تحسن فى الاقتصاد وغياب تام للمعارضة..تونس.. حصاد عامين من مشروع الرئيس قيس سعيد

الرئيس التونسى يشهد توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى
الرئيس التونسى يشهد توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى

لعل مرور عامين على إطلاق مشروع الرئيس التونسى قيس سعيد للتصحيح وإصداره قرارات الخامس والعشرين من يوليو ٢٠٢١ كافية للحكم على مسار ذلك التوجه فى ضوء ما تحقق من إنجازات وكذلك التحديات التى مازالت تواجهه حتى الآن على كل الأصعدة سواء اقتصاديا أو فى صياغة علاقة الحكومة مع المعارضة وكذلك تشكيلة الخريطة السياسية الأخيرة وعلاقات تونس مع الخارج خاصة مع أوربا. 


حقيقة الأمر أن بالعامين الماضيين شهدت تونس العديد من المحطات المهمة على طريق التغيير الذى بدأه الرئيس التونسى بعد إصداره  عددا من القرارات نصت على  تجميد البرلمان ورفع الحصانة الدستورية عن أعضائه وعزل رئيس الوزراء هشام المشيشى الذى كان قد قدم استقالته وتولى الرئيس  مسئولية السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية من خلال رئاسة النيابة العامة اعتمادا على المادة ٨٠ من دستور ٢٠١٤ والتى تسمح للرئيس باتخاذ كل الإجراءات فى الحالة الاستثنائية، القرارات - وفقا للمراقبين- نالت تأييدا واسعا من أوساط الشعب التونسي، وساهمت فى ارتفاع ملحوظ فى شعبيته، خاصة أنها استهدفت كل الأحزاب والتيارات التى تصدرت المشهد  خلال العشرية الماضية وفى القلب منها حركة النهضة، والتى شهدت تأزما سياسيا، وصراعا بين السلطات وحالة عدم استقرار سياسى وتراجع اقتصادى.  

 

اقرأ ايضاً| تأهب فى الصين بسبب «دوكسورى».. وانحسار الحرائق فى اليونان

ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى أعلن خريطة طريق بمواعيد محددة مرتبطة بمناسبات وطنية تتضمن مشروعا لتونس جديدة استفادت من تجربة السنوات الماضية حيث قدم الرئيس رؤية خاصة للإصلاحات السياسية تم عرضها على الشعب عبر الاستشارات الالكترونية خلال مارس من العام  قبل الماضى حيث كشفت عن توجه نسبة كبيرة وصلت إلى أكثر من ٨٤ بالمائة من التونسيين سعوا إلى التحول إلى نظام رئاسى وتعزيز سلطة الرئيس وكانت المحطة الثانية الخاصة بإجراء حوار وطنى فى يونيو من العام قبل الماضى وكانت المرحلة الثالثة من الأهمية بمكان حيث بالتوازى كان هناك لجنة تم تشكيلها لوضع دستور جديد للبلاد أنهت أعمالها وجرى الاستفتاء على المشروع الجديد فى يوليو من العام الماضى وكانت النتائج كبيرة حيث وافق على مشروع الدستور حوالى ٩٤ بالمائة اى حوالى ٢،٦ مليون تونسى بينما رفضه ١٤٦ ألفا فقط بنسبة اقل من ٦ بالمائة وكانت المحطة الرابعة هى الانتخابات البرلمانية التى جرت على مرحلتين وبعدها بدأ المجلس النيابى عمله فى مارس الماضى بعد أن استمر إغلاقه حوالى عشرين شهرا ونتوقف عند بعض ملامح المشهد التونسى خلال العامين الماضيين وهى كالتالي: 


مؤشرات إيجابية 
على الصعيد الاقتصادي: قد لا يختلف الاقتصاد التونسى عن مثيله فى العديد من دول العالم نتيجة تبعات أزمة كورونا وبعدها نتائج حرب أوكرانيا فهناك نقص فى عدد من المواد الأساسية خاصة تلك المدعومة وارتفاع نسبة التضخم مما أدى إلى غلاء للأسعار فتونس مثل معظم دول العالم تعانى من ارتفاع اسعار الغذاء عالميا وخصوصا القمح كما تعانى من ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب ولكن رغم كل ذلك فان كافة المؤشرات تكفى للإشارة إلى وجود تحسن فى الاقتصاد التونسى وفقا لأرقام والمؤشرات المعلنة عن نصف العام الحالى ومنها ارتفاع حصيلة تونس من العملات الصعبة بأكثر من سبعة مليار دولار رغم عدم حصول تونس على أى قروض خارجية فى الآونة الأخيرة نتيجة تعسر الاتفاق مع صندوق النقد الدولى كما تقلص العجز التجارى بنسبة ١٢ بالمائة نتيجة ارتفاع الصادرات من الفوسفات وزيت الزيتون والمنتجات الصناعية مع تراجع واردت الطاقة والغذاء تراجعا طفيفا كما عادت تونس إلى الخريطة العالمية لمنتجى ومصدرى الفوسفات وهى التى تملك رابع احتياطى فى العالم كما تكشف الأرقام عن  ارتفاع الصادرات الصناعية بأكثر من ١٥ بالمائة عن الفترة ذاتها من العام الماضى وارتفاع صادرات زيت الزيتون بأكثر من ٩ بالمائة حيث تصدر أكثر من ٨٥ بالمائة من الإنتاج وارتفع دخل السياحة إلى حوالى النصف .


