يوميات الأخبار

علاء عبدالهادي يكتب: فاتورة مواجهة الإرهاب

علاء عبدالهادي
علاء عبدالهادي

أعدت النظر فى رؤيتي غير الكاملة عن الدكتورة نيفين القباج بعد سماع مداخلتها

سنوات عشر، مرت على ثورة 30 يونيو، التى أعتبرها ثانى ثورة يخرج فيها المصريون بصورة عفوية بعد ثورة 19 من دون تخطيط لجهة ما ومن أجل أن يقولوا كلمتهم ويملون إرادتهم: مرة فى مواجهة المحتل البريطانى لإلزامه بالإفراج عن سعد باشا وزملائه من رموز حركة التحرر الوطنى، ومرة ثانية فى مواجهة الإخوان الذين رأوهم المصريون فشلة فى إدارة الدولة، وأنهم سرقوا ثورته، وعبثوا بهويته، وكادوا بسياساتهم القاصرة ينتهون بإسقاط الدولة المصرية فى حالة اختراب أهلى، فأخرج لهم المصريون «كارت أحمر».

هذه الإرادة التى أبداها المصريون فى ثورة 30 يونيو والتى صححوا بها مسار ثورة 25 يناير، كانت لها فاتورة، لازلنا نسددها حتى يومنا هذا، وعندما نتحدث عن فاتورة مقاومة موجة الإرهاب التى عانت منها مصر حتى 2016، ينحصر كلامنا فى الغالب على دماء إخوتنا الطاهرة الذكية التى سالت دفاعا عن استقلال هذا الوطن وسلامة أراضيه، سواء من قوات الجيش أو الشرطة، ولكن على أهمية وعظم قيمة هذه الدماء الطاهرة عند الله، وعند كل مصر، فإنها ليست كل تفاصيل الفاتورة.

قبل سنوات تنبه الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الأمر وكلف بعمل دراسة علمية، تهدف الى رصد التكلفة الاقتصادية التى تكبدها المجتمع المصرى خلال الأعوام الماضية، بسبب تبعات الموجات الإرهابية التى تبعت إزاحة المصريين لفصيل الإخوان.

وعلى هامش مؤتمر «المجتمع المدني: نحو شراكة فعالة فى الجمهورية الجديدة»، الذى نظمته مكتبة الإسكندرية مؤخرًا دارت جلسة نقاشية، مهمة أعد لها الدكتورسامح فوزى بعنوان «دور المجتمع المدنى فى مواجهة التطرف وتعزيز التنوع»، كشفت فيها د. نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي عن تفاصيل هذه الدراسة،وتصدى وزارتها لإجرائها بالتعاون مع المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية 

- فماذا قالت الوزيرة ويجب أن يعرفه كل مصري؟ 
قالت إن الإرهاب كلف الدولة 207 مليارات دولار من 2001 حتى 2016!!

تخيل هذا الرقم المرعب الذى لو اتجه للبناء والتعمير، واصلاح أحوال التعليم، وبناء منظومة صحية تليق بالمصريين ،  بدلا من مواجهة من تحالفوا مع الشيطان ، وهم يرفعون راية يدعون فيها أنهم يقاتلون باسم الله!!!

البحث لا يتضمن  كلاما مرسلا أو عفو الخاطر، أو مسيس بل أن البحث استلزم 18 شهرًا من العمل الدؤوب وشارك فيه عدد كبير من الباحثين والمتخصصين وتطرق إلى رصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للإرهاب خلال العقود الثلاثة الماضية (من 2001).

أعترف بأنني أعدت النظر فى رؤيتى غير الكاملة للدكتورة نيفين القباج بعد سماع مداخلتها فى الجلسة ، فقد كشفت لى عن وجه باحثة ، تمتلك أدواتها ، وعلى معرفة لصيقة بالتفاصيل، ومن ضمن ما تحدثت عنه، بأريحية، وأطلقت خلاله أجراس الإنذار، حديثها عن أزمة الهوية والانتماء لدى بعض الشباب الذى «حتى لو كان موجودًا فى مصر لكنه مغترب» .. وشخصت الأمر بجملة فاصلة قالت فيها «نحن أمام قضية حقيقية تبدأ بالاغتراب وتنتهى بالإرهاب» 

البحث أظهر أن الإرهاب ليس ظاهرة أحادية ولكنه فى الحقيقة متعدد الأبعاد والآثار، وليس شرطًا أن يرتبط الإرهاب بالفقر أو بتدنى المستوى التعليمى كما كنا نعتقد جميعا، ونردد كلامًا معلبًا للأسف لا علاقة له بالواقع. 

الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، والذى أدار الجلسة قال إن المجتمع المدنى لديه دور كبير ليس مقتصرا فقط على مشاركة المواطنين فى الخدمات العامة ولكنه تحول إلى آلة إنتاج، ونتمنى أن يصل إلى مرحلة المشاركة فى التوعية خاصةً فى بعض القضايا الحساسة التى تتعلق بالإرهاب والإيمان بمفهوم التنوع والتعدد.

مدير مكتبة الاسكندرية أعلن عن اطلاق مشروع لرصد التدفقات والطاقات الإنتاجية لمساعدة المجتمع على تحقيق الدعم والاكتفاء الذاتي.. بقى أن نقول إن أغلى تكلفة تحملناها بسبب موجات الإرهاب كانت كلفة سياسية  تمثلت فى تعطيل مشروع بناء الدولة المصرية الحديثة، بالإضافة إلى تكلفة اجتماعية تمثلت فى تهديد الوحدة الوطنية سواء الدينية أو الطبقية.

أدعو وزيرة التضامن، بل ادعوا الحكومة الى نشر نتائج البحث وإتاحته على أوسع نطاق حتى يعرف القاصى والدانى، حقيقة ما صنعه بنا الإرهاب والإرهابيون. 

◄ اتحاد الملاك 
إذا أردت أن تعرف ببساطة مركزنا على مؤشر الحضارة!! واذا أعيتك الحيل فى معرفة سبب تخلفنا الحقيقى، ومن يتساءل لماذا انطلق من بدأ وأبعدنا بعقود، ونجحوا، ولا زلنا نحن ندورفى دائرة مفرغة، نراوح مكاننا فى عنق الزجاجة، أدعوك أن تمعن النظر فى الحوارات التى تدورعبر تطبيق الواتس فى أى «جروب» لأى تجمع وليكن مثلا لاتحاد  ملاك لعمارة، أو اتحاد شاغلين لعقار، أوحتى «جروب».. ماذا ستجد؟

ستجد أنواعا مختلفة من البشر: ستقابل المحب، المتطوع المندفع بعفوية لخدمة أعضاء الجروب، وستجد المتربص المتشكك الذى يختبئ فى الجحرمثل الحية التى تتماهى مع البئية المحيطة، ساكنة، وفجأة تنقض على الفريسة لتنهش لحمها، وإذا كانت الحية تهاجم بدافع غريزة البقاء فالبشر، بعض البشر، يهاجمهون متعة فى الهجوم، ومتعة فى إلحاق الأذى بالغير، وهناك الذى يرفع راية المخالفة لأى إجماع، يخالف، ويرفض لا لشىء إلا حبًا فى رفع شعار «خالف تعرف» المصيبة أنه لا يطرح عادة حلولًا بديلًة، وهناك الذى يلقى الاتهامات جزافا، وأسهل شىء عنده التشكيك فى الذمة المالية لمن يتصدى للعمل العام، يشكك بالتصريح أو بالتلميح، لن تجد فى عموم مصر إتحاد ملاك بدون معترضين متشككين: بعضهم يرفض سداد رسوم إصلاح الأسانسير، فهو إما ساكن فى الدور الأول أو الثانى، أو لا يلزمه سداد مليم لإصلاح الموتور أو الأسانسير، وبعضهم يرفض سداد حصة البواب، لأنه «نادى عليه الشهر الماضى ولم يرد»، أو لأى سبب آخر، مثلهم مثل العرب اتفقوا على ألا يتفقوا، شىء محزن، حيث تكتشف اختفاء أبجديات الحوار وتبادل الآراء وحتى الاختلاف بين أفراد بعضهم وللأسف الشديد تجد أساتذة جامعة، وأطباء ومهندسين، فجأة يخلعون هذا الثوب ويتخلون عن هذه الغلالة التى يغطون بها شخصياتهم الحقيقية، وتخرج منهم أقذع الشتائم لا لشىء إلا لاختلاف حول ترتيب الأولويات فى صيانة العقار، أو حول الرسوم التى يجب أن يسددها العضو المقيم والذى يشغل المكان والآخر الذى اشترى شقة، ولكنه لا يقيم فيها .... الخ 

