حوار نادر|.. بمناسبة 125 لميلاده.. يوسف وهبي على كرسي الاعتراف!

الفنان الراحل يوسف وهبي
الفنان الراحل يوسف وهبي

■ قراءة: أحمد الجمَّال

في الذكرى الـ125 لميلاد عملاق المسرح العربي يوسف وهبي فى 14 يوليو 1898، نعيد نشر هذا الحوار النادر الذي أجرته معه «آخرساعة» عام 1970 بمناسبة حصوله وقتذاك على جائزة الدولة التقديرية، فماذا قال أحد أبرز الرواد الأوائل فى مجالي السينما والمسرح بمصر والوطن العربي، بعد أن جلس على كرسي الاعتراف وتحدث للكاتبة الكبيرة الراحلة إيريس نظمى؟.. التفاصيل باختزال وتصرف محدود فى السطور التالية:

إن جائزة الدولة التقديرية التى تقرر منحها للفنان الكبير يوسف وهبى، هى تقدير لكفاح أكثر من خمسين عامًا مليئة بالأحداث.. بالمفاجآت والصعوبات.. وبالنجاح الضخم.. خمسين عاما من التفانى فى حب الفن وبعد كل هذه السنوات لم يتغير شيء فى يوسف وهبى.. حماسه مازال كما هو.. إيمانه بنفسه وبفرقة رمسيس لم يتغير.. مازال يتحرك ويتنقل بين البلاد العربية ليقدم عروض فرقة رمسيس القديمة.. بنفس النشاط والحماس.. إنه فنان لا يعترف بالفشل ولا بالشيخوخة.

ومازال يجلس أمام نفس المكتب الذى شهد أروع أيام حياته.. نفس المكتب الذى يطل على شارع عماد الدين بكل ذكرياته الرائعة القديمة.. يطل على مسارح عماد الدين.. مسرح الريحانى.. ومسرح كوزموبوليتان.. أو تياترو عباس سابقا.. إنه يعيش دائما مع الذكريات.. فكل شيء فى غرفة مكتبه يذكره بالماضى.. على الجدران صور لكبار الفنانين الذين شـــاركـــوه كفـــاحه.. فاطمــة رشدي وأمينة رزق وفردوس حسن وأحمد علام وحسين رياض وفتوح نشاطى وحسن البارودى واستيفان روستى.

وفي نفس هذا المكتب الذى دخله مأمور الضرائب ذات يوم ليوقع الحجز على ملابس يوسف وهبي.. يجرى يوسف وهبى الآن البروفات الجديدة لفرقته.. وفى نفس هذا المكتب الذى شهد أيامًا حزينة.. تلقى الفنان الكبير خبر منحه الجائزة التقديرية من الدولة تقديرا لكفاحه الطويل وحبه الشديد للفن.

◄ وأسأل الفنان الكبير: ماذا عن شعورك عندما منحتـك الدولة الجائزة التقديرية؟
• قيمة الجائزة أدبية أكثر منها مادية، فالفنان يهدف إلى نشر رسالته آملًا أن يعترف مواطنوه به، خاصة وهذه هى أول مرة يحصل فنان مثلى على هذه الجائزة القيِّمة منذ أن قررت الدولة منح جائزة الفنون.

■ الحبيبة الملعونة
◄ ألم يقل حماسك يوما بالنسبة لاشتغالك بالمسرح طوال هذه السنين؟
• لم تقل حماستى للمسرح رغم أنها خشبة حبيبة وملعونة فى نفس الوقت، لكن العاشق المتيم يستمتع بألم الصد، ثم الرضا، ثم الخصام، ثم الصلح بمتعة لا تساويها متعة، كنت عندما أصاب باليأس أحاسب نفسى وأحاول أن أصلح أخطائى، وكنت أعرف تمامًا أن فن المسرح مستحدث فى الشرق، وأن من سبقنى من الرواد عانوا أكثر مما عانيت، وطوال حياتى عشت بين نجاح وفشل، والجميع يعرفون أنه قد أُشهِر إفلاسى عام 1923، وفى نفس هذا المكان الذى أنتِ جالسة فيه دخل علىّ الحارس بينما كنت مشــــغولًا بتــــأليف مســــرحية «رجـــل الساحة»، وصاح بصوت أجش «جئت للحجز على ملابسك الخاصة» فأجبت: «كل دواليب ثيابى مفتوحة.. احجز على ما تريد.. وابتسمت لأنه لم يستطع أن يحجز لا على قلمى ولا على فمى.

وعندما تكونت الفرقة القومية طلب منى القائمون بالأمر أن أقنع أفراد فرقتى بالانضمام إلى الغرفة الحكومية بنصف الأجور التى كانوا يتقاضونها منى، وبعد أن قمت بالمهمة التى كُلفت بها، اكتشفت أنهم لا يرغبون فى وجودى بهذه الفرقة، فألفت فرقة لم يكن فيها من القدامى إلا أمينة رزق وعلوية جميل اللتان رفضتا تركى، وانضم إلى الفرقة الثانية فاخر فاخر وزوزو نبيل وراقية إبراهيم وحسين صدقى وسعيد خليل، وكانوا من الشباب أو بالأحرى براعم لم تنضج، وناقشت المجموعة الجديدة فى الفرقة القوميــة، فانتصــــرت عليهــــا ممــــا اضطرها لاستدعائى فى الفرقة، وهل هناك أروع من هذا فى نفس الفنان.. تقدير الجمهور له وثقتهم به.

