«أزمة قلبية» قصة قصيرة للكاتب محمد فايز حجازي

الكاتب  محمد فايز حجازي
الكاتب محمد فايز حجازي

مضت ساعات منذ بدأنا سيرنا بمحاذاة الشاطيء، بدأنا مع بزوغ الشمس، كنا - أنا وهي- على أعلى درجة من درجات الصفاء والبهجة والنشوة الحالمة.

ابتعدنا كثيرًا عن مقر إقامتنا في المصيف، تركنا كل متعلقاتنا وانطلقنا، فقط ملابسنا الخفيفة التي نرتديها، كم كنت أنتظر نزهتنا هذه! تلك التي نبرح فيها العالم ونعود أطفالًا أبرياءً من جديد! لعام تقريبًا كنت أنتظرها، منذ النزهة الأخيرة في الصيف الأخير.

الآن اختفت البنايات من خلفنا تمامًا، ولا شيء على مرمى البصر، فقط البحر والرمال.

في المحيط من حولنا، كان كل شيء يبدو أبيض، الشمس متوهجة بأشعة بيضاء، مساحات الرمال على المدى بيضاء، تمامًا كما ورق الكتابة الأبيض، كذلك كان ماء البحر وأمواجه، حتى السماء كانت بيضاء أيضًا.

ابتعدنا كثيرًا، كثيرًا جدًا، تقافزنا وانتشينا، دندنا وغنينا، داعبنا البحر بيدينا، بنينا قصورًا كثيرة من رمال، ثم تركناها ومضينا، حتى كانت الهجمة الأولي، كانت عندما سرت وخزات في صدري وحول قلبي، في البداية اعتقدت أن كل هذا محض خيال وجنون، فكرت أن الأمر سينتهي سريعًا، استكملت المسير أنتظر في تشكك.

أما حبيبتي فقد كانت تسير بجواري، تغني بصوت خفيض، ويدها في يدي تتعانقان.

أدركت هول الفاجعة، عندما توالت الهجمات مباشرًة نحو القلب، توالت بإصرار ومثابرة، استكملت السير ببطء، من حولي كانت كل الأشياء تتنهد، ماذا عساي أن أفعل!

مازالت النوبات تتدفق إلى صدري، تتدفق على نحو متواصل أكثر فأكثر، تضربني، بقوة تضربني، نسيم البحر أضحى خانقًا، السماء استحالت إلى اللون الأسود بغرابة.

لا يسعني الآن إلا تنفس، عسر وتنهد لاهث، المساء الصيفي المحموم ذو اللون الأسود يقترب، تراخي جسدي، تركتُ يد حبيبتي التي ظلت تحتضن يدي، الآن من الجيد الجلوس والاستلقاء، السير أصبح حقًا شيئًا كريهًا، شيء هزلي للغاية أن نرفع أقدامنا ونضعها ثانيةً، هكذا باستمرار، السعادة الحقيقية الآن أن أكون في سكينة، هكذا أشعر .

- مرهق أنا، أقولها لك والحديث عن أن نتمكن من العودة إلى مقر إقامتنا، وأنا على هذه الحالة محض جنون، فأنت تعلمين كم استغرقنا لنصل إلى هنا، ساعات حتى وصلنا إلى حيث المصير المحتوم، يبدو أنني سوف أفني هنا، ياللسخرية، سيئو الحظ هم فقط من يموتون على هذا النحو، قرص تحت لساني الآن قد ينجيني، لكن لا داعي للحديث، عودي وحدك يا حبيبتي، سليهم العون، فإن أبوا إلا هلاكي، توسلي إليهم، قولي لهم إنه يتحتم عليهم إنقاذ روح بشرية، إذهبي يا حبيبتي، إذهبي، وأنا أعدك حتى تعودي، أن أبقى على قيد الحياة.

يبدوا أن رحلتي إلى رفاق السماء سوف تنتهي نهاية غريبة جدًا، ربما تكون هي الخطوة الأخيرة التي أخطوها إليهم الآن، في الفجر ربما تنتزع حبيبتي ثوبها المبهج وتتشح بالسواد، ولسوف يتماشى اللون الغامق بصورة رائعة مع وجهها الشاحب.

من الصعب جدًا أن أتصادق مع تلك الفكرة البسيطة إلى حد البلاهة، وهي أنني يجب أن أموت، هنا في هذا المكان! يالها من نهاية.

لطالما حلمت بموت فاخر، موت عظيم وبطولي، كنت أفكر أن تصوب النار على جمجمتي في ثورة ضد ظالم، أو أن أفتدي أهلي وبلادي في عمل أسطوري عظيم، ولكن كل هذا كان محض حلم وحماقة، سيكون موتي الآن طبيعيًا أكثر، الموت ليس مشوقًا ومطمئنًا ولكنه عام ومعتاد في كل وقت. أنا الآن ألهث في الهواء، أصرخ طلبًا للمساعدة، وأبكي.

أعتقد أنه الموت الذي جاء على حين غرة، جاء متظاهرًا بالنزوات والنزهات، أصبح واقعًأ أبديًا، صلبًا وقاسيًا كأكبر السلاسل الجبلية على سطح الأرض.

فقط لو لم يكن هذا الصهد الشديد، الليل الأسود مضطرب مليء بالأشباح، الأحجار والحصى تنهكها الحمى الداخلية، وحرارة عصبية تركض عبر أمواج البحر، البحر يتلوى من حين إلى آخر، يتلوى كمريض محموم في فراشه، أحدق بعيني فلا أري إلا دمًا أسودًا وغُموضًا مُبهمًا في كل مكان.

ساعدوني، دثروني فأنا أشعر بالبرد، لأجل الله ساعدوني.

- حبيبتي أنت هنا مرة أخري، مللت الانتظار، جئت تطمئنين على حالى! اطمئني يا مباركة، الآن أنا أفضل كثيرًا، أشعر كما لو أن جسدي مسترخٍ في سعادة نادرة، كما لو كان مدهونًا بزيت عطري فاتر، أرى رفاق السماء وأسمع ترانيمهم، أرى رفاق السماء وموكب الملائكة.

رأسي ترن، أوردتي ترتجف، أعتقد أنني سأموت حالًا.

الآن أشعر بأنني أفضل حالًا مرة أخرى

حبيبتي،  قفي أمامي، أنت تمامًا كملاك أبيض.

يا ملاكي الأبيض الحزين، يا نسيم الليل في الشهر المبارك، يا ليلة القدر المُباركة، يا حلم ليلة العيد، ورفقة الطفولة.

لا تجزعي، وتجلدي.

ألا ترين كيف أنني - برغم كل الأشياء حولي- صابر.

أصوب وجهي الشاحب نحو السماء.

أنظر  بعين دامعة... و....