أتابع ثلاث تجارب مريرة وفاشلة لتشكيل اتحاد ملاك فى العقار الذى تقع فيه شقة ابنى، فى كل مرة يتم مهاجمة من يتصدى للمشاركة فى العمل العام والتشكيك فى ذمته وفى أى قرار يسعى لاتخاذه، فينسحب، ويتكرر الأمر مع الآخرين، للأسف المستفيد الوحيد من هذا هو المطور العقارى الذى باع ووضع يده على «وديعة الصيانة» وبأسلوب احترافى يدير الأمر لصالحه، ويخطط لأن يعيد للسكان الوديعة برصيد صفر فور أن ينتهى من بيع بقية الوحدات التى لم ينته من بيعها بعد، السكان يعرفون ذلك جيدًا، يعرفون أن الخطوة الأولى لاسترداد حقوقهم من الغير هو أن يتفقوا، ويكونوا يدًا واحدة للمطالبة بحقوقهم، ولكنهم للأسف يتناحرون على أتفه الأسباب، ويشككون فى كل شىء وأى شىء، وفى نفس الوقت لا يقدمون حلولا.
عرفتم لماذا لا زلنا فى عنق الزجاجة من عدة عقود؟ 

◄ فلاح قراري
أحد زملائى، كان دائما يحرص على أن يصفنى بأنى فلاح قرارى، معتبراً ذلك من قبيل المناغشة التى قد ترقى من وجهة نظره إلى الهزار الخشن. ولكننى أعترف أنه بالفعل هناك فلاح قرارى، قابع بداخلى، يخرج وقت اللزوم حتى وأنا فى نيويورك أو طوكيو أو بكين، لا يغيب عنى .. قد تستغرب اذا قلت لك أننى لم أمارس الفلاحة، ولم يكن والدى يومًا فلاحًا، كان معلمًا، وعاش سنوات يقود مع غيره معركة عودة العربية الى اللسان الجزائرى بعد معركة التحرير من الاحتلال الفرنسى الذى حاول محو كل معالم الهوية، ومنها اللغة .. السبب أننى نشأت فى قرية، ورغم أن أبى كان خوجة وأفندى – كما كان يناديه أهل القرية، إلا أننى كنت شغوفًا بكل ما له علاقة بحياة القرية رغم أننى رحلت عنها وأنا دون التاسعة من عمرى، إلا أن هذا لم يمنع أن أرصد وأختزن بداخلى كل مفردة من المفردات التى لها علاقة بحياة الفلاح، كنت أنتهز كل فرصة أو أجازة من الدراسة لأهرب الى قريتى وأسعى إلى مرافقة أبناء عمومتى فى يومياتهم فى البيت والغيط، ورغم أن حياة الفلاح شقاء وتعب، الا أنها جذبتنى، وغرست بداخلى حب البساطة وعدم الميل إلى البهرجة من أى نوع .. كل هذا أصبح فى خبر كان، بصيغة الماضى، لم يعد له وجود، إلا من رحم ربى، لم يعد الريف كما كان، فقد براءته، وأصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تفرق مثلا بين فتاة القرية عن فتاة المدينة، سواء من حيث الملابس التى ترتديها أو من ناحية أسلوب الكلام، أو حتى فى مستوى الطموح، «السوشيال ميديا جعلت سقف الأحلام بمدى حركة إصبعك على شاشة المحمول .. بل إن فتاة القرية قد تتفوق كثيرًا على فتاة المدينة، عندما كتبت فى يوميات سابقة عن حياة قريتى كيف كانت، أرسلت إلى فتاة من الجيل الجديد من أبناء قريتى رسالة على  «الفيس بوك» مستنكرة ما كتبت واعتبرته عارًا لحق بقريتها، وراحت تتبرأ مما كتبت وقالت إننا نعيش مثلك تماما كما تعيش فى القاهرة وربما أفضل، ولدينا كل ما لديك، حتى محلات «الفاست فوود».. كلامها صح، ولكن أحزننى أن العروسة ابنة القرية لابد الآن أن يتضمن جهازها شاشتى تليفزيون، وربما ثلاثة، وتحتاج ثلاجتين ومنى بار، وبدل البوتجاز اثنين وفرن بلدى، واذا كان عريسا بدون عمل فهى مطالبة بأن تهديه «توك توك» أو ماكينة (موتوسيكل).