تونس والاتحاد الأوربى .. اتفاق على الأهداف واختلاف على الوسائل

 لقاء الرئيس التونسى مع وفد الاتحاد الاوربى برئاسة رئيسة وزراء ايطاليا
لقاء الرئيس التونسى مع وفد الاتحاد الاوربى برئاسة رئيسة وزراء ايطاليا

بكل المقاييس لو نجحت الفكرة التى تقودها رئيسة الوزراء الايطالى جورجيا ميلونى بدعم اوربى وبالتنسيق مع الرئيس التونسى قيس سعيد والتى تم بحثها خلال الزيارات المكوكية لها ولعدد من كبار المسئولين الاوروبيين على مستويات مختلفة  بالتخطيط لعقد مؤتمر دولى لمعالجة ازمة الهجرة غير الشرعية فنحن امام حدث استثنائى لايقف عند معالجة حالة هذه الدولة او تلك.

وفقا لمصالح ثنائية فمثل هذا المؤتمر كفيل بالبحث عن اسباب الظاهرة وآليات المعالجة بمشاركة كل الاطراف سواء فى ذلك دول العبور او تلك المستقبلة لها الفكرة جاءت فى ظل الاهتمام المفاجئ من المجموعة الاوربية بالملف التونسى من كافة ابعاده والسعى الى خروجها من ازمتها الاقتصادية وتمثل فى زيارة مشكلة من رئيسة المفوضية الاوربية اورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلونى ورئيس وزراء هولند مارك روته والغريب ان رئيسة وزراء ايطاليا كانت قد زارت تونس مرتين خلال اسبوع مع الوفد وآخرى خاصة.

يضاف الى ذلك الاتصال الذى تم منذ اكثر من اسبوع بين الرئيس قيس سعيد ورئيس المجلس الاوربى شارل ميشال كما التقى الرئيس التونسى وزيرى داخلية فرنسا جيرالد در امانين  والمانيا نانسى فيزر التحرك الاوربى لايخلو من براجماتية شديدة سادت السياسة الاوربية ومواقفها من الوضع فى تونس والذى شهد تغييرًا دراميا من ممارسة ضغوط واصدار بيانات وتحركات ترفض مشروع الرئيس التونسى قيس سعيد الذى بدأ العمل عليه منذ قرارات ٢٥ يوليو ٢٠٢١ الى السعى الى بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة تونس للخروج من ازمتها الاقتصادية والعنوان الاكبر والاهم وقد يكون الوحيد فى هذا الماراثون السياسى الاوربى تجاه تونس هو المخاوف من تنامى وتصاعد أعداد الهجرة غير الشرعية ودعم جهودها فى مقاومتها ومنعها لما تمثل من خطر على استقرار اوروبا بعد ان.

اصبحت تونس خلال السنوات الاخيرة قبلة للالاف من دول افريقيا جنوب الصحراء  الذين يحاولون العبور الى اوربا خاصة من خلال ولاية صفاقس نتيجة عوامل الجوار  الجغرافى والتداخل المشترك  حيث تعتبر اوربا ان تونس احد ابواب عبور اللاجئين غير الشرعيين الى دول جنوب اوربا  عبر ايطاليا والتى تشهد تداخل فى  المياه الاقليمية والجزر ويمكن مشاهدة اراضى ايطاليا بالعين المجردة من بعض مناطق تونس والارقام الرسمية تكشف عن حجم الازمة فوفقا للارقام المعلنة من ايطاليا فانها استقبلت خلال العام الماضى ٣٢ الف مهاجر غير شرعى منهم ١٨ الفا من تونس.

بينما وصل العدد خلال اربعة اشهر فقط اول شهر مايو الماضى الى ٢٤ الفا وقد  اثمرت تلك التحركات الاوربية على التوافق مع الرئيس التونسى قيس سعيد وفقا للبيان المشترك على العمل المشترك بين الجانبين فى ملف الهجرة غير الشرعية من والى تونس وتفادى الخسائر البشرية باعتبارها اولوية مشتركة بما فيها مكافحة المهربين والمتاجرين بالبشر وتعزيز التصرف فى الحدود والتسجيل  واعادة القبول فى ظل الاحترام الكامل لحقوق الانسان وكانت الامور اكثر وضوحا فى مواقف رئيسة الوزراء الايطالية والتى تقوم على قناعة ومخاوف من التأثير المدمر على اوربا من حالة عدم الاستقرار فى تونس وهو ماعبر عنه وزيرا داخلية فرنسا جيرالد در امانين  والمانيا نانسى فيزر بعد لقائهما الرئيس قيس سعيد.

