عبلة الروينى تكتب :عندما تناولت القهوة مع محررى«أخبار الأدب»..

عبلة الروينى
عبلة الروينى

على امتداد مشوارى المهنى كانت «أخبارالأدب» ومازالت..جملة مضيئة ومنتصرة...مساحة من الرحابة والحرية، وحالة عاطفية..محبة الجريدة، سنوات العمل بها، ومحبة محرريها وصداقتهم....كانت أخبار الأدب» اختيارا وإنحيازا لمشروع ثقافى شاركت فيه، منذ بدايته، أو من قبل بدايته، منذ الأعداد الصفر، مسئولة عن صفحات الثقافة العربية (من المحيط إلى الخليج)..وهو عنوان القسم الذى قمت بتحريره، وأحد ملامح ورؤية وهوية الجريدة منذ بدايتها إلى اليوم..البعد القومى والإنفتاح والتواصل مع الثقافة العربية..الحوار مع كتابها ومبدعيها، والإشتباك مع قضاياها الثقافية..وهو ملمح ساهم فى حضور الجريدة عربيا بشكل كبير ومؤثر على.


لم تكن أخبار الأدب منذ تأسيسها ١٩٩٣ مجرد مطبوعة ثقافية...لكن مشروع ثقافى وطنى تقدمى، ورؤية مستنيرة واضحة، رغم صدورها عن مؤسسة أخبار اليوم اليمينية، وإن كانت المؤسسة على امتداد تاريخها تقدر الثقافة والفن والإبداع..


(ثقافة وطنية تقدمية) تلك رؤية وعقل جمال الغيطانى مؤسس أخبار الأدب ورئيس تحريرها على مدى ١٧  عاما من إطلاقها (٢٠١٠/١٩٩٣).. وتلك أيضا مرونته فى ضبط المسافة بين الثقافة والسلطة..
رؤية ثقافية تعنى بالإبداع الحقيقى والبحث عنه بعيدًا عن الدوائر المركزية ومثقفى السلطة، فكان الهامش والثقافة الجماهيرية فى محافظات مصر المختلفة وإبداعات الشباب أحد هواجس الجريدة، وجزء من رؤاها..ساعد ذلك قيام الجريدة منذ البداية على أكتاف مجموعة من المحررين الشباب..الأدق مجموعة من المبدعين الموهوبين، الحريصين على تأكيد إبداعهم ومواهبهم وخصوصية صوتهم.



وكنت وما أزال أتباهى بإختيارى رئيسا لتحرير جريدة أخبارالأدب فى لحظة تاريخية فارقة فى مسيرة الجريدة، وفى مسيرة مصر كلها، بعد ثورة يناير (فبراير٢٠١١/ أغسطس٢٠١٢) كان الاختيار تجسيدا رمزيا ساطعا لمعركة غير مسبوقة فى تاريخ الصحافة المصرية، خاضها محررو الجريدة، تعبيرًا عن إرادتهم فى صياغة جريدتهم كما يريدون، والمشاركة فى وضع سياستها وتحديد رؤاها ومواقفها..معركة غير مسبوقة، كشفت إختلاف المناخ وتطور الوعى والقدرة على إحداث التغيير.

لتكون (أخبار الأدب) أول مطبوعة مصرية على امتداد تاريخ الصحافة، ينجح محرروها فى عزل رئيس التحرير، والمجيء برئيس تحرير جديد من اختيارهم...هكذا وجدتنى فى جملة منتصرة...ولأول مرة يأتى رئيس تحرير لجريدة مصرية، دون المرور على مكتب الأمن، أو دون تناول فنجان القهوة مع المسئول الأمني!!...ومن حقى أن أتباهى أن فنجان القهوة، كان بينى وبين الزملاء محررى الجريدة..هى بداية العلاقة، خطوطها العامة وملامحها..الرحابة والحوار والحرية..


أحدثت اللحظة التاريخية بعد ثورة يناير٢٠١١ تأثيراتها على كل شيء فى مصر..أحدثت بالتأكيد تأثيراتها على سياسة الجريدة ورؤيتها..طريقة التفكير والأسلوب واللغة..الانفتاح على ثقافات متنوعة وفنون أداء مختلفة، وتجارب إبداعية ورؤى بصرية جديدة...اهتمام خاص بالفوتوغرافيا والجرافيتى، والموسيقى الإلكترونية..حتى موسيقى المهرجانات كأحد أشكال الخروج على الصورة النمطية الثابتة..منحتنا التجربة كثير من الأمل والثقة والحرية، واكتشاف قدرة الفعل على أحداث التغيير..


بعد زيارة وزير الثقافة الفلسطينى الكاتب «يحيى يخلف» والوفد الثقافى المصاحب له لأخبار الأدب فى ( أغسطس ٢٠١١)...كتب د.فيصل دراج ملاحظة أساسية على اللقاء، مبديا دهشته (أنهم جميعا يتكلمون فى السياسة..السياسة محور كلماتهم..أسئلتهم.. هاجسهم الأول..حتى ضحكاتهم ممزوجة بالسياسة)!!..وكان محقًا بالتأكيد، فلم يكن بإمكان «أخبار الأدب» أن تكون معزولة داخل (نوعيتها) ولا محبوسة داخل (خصوصيتها) هى المشروطة بواقعها ولحظتها التاريخية..حيث السؤال الثقافى مشتبك وفاعل ومؤثر.

ولم يكن بإمكان «أخبار الأدب» أن تتحدث عن الزهور الجميلة، بينما هناك بشر يقتلون.. رؤية تطابقت مع عبارة بريخت، ليشتبك الجمالى والثقافى بالسياسي..لا فارق بين الكاتب وواقعه، لا فارق بين محررى الجريدة وثوار الميدان..هم أنفسهم ثوار الميدان.
حين سئل المخرج الفرنسى جان مارى سبيرو من هو الشاعر؟
قال: الشاعر هو من يشبه كاسترو.