..منذ عدة عقود مضت تحديدًا بداية من أوائل الثمانينات خاصة مع توغل التيار السلفي في مصر وادعاءهم احتكار الحقيقة والفضيلة ومعهما علت نعرة التعصب ولم يكتفِ المتسلفة بهذه الصفة المذمومة فقط وإنما صار لسان حالهم هو؛ أنا متعصب إذا فأنا أنكر كل فضائل وأفكار الآخرين مستهدفين الحط منها إلا آرائي وذاتي وفضائلي أنا؛ أقول مع ظهورهم كان السؤال هو: كيف السبيل إلى تحرير العقل من أفكارهم المسمومة؟!، فالإيمان المطلق بغير عقل هو تخريب للنفوس، إيمان ناقص من السهل هدمه؛ ففي الوقت الذي انصرف فيه أسلافنا منساقين نحو «الأولياء» و»وكراماتهم» التي لا نعرف لها أصلا؛ كانت أوروبا تنفض غبار التخلف وسيطرة الكنيسة عليها إلى التفكير العلمي، وانصرفنا نحن إلى التعزيم وحرق البخور والتنجيم، وكيف نستخرج العفريت الذي سكن جسدًا عليلًا، وبفضل هؤلاء الأصوليين أصحاب الماضي الطائفي والانسداد التاريخي؛ صار السحر عاملًا من عوامل المسير والمصير.
نعم، أطلت الوقوف كثيرًا أمام هذا السؤال أيضًا؛ كيف كانت الكنيسة تسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية في أوروبا خلال القرون الوسطى؟!، لم تكن الإجابة عسيرة على الإطلاق تتلخص الإجابة في أن رجال الدين وقتها حرضوا المواطنين على أن يمقتوا العقل مقتًا كأنه العدو الأوحد الذي يتربص بالإنسان ليوقعه في المهالك، اكره عقلك حتى تصل إلى الإيمان الكامل، فالغريزة أهدى سبيلًا من عقلك، لكن أوروبا انتفضت ضد هذه الأصولية والاستبداد الديني لم يرتم الثوار في أحضان الآباء المطارنة والأساقفة مثلما ارتمينا نحن في أحضان جماعة الإخوان الإرهابية والمتسلفة بعد 25 يناير، في أوروبا استأصل الثوار «الماضي الأصولي» كليًا، رفعوا صور الفلاسفة والمفكرين أمثال فولتير وموليير وروسو وغيرهم، لم نسمع في كتب التاريخ أنهم رفعوا صور مطران باريس أو بابا روما، لكن نحن استقبلنا كهنة الظلام بالورود والهتاف؛ في مطار تونس استقبل الجماهير بالآلاف الإرهابي راشد الغنوشي، وفي مصر ذهبت الجماهير الغفيرة إلى مطار القاهرة لتستقبل الإرهابي القرضاوي مفتي الفتنة والتحريض على القتل بالعمليات الانتحارية وأن فاعلها سيجد البراق في انتظاره يحمله إلى الجنة مباشرة حيث تستقبله حور العين وكؤوس الخمر والعسل المصفى واللبن.
المفارقة المضحكة؛ أن هؤلاء المتسلفة يصدرون لنا من وقت لآخر - ظنًا منهم أننا بلهاء سوف نصدقهم – أنهم يحاربون الإرهاب والدجل والشعوذة، كما زعم واحد منهم منذ فترة حين قال مرتديًا مسوح القديسين؛ «السلفيون مظلومون، فهم من يُحاربون الإرهاب والعنف وموجة الإلحاد وتوغل الشيعة والانحرافات الفكرية ومظاهر الانحلال الخلقي والسلوكي»، مضيفًا؛ «السلفيون لا يُفجرون ولا يُكفرون، وهم جزء مهم من نسيج المجتمع، ويتعاملون بالدستور والقانون، وعندهم جمعيات رسمية، ويشتركون في العملية السياسية والانتخابات البرلمانية والحياة العامة»، وجاء دوري ليسأله؛ إذن فمن الذي شرع في قتل رجل يوليو القوي جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، ومن اغتال الرئيس الراحل أنور السادات في حادث المنصة، ومن المسؤول عن ظهور شركات توظيف الأموال وإطلاقهم الفتاوى بتحريم فوائد البنوك، ومن هم الذين اقتحموا مديرية أمن أسيوط في 8 أكتوبر سنة 1981 وقتلوا وسفكوا الدماء، من الذي يدعو من وقت لآخر لزواج القاصرات بزعم أن الرسول الكريم تزوج من السيدة عائشة في سن 9 سنوات، من الذي يحاول أن ينتقص من حق المرأة إنسانيًا وآدميًا واعتبارها فتنة أينما حلت ومتى تكلمت، ومن المسؤول عن إرهاب عقد التسعينات من القرن الماضي بالصعيد الخ الخ الخ؛ بغير أسف مسيرتكم تمتلئ بالدم والإرهاب والتخلف، نعم أنتم سبب التطرف، هل سمعتم من قبل عن عملية إرهابية مرجعية فاعلها علماني أو ليبرالي، ولكن دائمًا نجد مرجعيته سلفية؛ فالذي حاول اغتيال أديب نوبل نجيب محفوظ قال في اعترافاته: «عندما خرج من منزله ليقابل صديقه وجدت الفرصة سانحة لأنال شرف تنفيذ شرع الله فيه، تقدمت نحوه وأخرجت مطواة قرن الغزال من تحت ملابسي وطعنته في رقبته طعنة قاتلة»، كما أكد في أكثر من مرة للمحقق؛ أنه لم يقرأ أى رواية لنجيب محفوظ، وأنه حاول قتله تنفيذًا لفتوى عمر عبد الرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية آنذاك، بإهدار دمه لاتهامه بالكفر وارتداده عن الإسلام بسبب رواية «أولاد حارتنا»، فغادرت الموقع، وكنت قد نسيت أن أُكبر عليه أثناء الطعن، فقمت بالتكبير في سري»!
نعم تبقى الحقيقة التاريخية الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء؛ فإذا كانت إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي غير مسبوقة في التاريخ خلال السنوات التسع الماضية؛ فيكفيه أنه الرئيس المصري الوحيد على مر التاريخ الذي حرر البلاد من الحكم الديني، يوم أن حمل رقبته على كفه وساند ثورة المصريين في 30 يونيو من العام 2013، بعد أن ظلت مصر خاضعة للامبراطوريات الدينية المسيحية والإسلامية أكثر من ستة عشر قرنا متواصلة، بدأت في القرن الرابع الميلادي ولم تنته واقعيًا وفعليًا إلا في القرن الحادي والعشرين، بثورة مصر العظيمة التي ملأت ربوع البلاد بالملايين في حجم غير مسبوق ضد حكم قائم على الاستبدادوالأفضلية الدينية، وعنصرية أن المسلم الإخواني أفضل عند الله من المسلم غير الإخواني.