حكايات| سجن الباستيل.. حينما تحول حصن فرنسا إلى أطلال على وقع الثورة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"الحرية والمساواة والأخوة".. شعار لم يكن ليولد إلى حدود ما حدث في ذلك اليوم قبل قرنين من الزمن ازدادوا 34 سنة، حينما اندلعت شرارة الثورة الفرنسية على أعتاب سجن الباستيل، الذي كان ملاذ حكام فرنسا لقمع المعارضين وإسكات اصواتهم والتخلص منهم.

وبالزمان نعود إلى القرن الثامن عشر، حينما أضحت فرنسا كرة من اللهب في باريس على أبواب ذلك السجن ما لبث أن احترقت في وجه الحكام وسقط السجن الحصين في أيدي الثوار، وبات مع الزمن من الأطلال.

إنه يوم الرابع عشر من يوليو عام 1789، حينما تغير وجه فرنسا ليتحول شعارها يومًا ما من الاستبداد إلى الحرية ومن المحاباة إلى المساواة ومن الطبقية إلى الأخوة.

قصة سجن الباستيل 

شرارة الأحداث، كانت في الحادي عشر من يوليو عام 1789، حينما أقال العاهل الفرنسي الملك لويس السادس عشر وزير ماليَّته جاك نيكير المتعاطف مع الطبقة الثالثة، ليكون هذا بمثابة جرس إنذار للفئات المتوسطة والدنيا في فرنسا في ذلك الزمان أنهم سيرزخون تحت سلطة لا تعبأ بأوضاعهم المعيشية، وتجعلهم يهونون في مستنقع الفقر.

وهنا حانت اللحظة الفارقة في تاريخ فرنسا، في الرابع عشر من يوليو عام 1789، حينما اقتحم أهل باريس حصن سجن الباستيل، لتكون تلك هي شرارة الثورة التي قادت غلى ثورة فرنسية معاصرة أطاحت بنظام الحكم الملكي في البلاد، بعد ثلاث سنوات من المقاومة والصراع، أدت إلى انتصار الثوار وقيام الجمهورية الفرنسية الأأولى في 21 سبتمبر عام 1792.

وجاء اقتحام الثّوار للحصن في ظل خشيتهم من تعرضهم هم أنفسهم أو ممثليهم لهجوم الجيش الملكي أو أفواج المرتزقة الأجانب التي كانت تتبع أوامر الملك.

وكان هدف الثوار الحصول على البارود والذخيرة التي ذاع قبوعها خلف جدرانه لتوزيعها على الثوّار، حيث حشدوا كل الأسلحة لمعركتهم المصيرية من أجل إسقاط حكم الملكية.

ولم يكن داخل سجن الباستيل وقت وقوع الاقتحام في يوليو عام 1789 سوى سبعة أسرى، ليسبقَ اقتحام الثوار الباريسيين للباستيل خلال نفس يوم حصارهم لليزانفاليد سعيًا لاغتنام الأسلحة الناريَّة والبنادق والمدافع التي كانت مُخزَّنة في أعماق سراديبه.

ومع بداية المواجهات العنيفة، طالب الثوّار من آمر السجن دي لوني أن يسمح لهم بالدخول، وهو ما رفضه الحاكم في البداية، قبل أن يتفق الطرفان التفاوض على التفاوض بعدما انضم أعضاء المجلس البلديّ الجديد للثوار وعرضوا التدخل لدى محافظ الباستيل لعقد ترتيبات سلام·

انتصار الثوار عند الباستيل

وتسارعت وتيرة الأحداث بأن قام بعض العمال المتواجدين وسط الثوار بالوصول إلى مراكز التحكم عن تطريق تسلق السجن وأنزلوا الجسرين المتحركين فوق الخندق فاندفع الثّوار عبريهما إلى ساحة السجن.

وطالب آمر سجن الباستيل الثوار بالتراجع لكنهم أبوا، فأطلق الحرّاس الرصاص عليهم دون أن يجدي ذلك نفعصا، بعدما ظفر الثائرون بالنصر في معركتهم الأولى نحو اندلاع ثورة شاملة في البلاد.

وكلّف ذلك الاقتحام الدموي الثوار الكثير في صفوفهم، حيث أظهرت الوثائق الرسمية سقوط نحو مائتي قليل في صفوف المحتجين الغاضبين، مقابل مقتل حارس واحد من قوات الحرس الفرنسي خلال المواجهات.

أول انتصار للثوار في معركتهم التي فرضوها على أرض الواقع بانتصارهم في معركة الباستيل جاء بعد نحو ثلاثة اسابيع، حينما أصدرت الجمعية التأسيسيَّةفي 4 أغسطس من ذلك العام القرار الذي قضى بإلغاء النظام الإقطاعيّ في البلاد، وأعقب ذلك صدور إعلان حقوق الإنسان والمواطن يوم 26 أغسطس.

ومن هنا سطّر الثوار أولى صفحاتهم في الثورة الفرنسية، وانهار تحت أقدامهم سجن الباستيل، الذي ظل عرينًا لفرنسا ولحكامها وموقع سجن المعارضين لما لأكثر من أربعة قرون بعد أن تم إنشاؤه في 1383 كحصن للدفاع عن باريس ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة.

ومع مرور الزمن بات يوم الباستيل هو اليوم الوطني لفرنسا، يُحتفل به كل عام لتخليد ذكرى هؤلاء الذين ثاروا من أجل شعب فرنسا في وجه ملك ظلمهم لتتأسس الجمهورية والديمقراطية عوضًا عن القهر والاستبداد.