حيث قالت الوزيرة الالمانية  انها ترغب مع فرنسا فى تعزيز التعاون مع تونس لمكافحة عصابات تهريب البشر والحد من الوفيات فى البحر المتوسط وقالت بصفتنا اصدقاء اوروبيين نريد تعزيز التعاون مع تونس نريد ان نضع معا حدا لعصابات التهريب الاجرامية نريد حماية حقوق اللاجئين ووقف الوفيات فى البحر المتوسط ويبدو ان اوروبا المتخوفة من الهجرة غير الشرعية تطرح مقاربة عبر عنها وزير الدفاع الايطالى غويدو كورزيتو عندما قال ( اما ان تساعد اوربا تونس وافريقيا على النمو والا فمستقبل اوروبا على المحك ) وتسير فكرة المساعدات الاوربية على اكثر من محور وهى كالتالى :

١-القيام  بواسطة لازالة العراقيل امام اتمام اتفاق مع الصندوق تحصل تونس بموجبه على قرض معطل منذ اكتوبر الماضى رغم الموافقة المبدئية عليه بقيمة مليار و٩٠٠ مليون دولار وهناك حاجة ملحة للحصول على هذا القرض لمعالجة الازمة الاقتصادية المتفاقمة والتى تتمثل فى صعوبة توفير التمويل اللازم لشراء بعض الواردات الرئيسية مما يؤدى  الى نقص المعروض من بعض المنتجات الرئيسية مثل الدقيق والسكر والارز وقد انخفض احتياطى تونس من العملات الاجنبية لمستويات تكفى لتغطية وارداتها حوالى ثلاثة اشهر فقط.

كما وصلت نسبة الديون التونسية حوالى ٨٠ بالمائة من الناتج القومى وقد حذرت وكالات التصنيف الائتمانى من احتمال تخلف تونس عن سداد ديونها ويرفض الرئيس التونسى روشتة الصندوق وارتباطه بالحصول على القرض ومطالبة الصندوق ببعض الاصلاحات الهيكلية التى تشمل خفض اجور موظفى القطاع العام واعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة وخفض الدعم معتبرًا ان مثل هذه الروشتة تنذر بخطر تأجيج اضطرابات اجتماعية ووصفها بانها تشبه ( عود ثقاب يشتعل الى جانب تأجيج مواد شديد الانفجار ).

واعتبر الرئيس سعيد ان مطالب صندوق النقد الدولى هى عبارة عن املاءات غير مقبولة ولعل المطروح الآن البحث عن صيغة معدلة وتطوير جديد للاتفاق المرفوض من الجانب التونسى على ضوء تلك التطورات وقالها وزير الخارجية الامريكى انتونى بيلنكن مشيرا الى رغبته فى ان ( تقدم تونس خطة اصلاح معدلة الى الصندوق ونرحب بذلك ونأمل ان يتعامل الصندوق مع الخطة الجديدة باعتبار القرار هنا سياديا ) وكشف وزير الخارجية الايطالى انطونيو تايانى فى تصريحات له على انه (سيتحدث مع نظيره الامريكى ومع مديرة الصندوق عن ضرورة التوصل الى اتفاق فى اقرب وقت ممكن من اجل دعم تونس اقتصاديا بشكل تدريجى ) مؤكدا ان حل مشكلة الهجرة غير الشرعية ممكن فقط مع استقرار بلدان مغادرة المهاجرين واعرب عن امله فى ان (يدرك صندوق النقد الدولى ان هناك حاجة الى دعم براجماتى وليس ايديولوجيا لهذه المسألة وان ينطلق فى صرف التمويل مقابل اطلاق برنامج الاصلاحات أى ضمان تمويل على اقساط ) وشدد الى الحاجة الى مواجهة الازمة الاقتصادية فى تونس بشكل فورى.  

٢- تقديم مساعدات عاجلة وآجلة اوربية لتونس اما الاولى فتم الاعلان عن  تعهد اوربى بتقديم ١٥٠ مليون يورو منها مائة لادارة الحدود كما اعلن وزير الداخلية الفرنسى عن تقديم اكثر من ٢٥ مليون يورو لمساعدة تونس فى وقف قوارب المهاجرين وسيتم تخصيصها لتوفير المعدات والتدريب وهناك لغط كبير حول مقابل هذه المساعدات الموقف التونسى كان واضحا وحاسما تجاه المطالب الاوربية وعبر عنها  الرئيس التونسى قيس سعيد فى مناسبات عديدة خلال الفترة الماضية آخرها فى لقائه مع وزيرى داخلية فرنسا جيرالد در امانين  والمانيا نانسى فيزر رفضه التام لتوطين المهاجرين الافارقة فى بلاده وقال تونس لن تكون ابدا حارسة لحدود اى دولة آخرى.

كما انها لن تقبل بتوطين  المهاجرين فى ترابها  وآخر ماقاله الرئيس التونسى منذ ايام  ان بلاده ليست للبيع او الايجار ونتوقف عند المساعدات الاوربية الاجلة وهى التى تم الاعلان عنها اثناء زيارة الوفد الاوربى واعلنته المفوضية الاوربية كما تعهدت المجموعة الاوربية عن تقديم اكثر من مليار دولار كمساعدات لتونس فى اعقاب الانتهاء من توقيع الاتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولى ويبدو ان التخلى عن شرط او ربط المساعدة بالاتفاق مع الصندوق تم تجاوزه اوروبيا حتى قبل زيارة قيس سعيد الى فرنسا للمشاركة فى قمة باريس من اجل عقد مالى جديد وهو ما كشفه وزير الخارجية الايطالى انطونيو تاجان من وجود  (قرار اوربى بدعم تونس بشكل مستقل عن صندوق النقد الدولى لتعزيز الاستقرار) .