بداية

لهذا.. آمنا بثورة 30 يونيو

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

‭..‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭ ‬مضت‭ ‬تحديدًا‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الثمانينات‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬توغل‭ ‬التيار‭ ‬السلفي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وادعاءهم‭ ‬احتكار‭ ‬الحقيقة‭ ‬والفضيلة‭ ‬ومعهما‭ ‬علت‭ ‬نعرة‭ ‬التعصب‭ ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬المتسلفة‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة‭ ‬المذمومة‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬صار‭ ‬لسان‭ ‬حالهم‭ ‬هو؛‭ ‬أنا‭ ‬متعصب‭ ‬إذا‭ ‬فأنا‭ ‬أنكر‭ ‬كل‭ ‬فضائل‭ ‬وأفكار‭ ‬الآخرين‭ ‬مستهدفين‭ ‬الحط‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬آرائي‭ ‬وذاتي‭ ‬وفضائلي‭ ‬أنا؛‭ ‬أقول‭ ‬مع‭ ‬ظهورهم‭ ‬كان‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬العقل‭ ‬من‭ ‬أفكارهم‭ ‬المسمومة؟‭!‬،‭ ‬فالإيمان‭ ‬المطلق‭ ‬بغير‭ ‬عقل‭ ‬هو‭ ‬تخريب‭ ‬للنفوس،‭ ‬إيمان‭ ‬ناقص‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬هدمه؛‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬انصرف‭ ‬فيه‭ ‬أسلافنا‭ ‬منساقين‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬الأولياء‮»‬‭ ‬و‮»‬وكراماتهم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬لها‭ ‬أصلا؛‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬تنفض‭ ‬غبار‭ ‬التخلف‭ ‬وسيطرة‭ ‬الكنيسة‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬العلمي،‭ ‬وانصرفنا‭ ‬نحن‭ ‬إلى‭ ‬التعزيم‭ ‬وحرق‭ ‬البخور‭ ‬والتنجيم،‭ ‬وكيف‭ ‬نستخرج‭ ‬العفريت‭ ‬الذي‭ ‬سكن‭ ‬جسدًا‭ ‬عليلًا،‭ ‬وبفضل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأصوليين‭ ‬أصحاب‭ ‬الماضي‭ ‬الطائفي‭ ‬والانسداد‭ ‬التاريخي؛‭ ‬صار‭ ‬السحر‭ ‬عاملًا‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬المسير‭ ‬والمصير‭.‬

نعم،‭ ‬أطلت‭ ‬الوقوف‭ ‬كثيرًا‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬أيضًا؛‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الكنيسة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى؟‭!‬،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الإجابة‭ ‬عسيرة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬تتلخص‭ ‬الإجابة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬وقتها‭ ‬حرضوا‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يمقتوا‭ ‬العقل‭ ‬مقتًا‭ ‬كأنه‭ ‬العدو‭ ‬الأوحد‭ ‬الذي‭ ‬يتربص‭ ‬بالإنسان‭ ‬ليوقعه‭ ‬في‭ ‬المهالك،‭ ‬اكره‭ ‬عقلك‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الإيمان‭ ‬الكامل،‭ ‬فالغريزة‭ ‬أهدى‭ ‬سبيلًا‭ ‬من‭ ‬عقلك،‭ ‬لكن‭ ‬أوروبا‭ ‬انتفضت‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الأصولية‭ ‬والاستبداد‭ ‬الديني‭ ‬لم‭ ‬يرتم‭ ‬الثوار‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬الآباء‭ ‬المطارنة‭ ‬والأساقفة‭ ‬مثلما‭ ‬ارتمينا‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمتسلفة‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬يناير،‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬استأصل‭ ‬الثوار‭ ‬‮«‬الماضي‭ ‬الأصولي‮»‬‭ ‬كليًا،‭ ‬رفعوا‭ ‬صور‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرين‭ ‬أمثال‭ ‬فولتير‭ ‬وموليير‭ ‬وروسو‭ ‬وغيرهم،‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أنهم‭ ‬رفعوا‭ ‬صور‭ ‬مطران‭ ‬باريس‭ ‬أو‭ ‬بابا‭ ‬روما،‭ ‬لكن‭ ‬نحن‭ ‬استقبلنا‭ ‬كهنة‭ ‬الظلام‭ ‬بالورود‭ ‬والهتاف؛‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬تونس‭ ‬استقبل‭ ‬الجماهير‭ ‬بالآلاف‭ ‬الإرهابي‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬ذهبت‭ ‬الجماهير‭ ‬الغفيرة‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬القاهرة‭ ‬لتستقبل‭ ‬الإرهابي‭ ‬القرضاوي‭ ‬مفتي‭ ‬الفتنة‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬القتل‭ ‬بالعمليات‭ ‬الانتحارية‭ ‬وأن‭ ‬فاعلها‭ ‬سيجد‭ ‬البراق‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ ‬يحمله‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬مباشرة‭ ‬حيث‭ ‬تستقبله‭ ‬حور‭ ‬العين‭ ‬وكؤوس‭ ‬الخمر‭ ‬والعسل‭ ‬المصفى‭ ‬واللبن‭.‬

