أكثرخطرا، وهو الارتفاع المتوقع لمنسوب المياه فى البحار والمحيطات، وهو ما يهدد مناطق عديدة بالغرق ومنها للأسف منطقة الشمال الإفريقى والشرق الأوسط.

وفى هذا السياق نتذكر التحذير الذى أطلقه رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «يوريس جونسون» خلال مؤتمر «جلاسجو» لقمة المناخ، والذى ذكر فيه توقع العلماء والباحثين فى قضية المناخ، بأن ارتفاع مستوى المياه فى المحيطات والبحار سيهدد بغرق مدينة «ميامى» الأمريكية، «شنغهاى» الصينية ومدينة «الإسكندرية» المصرية، إذا ما استمرت درجة حرارة الأرض فى الارتفاع والزيادة متجاوزة أربع درجات «٤» درجات، وذلك نظرا لانخفاض الأرض فى هذه المناطق مما يجعلها عرضة للتهديد بالغرق إذا ما ارتفع منسوب المياه فى البحر.

رؤية العلماء

وفى إطار الرؤية العلمية وما تقول به الدراسات التى خرجت إلى الضوء مؤخرا فى هذا المجال، تجدر الإشارة إلى ما وصلت إليه دراسات العلماء وخبراء المناخ والبيئة والمتغيرات الجوية والتصحر، وأيضا علماء الزراعة والرى والمياه، ورؤيتهم لهذه المتغيرات المناخية التى طرأت على الكرة الأرضية فى السنوات الأخيرة، وما صاحبها من تأثير جسيم على الأمطار والتصحر والحرارة والبرودة والمياه والبحار والبشر أيضا.

ومن اللافت أن على رأس هذه التأثيرات ظاهرة التصحر، وندرة أو شح الأمطار وامتناعها عن السقوط فى أماكن كثيرة كانت تسقط بها من قبل، مما أدى إلى دخول هذه المناطق، فى حزام التصحر، وخاصة فى إفريقيا شمالا وجنوبا ووسطاً.

وهنا لابد من التركيز على رؤية العلماء بأن الأسباب وراء هذه الظاهرة الخطرة، تعود أساسا إلى التلوث والاحتباس الحرارى التى أصابت الأرض خلال السنوات الماضية،..، ويؤكد العلماء أن ذلك قد أدى بالفعل، إلى ما تم رصده من ارتفاع وزيادة ملحوظة، فى ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة فى القطبين الجنوبى والشمالى، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبى فى منسوب المياه فى المحيطات والبحار.

ويرى العلماء أن ذلك يهدد بكارثة عالمية، نظرا لما يعنيه ذلك من غرق مساحات هائلة من الأرض، واختفاء أجزاء عديدة من دول كثيرة، وقد تصل إلى إختفاء دول بأكملها تحت سطح المياه فى المحيطات والبحار.

ويقول العلماء إن هذا الخطر أو الغرق أصبح واقعا وقائما بالفعل على أرض الواقع، وأنه أصبح بالفعل يهدد مناطق عديدة بالعالم، وطبقا للدراسات الصادرة عن وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ومركز «ويلسون» للدراسات بواشنطن، فإن أكثر المناطق المهددة بالغرق ستكون فى الشمال الإفريقى والشرق الأوسط، ومن بينها الدلتا المصرية، إذا لم تتم مواجهة فاعلة وحاسمة لهذا الخطر.

من المسئول؟!

وفى ظل هذا الخطر الذى أصبح متوقعا خلال السنوات القادمة، إذا لم تتم وقف الممارسات المعوجة للبشر، واستمرت درجة التلوث البيئى والاحتباسى الحرارى على ما هى عليه الآن من الزيادة والارتفاع السنوى بل اليومى،..، وفى هذه الحالة فإن الوضع سيكون بالغ الخطر بالنسبة للعالم على وجه العموم، وبالنسبة إلينا فى منطقة الشمال الإفريقى وحوض البحر المتوسط والشرق الأوسط على وجه الخصوص،..، وهو ما لا يجب السكوت عليه والانتظار حتى يقع.

وفى هذا لا يمكننا أن نتجاهل على الإطلاق، أو نغض الطرف بأى حال من الأحوال عن الحقيقة المؤكدة، التى يعلمها القاصى والدانى من سكان هذا الكوكب البائس، الذى هو الأرض التى نحيا عليها، والتى تقول بل يجزم بمسئولية الدول الصناعية الكبرى، عن المأساة التى تعيشها الأرض الآن، من تلوث يكاد يفتك بها ويدمرها تدميرا،..، وذلك نتيجة ما قامت به هذه الدول ومازالت تقوم به، من استخدام كثيف ودائم لحرق الفحم والبترول والمواد الكربونية الملوثة والمدمرة للبيئة طوال العقود الماضية بل فيما يزيد عن قرنين من الزمان.

وعلى رأس هذه الدول بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والدول الأوروبية عموما والدول الاسكندنافية وروسيا واليابان وأضيفت لها الصين والهند والبرازيل وأستراليا،..، وهذه الدول تمثل بالفعل الوزر الأكبر والعامل والسبب الأكبر فى تلويث البيئة فى كوكب الأرض كله.

وهذه الدول يدخل فى إطارها أيضا مجموعة العشرين ذات الصناعات المتقدمة،..، ولذلك فإن الموضوعية والعقل والمنطق ومن قبلها وبعدها العدالة، تفرض على هذه الدول مسئولية محاولة علاج أو إصلاح ما أفسدته طوال العقود الماضية.

وهذه المسئولية يجب بالفعل أن تتحملها هذه الدول الكبرى والغنية، التى مازالت حتى الآن تقوم بإحراق تريليونات الأطنان من الفحم والمحروقات الكربونية، وتضخ نسبة هائلة من الغازات الملوثة والسامة فى البيئة وأجواء الكوكب البائس، وهوما أدى ويؤدى إلى زيادة الاحتباس الحرارى وتلوث المناخ، ورفع درجة حرارة الأرض وزيادة ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة فى القطبين الشمالى والجنوبى، وارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات.

مائة مليار!!

وفى هذا الإطار، كان ومايزال من المفترض، بل من الواجب، أن تسارع هذه الدول الكبرى بتحمل مسئولياتها، والمسارعة لاتخاذ الإجراءات الواجب اتخاذها علميا وماديا، لإصلاح وعلاج ما أصاب كوكب الأرض من أضرار فادحة نتيجة ما قامت به من أفعال وأعمال وأنشطة مدمرة للبيئة وملوثة للمناخ طوال السنوات والعقود الماضية،..، ولكنها للأسف لم تقم بذلك ولم تبادر به.

وهنا يجب أن نشير بوضوح إلى تقاعس هذه الدول عن القيام بمسئولياتها وعدم الوفاء بما تعهدت به من وعود خلال قمم المناخ المتعددة التى طالبتها بالمساهمة الفاعلة فى مواجهة أخطار تغير المناخ ومساعدة الدول الفقيرة والنامية لمواجهة هذه الأخطار.. ولكنها للأسف لم تقم بذلك.

ولعل أهم ما كانت قد تعهدت به هو رصد «مائة مليار دولار» لمساعدة الدول النامية والإفريقية على وجه الخصوص لمواجهة الأخطار الناجمة عن المتغيرات المناخية، وهو ما لم يتم تنفيذه بالجدية الواجبة حتى الآن.