وارتفاع قيمة تحويلات التونسيين فى الخارج بنسبة اكثر من خمسة بالمائة ومع ذلك فإن هناك أكثر من مسار لتحسين الأوضاع الاقتصادية بصورة أفضل ومن ذلك السير باتجاه شراكات دولية تتيح تمويلات ودعما خاصة من أوربا والعالم العربى على المستوى الاوربى تم التوقيع منذ ايام  فى قصر قرطاج على اتفاق يتضمن البدء فى  شراكة استراتيجية وشاملة بين الاتحاد وتونس وتتضمن  تعهدات بتقديم حوالى مليار ومائة مليون يورو على شكل استثمارات ومساعدات مالية وقروض مقابل التعاون فى مجال الحد من الهجرة غير الشرعية هذا الاتفاق تم بجهود رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلونى والتى زارت تونس ثلاث مرات خلال الفترة القليلة السابقة وهو يمثل استثمارا صحيحا لجغرافيا تونس وموقعها المهم لأوربا فهى بوابة الدخول إليها وتشرف على مضيق صقلية الذى تمر منه أهم حركات الملاحة الدولية كما أن المسافة بين الضفة التونسية والإيطالية لا تتجاوز أربع ساعات بحرا.  


ومع أن هذا الاتفاق مرهون بالتوصل إلى اتفاق مماثل مع صندوق النقد الدولى فقد تم الاتفاق على الإعداد لمشروع خطة جديدة لصندوق النقد الدولى للحصول على قرض حوالى مليار و٩٠٠ مليون دولار وهناك دعم أوربى وخليجى للتوصل إلى مشروع اتفاق جديد يتفادى الإجراءات القاسية التى يطلبها الصندوق منها خفض الدعم وقيمة العملة وتقليل أعداد الموظفين الحكوميين حيث يشير الصندوق فى تقرير أخير له إلى أن فاتورة أجور الدولة تمثل ١٨ بالمائة من الناتج المحلى وهو وفقا للصندوق من بين اعلى المعدلات فى العالم كما ان نسبة الدعم الحكومى تصل الى ٨ بالمائة وكان واضحا رغبة تونس فى الحصول على دعم خليجى من خلال ما قاله وزير الخارجية التونسى نبيل عمار أثناء استقبال الشيخ محمد بن زايد له مؤخرا ان بلاده تواجه تحديات مركبة ويجب دعم الاقتصاد التونسى لمواصلة المسار التصحيحى الذى يقوده الرئيس التونسى قيس سعيد وتراهن تونس ليس فقط على دعم خليجى للاقتصاد التونسى ولكن أيضا استثمار علاقاته الخارجية مع مركز صنع القرار الدولى كما أن هناك اتجاها لتوقيع اتفاق على قرض سعودى لدعم الموازنة العامة للدولة بقيمة ٤٠٠ مليون دولار بالإضافة إلى الاتفاق الذى تم مع إيطاليا للربط الكهربائى بين تونس وأوربا.


مأزق المعارضة 
ثانيا:على صعيد العلاقة بين الحكومة والمعارضة  شهد العامان السابقان غياب أى تواصل بين الطرفين خاصة بعد المأزق الذى تعيشه المعارضة خلال تلك الفترة نتيجة حالة الانكشاف التى تعيشها حيث تفتقد قواعد شعبية حقيقة قادرة على الحركة فى الشارع واكتفت بإصدار البيانات أو القيام بمظاهرات محدودة فى بعض المناسبات القليلة خاصة أن الشارع يحملها نصيبا كبيرا من مسئولية الوضع الحاصل فى تونس بعد أن كانت فى سدة الحكم طوال اكثر من عشر سنوات فالاعتقاد عام لدى التونسيين يشير إلى أن دولة ما بعد ٢٠١١ خلقت أزمات دون أن تحل المشاكل حيث غابت أى رؤى لنهضة اقتصادية او اجتماعية تجاه التعليم والصحة والقطاعات الأخرى وكان من الطبيعى ان تتعرض بعض الأحزاب والتيارات إلى حالة من التهميش والانقسام وفى مقدمتها حركة النهضة والتى تم اعتقال زعيمها  راشد الغنوشى فى ابريل الماضى على خلفية الاشتباه فى قضايا لها صلة بالإرهاب وإغلاق مقره المركزى فى العاصمة وفى أنحاء البلاد وأصبحت تواجه داخل القيادة حيث قام بعضهم بتأسيس حزب العمل والإنجاز كما شارك بعضها فى تأسيس جبهة الخلاص الوطنى برئاسة احمد نجيب الشابى وهو من اقطاب اليسار المعار وهو ائتلاف يضم أحزابا وقوى المعارضة مع خفوت دور الحزب الدستورى ورئيسته عبير موسى رغم أنها أيدت فى البداية قرارات ٢٥ يوليو ٢٠٢١  والجديد فى الأمر ان هناك توجها فى البرلمان لتوقيع النواب على مذكرة لتصنيف حركة النهضة كجماعة إرهابية والمطالبة بحلها على خلفية شبهات تمويلات اجنبية وارتباطات خارجية وتورطها فى عمليات اغتيال سياسية وهى افعال يجرمها القانون وهناك آمال عريضة حول المبادرة التى أعدها اتحاد الشغل وجمعية المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لإطلاق حوار فى مايو الماضى والتى تم تغيير اسمها من مبادرة للإنقاذ الوطنى الى مبادرة تونس المستقبل والتى مازالت فى مرحلة البلورة ووضع مضامينها لتقديم الى رئاسة الجمهورية وسبق لها ان نجحت فى  تبنى مبادرة حوار وطنى فى عام ٢٠١٤ نجح فى تجاوز تونس الأزمة وحصل منها على جائزة نوبل للسلام  وبعد فإن تونس مازالت فى انتظار العديد من التطورات على الصعيد الداخلى فى انتظار تحديد موعد انتخابات المجالس المحلية والأهم هو انتخابات الرئاسة فى العام القادم.