قلب وقلم

مبدأ الأستاذ عمر!

عبد الهادى عباس
عبد الهادى عباس

فى هذه الأيام يُقابل الإنسان صنفين من الناس: مُكفهرّ الوجه شكّاء يُصوّر لك الدنيا كأنما هى خراب فى خراب، يحشد ألفاظ الفساد والواسطة والضلال وانعدام الأخلاق وقلة الدّين، وكأننا حيوانات فى غابة تحتلها الكواسر والسباع، دون حتى أن يذكر سببًا عقليًّا واحدًا لاعتراضه وامتعاضه؛ بل ولا مانع أن تعرف بعد حين أن هذا الشكّاء الذى لا يُعجبه العجب، وعيشته معدن، كما يقول أهلنا فى الريف!

أما الصنف الثانى فيحمد الله قانعًا بعطائه، باذلًا أقصى جهده لتحسين حاله إلى الأفضل، عارفًا حقوق وطنه عليه وفى أى مرحلةٍ هو، مُدركًا واجباته الاجتماعية التى تفرضها عليه نشأته الدينية وأخلاقه التربوية؛ وإذا انتقد قرارًا لمسئول فإنما ينتقده انتقاد الباحث عن الأفضل لوطنه، انتقادًا بنّاء يُدرك ملابسات القرار وأسبابه دونما تهويل أو تبسيط.

والأستاذ عُمر عبد الله، أحد هؤلاء الصنف الثانى الذين يرتكن إليهم الوطن ويأنس بوجودهم فى طوايا خلجاته ومراحل حياته؛ لأنهم ضميره الحقيقى ووجهه الصبيح الذى يفيض بِشرًا واستبشارًا حتى فى أصعب لحظاته تحديًا. الأستاذ عُمر يعرفه أهل قرية كفر دنشواى بالمنوفية بأنه أحد رجال التربية والتعليم الذين أفنوا أعمارهم فى خدمة التلاميذ، ليس مجرد تدريس منهج تعليمى بقدر ما يحمل رسالة تربوية فرضها على نفسها وعلى أبنائه قبل أن تفرضها عليه قوانين الوزارة وأخلاق المهنة؛ وكذلك تعرفه شواطئ فرع رشيد «البحر» بامتداده فى المحافظة، إذ أصبح الصيد مهارة ومهنة مُلازمة منذ الطفولة، فصداقة الماء أقرب إلى صفحة قلبه النقية، فتراه كأنه يُخاطب الأسماك وتُخاطبه، يسحرها بعينيه من خلف زجاج نظارته السميكة، ويعرف «غمزة» كل سمكة؛ فإذا بالأسماك تُعلّمه الصبر والرزانة لاجتلاب الرزق، وإذا هو ينقل ما يتعلمه إلى طلابه قدوةً فى الحب والعطاء وتربية الأجيال، فتبقى الأخلاق «الحُسينية» مزروعة فى أرض المحروسة تحفظها من غائلة الغلو وأوهام التدين الكاذب.