«ركعة من الصلاة الأولى» قصيدة للشاعر إيهاب عبد السلام

إيهاب عبد السلام
إيهاب عبد السلام


لأمِّ القُرَى بينَ البلاد جلالُها

تُمَدُّ لأبوابِ السَّماءِ حبالُها

 

وقفتُ بأفواهِ الشِّعَابِ لعلَّنِي

إذَا غابَ حِسِّي يستبينُ مقالُها

 

أُبَدِّلُ ثَوْبَ الصَّيفِ منْ رِحلَةِ الشِّتَا

وَقَافِلَتِي لم يستَهِلَّ هِلَالُهَا

 

عَلَى تَلَّةٍ في الرُّوحِ قُمتُ لَعَلَّهُ

تَلُوحُ مِنَ الدَّربِ البعيدِ جِمَالُهَا

 

وأضْرِبُ أخماسًا بأسدَاسِ غُربتِي

أسَائل نفسِي هلْ تبدَّلَ حالُها؟

 

أهُزُّ جبالَ الخوفِ في ليلِ وِحْدَتِي

فَتَنْمُو بِهَامَاتِ السّيُوفِ نِصَالُها

 

وأمْسَحُ عَنْ خَدِّ الشِّعَابِ دُمُوعَهَا

فيخضَرُّ من ضَوءِ الجِبِينِ نِضَالُهَا

 

تضمُّ معينَ الخير بينَ ترابها

فتزهُو على مَرِّ العصورِ جِبَالُها

 

إذا قيلَ(أمُّ المؤمنين) ولم نَزِدْ

تداعَى إلى ذهن الزمانِ كَمَالُها

 

ولو ألَّفَ الإنسانُ للفَضلِ مَرجِعًا

فإنَّ عناوينَ الفصولِ خِصَالُها

 

تسُدُّ الفضاءَ الرَّحبَ طيرُ محبَّتِي

فكيفَ بطيَّاتِ الكَلَامِ اختزَالُهَا؟

 

لَئِنْ قَصُرَ التَّعبيرُ عن وصفِ فضلهَا

متى أوفتِ الأفضالَ أمًّا عيالُها؟

 

ألبيكَ يا قلبي وأعرِفُ أنَّنِي

بِكَفِّي مِن الآيِ الحِسَانِ قلالُهَا

 

وَخيرُ شفاعاتِ المحبَّةِ صدقُها

ولو تصدُق الصحراءُ يصدُقُ آلُهَا

 

رأتْ أصْلَ ضَوءٍ في ظَلامٍ أحَاطَهُ

بصيرَةُ قلبٍ ليسَ يخفَى حلَالُهَا

 

فمدَّتْ إليهِ الكفَّ مِن بينِ مَكَّةٍ

تُبَارِكُهَا وِديانُهَا وَتِلَالُهَا

 

رأتْ صِدْقَ فعَّالٍ لكلٍّ كريمةٍ

ووصَّالَ أرحَامٍ يُبَلُّ بلَالُها

 

تلقَّتْ ضياءَ اللهِ والكلُّ غافلٌ

فما حادَ عن هذا الضياءِ جَمالُها

 

كأنَّ مسارَ النور كان مُوَجَّهًا

إلى بيتِ تلكَ اليَسْتَحيلُ ضلالُها

 

فكلُّ عسيرٍ يَسَّرته برأفةٍ

وكلُّ هَجيرٍ برَّدَتهُ ظِلَالُهَا

 

تُزِمِّلُ بالتحنانِ قلبًا مُفَزَّعًا

ألَمَّ بحالٍ ليس يُدْرَى مَآلُهَا

 

تكلَّف بالإشراقِ في أرضِ ظلمةٍ

تموجُ بها العشواءُ فُكَّ عِقَالُهَا

 

ومن بينِ قومٍ لا تزالُ قلوبُهم

تصافحُ في الشَّرِّ اليمينَ شمَالُها

 

تعوَّدَ أن يأوي إلَى الغَارِ قَلْبُهُ

فما أرهقَ الهادي البشيرَ سُؤَالُهَا

 

تُعِدُّ لهُ زادَ التنسُّكِ خَاليًا

وإن أوحَشَتْهَا في اللَّيَالِي طِوَالُهَا

 

إذا اتصلَتْ نفسٌ بأنوَارِ ربِّهَا

يصيرُ من الإمكان توًّا محالُهَا

 

وَمَنْ يجْعَل الدُّنْيَا ارتِقَاءً وسُلَّمًا

إذَا طَلَبَ العَنْقَاءَ هَوْنًا ينالُهَا

 

وَقَدْ يَبْدَأُ الإنسانُ عهدَ محبَّةٍ

ويصبحُ من بعدِ الرحيلِ اكتِمَالُها

 

أماطَتْ لِثَامَ الدينِ عنْ وَجْهِ مكَّةٍ

فَغَضَّ لديهَا الطَّرْفَ فيهَا رِجالُهَا

 

لَهَا في قلوبِ المؤمنينَ مكانةٌ

يظلُّ على مرِّ الزَّمَانِ اتصالُهَا