ومرة ثالثة ورابعة وخامسة.. كونت فرقة.. وأحمد الله أن مواطنى وجميع بلاد الشرق ظلوا على وفائهم حتى اليوم، فجائزة الدولة التقديرية لى، إنما الجمهور هو صاحب الحق فيها أكثر، وكما يقول المثل «ختامه مسك»، وكما نرى فى الأفلام ذات المآسى المفجعة، تنتهى بنهاية سعيدة.

◄ هل نجحت جولاتك مع فرقة رمسيس بالبلاد العربية، وهل استقبلها الجمهور كما كان يستقبلها زمان؟
• بلا شك، ولكن هذا لا يمنع أن هناك موجات من الأفكار الطليعية تحاول إنكار المسرح القديم، ولست أدرى كيف ينكر الأساس والينبوع، وحدثت محاولات عدة للانتقاص من المسرح الواقعى ونعته بالعتيق الذى لا يتفق مع الزمن.. إن أدب شكسبير وموليير ومؤلفات تولستوى مازالت حتى اليوم عنوان الفن الرفيع.

◄ كم عدد المسرحيات التي ظهرت على مسرح رمسيس؟
• 285 مسرحية، منها المترجمات العالمية لعباقرة التأليف المسرحى الإنجلــــيزى والفـــرنســــى والإيطالى، ومنها المؤلفات العربية الصينية، فقد أردتُ أن أصبغ المسرح العربى بصبغة عربية، فمعظم المسرحيات التى قدمتها فى العشرين سنة الماضية كانت فى صميم المجتمع العربى، فلا معنى أن يكون لنا مسرح عربى ونعيش على فتات موائد الآخرين، بل يجب أن تشمل النهضة التأليف المسرحى العربى الصميم.

■ المسرح الرمزي
◄ ما رأيك في الجيل الجديد من المخرجين ومؤلفي المسرح؟
• لا شك أن الإخراج الحديث تطوّر، بالاستعانة بوسائل المسرح والإضاءة، لكن لا يعنى عرض المسرح الحديث أن ننكر المسرح القديم، بل على العكس ما دامت المسرحية متينة فى بنائها ورسم الصور الأخلاقية فيها وجودة حبكتها.. وهل من المعقول أن الجديد يجب أن يمحو القديم.. وهل ما قبل أوبرات بتهوفن وموزار وغيرهما يجب أن تمحى؟ إنها ما زالت فى قمة الإعجاز.. وهل قضى بيكاسو فى رسومه المكعبة السيريالية على اللوحات الرائعة لفان جوخ وغيره. إن الجيد من الفن يعيش أبدًا.. لا شك أن مسرحى القديم كان له طابع معين نتيجة تفاعله مع الجماهير، لكنى أرحب بكل جديد، وكثيرًا ما هنأت شخصيات القادرين من الأدباء.. فأنا من المعجبين بعبدالرحمن الشرقاوى ويوسف إدريس، وأقرأ باستمرار لتوفيق الحكيم، كما أننى شديد الإعجاب بأعمال الدكتور مصطفى محمود، لكن هل يرضون أنه بعد سنوات ينكر من يأتى بعدهم ما قدموه من روائع؟! إن أم كلثوم العظيمة وعبدالوهاب العبقرى وصلا إلى القمة فى الأعوام الأخيرة بما أتحفانا به من أغانٍ، والسبب أنهما مازالا يقدمان الألحان الرائعة على طريقة الطرب القديم.

■ سأظل أعمل
◄ إلى متى ستظل تعمل على خشبة المسرح؟
• سأظل أعمل ما دمت قادرًا على العمل، سواء فى المسرح أو السينما إذا أتيحت لى ظروف العمل الجيد، فالفن غذاء ضرورى للفنان مهما وصل به السن، والفنان خاصة فنان المسرح والسينما لا يخضع لروتين المعاش، لأن لكل دور فى المسرح والسينما سنًا معينة يصلح له فنان معين.

◄ من هم نجوم فرقة رمسيس الآن؟
• معظم أفراد فرقة رمسيس من خريجى المعهد العالى، رغم وجود بعض الفنانين القدامى، فنحن فى أشد الحاجة لدماء الشباب الحارة، وأنا أشعر بالسعادة عندما يلعب فنان شاب دوره بإجادة، فأسرع بعد نزول الستار لتقبيله وضمه إلى صدرى. ليس هناك عداء بينى وبين فنان، واحترام الفنان الشاب للفنان المخضرم يخدمه فى المستقبل عندما يصل هو إلى الخضرمة ويأتى من بعده شباب جدد.

◄ منْ الفنانون الذين تحب أن تشاهدهم فى السينما أو المسرح؟
• هناك كثيرون أحب مشاهدتهم، وأستمتع بهم كفؤاد المهندس وشويكار وأمين الهنيدى ومحمد عوض ومحمد رضا. هذا فى الكوميديا.. ويشجينى لقاء سيمحة أيوب ويؤثر فىّ تعبيرات وجه سناء جميل.

■ نصيحة للجيل الجديد
◄ بماذا تنصح الجيل الجديد من الفنانين؟
عدم التأثر بالدعاية التى تطالب بنبذ القديم، والتمهل فى صعود درجات النجاح، وعدم التفكير فى المادة التى أرى أنها تطغى على جهود الكثيرين من الشباب.

◄ ما الأمنية التى لم تحققها حتى الآن؟
• أمنيتى أن يطلق اسمى على مسرح، وأن أعمل فى مسرحية أو مسرحيتين فى موسم يشترك فيه معى شباب ومخضرمون، وفى ميدان السينما أتمنى أن يفكر بعض من يكتبون النصوص السينمائية أن يقدموا مواضيع أفلام أستطيع فيها أن أقوم بالدور اللائق، ولا أُجبر على قبول أدوار ليست فى مستواى الفنى.

(«آخرساعة» 1 يوليو 1970)