المفارقة‭ ‬المضحكة؛‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتسلفة‭ ‬يصدرون‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭ - ‬ظنًا‭ ‬منهم‭ ‬أننا‭ ‬بلهاء‭ ‬سوف‭ ‬نصدقهم‭ ‬–‭ ‬أنهم‭ ‬يحاربون‭ ‬الإرهاب‭ ‬والدجل‭ ‬والشعوذة،‭ ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬مرتديًا‭ ‬مسوح‭ ‬القديسين؛‭ ‬‮«‬السلفيون‭ ‬مظلومون،‭ ‬فهم‭ ‬من‭ ‬يُحاربون‭ ‬الإرهاب‭ ‬والعنف‭ ‬وموجة‭ ‬الإلحاد‭ ‬وتوغل‭ ‬الشيعة‭ ‬والانحرافات‭ ‬الفكرية‭ ‬ومظاهر‭ ‬الانحلال‭ ‬الخلقي‭ ‬والسلوكي‮»‬،‭ ‬مضيفًا؛‭ ‬‮«‬السلفيون‭ ‬لا‭ ‬يُفجرون‭ ‬ولا‭ ‬يُكفرون،‭ ‬وهم‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويتعاملون‭ ‬بالدستور‭ ‬والقانون،‭ ‬وعندهم‭ ‬جمعيات‭ ‬رسمية،‭ ‬ويشتركون‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬والانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬والحياة‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬وجاء‭ ‬دوري‭ ‬ليسأله؛‭ ‬إذن‭ ‬فمن‭ ‬الذي‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬رجل‭ ‬يوليو‭ ‬القوي‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬المنشية‭ ‬بالإسكندرية،‭ ‬ومن‭ ‬اغتال‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬المنصة،‭ ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬شركات‭ ‬توظيف‭ ‬الأموال‭ ‬وإطلاقهم‭ ‬الفتاوى‭ ‬بتحريم‭ ‬فوائد‭ ‬البنوك،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬اقتحموا‭ ‬مديرية‭ ‬أمن‭ ‬أسيوط‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬1981‭ ‬وقتلوا‭ ‬وسفكوا‭ ‬الدماء،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭ ‬لزواج‭ ‬القاصرات‭ ‬بزعم‭ ‬أن‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬تزوج‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬9‭ ‬سنوات،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬المرأة‭ ‬إنسانيًا‭ ‬وآدميًا‭ ‬واعتبارها‭ ‬فتنة‭ ‬أينما‭ ‬حلت‭ ‬ومتى‭ ‬تكلمت،‭ ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬إرهاب‭ ‬عقد‭ ‬التسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بالصعيد‭ ‬الخ‭ ‬الخ‭ ‬الخ؛‭ ‬بغير‭ ‬أسف‭ ‬مسيرتكم‭ ‬تمتلئ‭ ‬بالدم‭ ‬والإرهاب‭ ‬والتخلف،‭ ‬نعم‭ ‬أنتم‭ ‬سبب‭ ‬التطرف،‭ ‬هل‭ ‬سمعتم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية‭ ‬مرجعية‭ ‬فاعلها‭ ‬علماني‭ ‬أو‭ ‬ليبرالي،‭ ‬ولكن‭ ‬دائمًا‭ ‬نجد‭ ‬مرجعيته‭ ‬سلفية؛‭ ‬فالذي‭ ‬حاول‭ ‬اغتيال‭ ‬أديب‭ ‬نوبل‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬اعترافاته‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬منزله‭ ‬ليقابل‭ ‬صديقه‭ ‬وجدت‭ ‬الفرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لأنال‭ ‬شرف‭ ‬تنفيذ‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬فيه،‭ ‬تقدمت‭ ‬نحوه‭ ‬وأخرجت‭ ‬مطواة‭ ‬قرن‭ ‬الغزال‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬ملابسي‭ ‬وطعنته‭ ‬في‭ ‬رقبته‭ ‬طعنة‭ ‬قاتلة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬للمحقق؛‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬أى‭ ‬رواية‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬وأنه‭ ‬حاول‭ ‬قتله‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لفتوى‭ ‬عمر‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن،‭ ‬مفتي‭ ‬الجماعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬آنذاك،‭ ‬بإهدار‭ ‬دمه‭ ‬لاتهامه‭ ‬بالكفر‭ ‬وارتداده‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬بسبب‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬أولاد‭ ‬حارتنا‮»‬،‭ ‬فغادرت‭ ‬الموقع،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أُكبر‭ ‬عليه‭ ‬أثناء‭ ‬الطعن،‭ ‬فقمت‭ ‬بالتكبير‭ ‬في‭ ‬سري‮»‬‭!‬

نعم‭ ‬تبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬الواضحة‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬كبد‭ ‬السماء؛‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬إنجازات‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬التسع‭ ‬الماضية؛‭ ‬فيكفيه‭ ‬أنه‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬حرر‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الديني،‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬حمل‭ ‬رقبته‭ ‬على‭ ‬كفه‭ ‬وساند‭ ‬ثورة‭ ‬المصريين‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2013،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬مصر‭ ‬خاضعة‭ ‬للامبراطوريات‭ ‬الدينية‭ ‬المسيحية‭ ‬والإسلامية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬قرنا‭ ‬متواصلة،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الميلادي‭ ‬ولم‭ ‬تنته‭ ‬واقعيًا‭ ‬وفعليًا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬بثورة‭ ‬مصر‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬ربوع‭ ‬البلاد‭ ‬بالملايين‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ضد‭ ‬حكم‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الاستبدادوالأفضلية‭ ‬الدينية،‭ ‬وعنصرية‭ ‬أن‭ ‬المسلم‭ ‬الإخواني‭ ‬أفضل‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬المسلم‭ ‬غير‭ ‬الإخواني‭.‬


 

;