أفكار متقاطعة

العيدية تعريفة

سليمان قناوى
سليمان قناوى

ماذا يمكن أن تمثل فرحة العيد لرجل سبعينى مثلى؟ كبرنا على النوم فى أحضان ملابس العيد الجديدة ورائحة جلد الحذاء النفاذة التى تغادر بقوة علبتها الكرتونية، لكننا كنا نتنسم عبيرها كما لو كانت أرقى البرفانات. ولت أيام سهرنا أمام القناة الاولى انتظارا لاوبريت «الليلة الكبيرة» رائعة الصلاحين: صلاح جاهين وصلاح السقا والحان العملاق سيد مكاوى. كانت احلامنا بسيطة وتطلعاتنا أبسط.

قمة فرحتنا قبل العيد بأيام كانت حين يأخذنا الوالد-رحمه الله-  اوائل الستينات فى تاكسى( البنديرة تبدأ بثلاثة قروش) والمشوار كله من شارع احمد ماهر عند بوابة المتولى لوسط البلد( شارعى فؤاد وقصر النيل) لا يزيد عن ستة قروش وكان استخدام التاكسى حدثا استثنائيا لا يتكرر الا مع كل عيد. لم تكن مصر قد عرفت المولات وكانت محلات هذين الشارعين هى الارقى لشراء ملابس العيد التى كانت بسيطة هى الاخرى.

سعيد الحظ كان من يشترى له والده زى ضابط الجيش، وخاصة بدلة ضابط البحرية البيضاء بالكولة العريضة.اليوم لم تعد الحياة بسيطة علت الطموحات لعنان السماء، ويا ويلك اذا لم تشتر لاولادك الملابس الماركات( السينية) من البراندات العالمية سواء التى شيرتات او البنطلونات الجينز او الاحذية الرياضية، وبعد أن كانت ملابس العيد مكتملة يمكن ان تشتريها  لابن واحد اوائل الستينات بما لا يزيد عن اربعة او خمسة جنيهات، اصبحت اليوم لا تقل عن 8 الاف جنيه لتشترى البراندات.

كنا وقتها نفرح بالقليل وأذكر أن منزلنا كان ملاصقا للمركز العام السابق للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية ومسجدها، وتربينا على يد الشيخ امين خطاب، إمام أهل السنة ، وكانت عيديته لى عام 1962 تقريبا قرش تعريفة جديد »نوفى» والتعريفة كانت خمسة مليمات، كنت اشترى بـ 2 مليم «كبشة» كراملة، وبـ 2 مليم اخرى باكو بسكويت وبالباقى مصاصة.

الان العيدية للطفل عشرات الجنيهات. ومع ذلك ذلك لازلت استشعر فرحة العيد فى صلاتها وتكبيراتها وأتقاسم هذه الفرحة مع احفادى برؤية السعادة فى وجوههم حين أوزع العيدية عليهم لتعيد لى هذه المشاعر نوستالجيا فرحة الطفولة بعيدية التعريفة والخمسة قروش الورقية  الجديدة اللى» تدبح « لحدتها والتى كنا نباهى بها أقراننا ونتنافس فيمن يجمع اكبر عدد منها وكانت فى أحسن الاحوال لا تزيد عن 35 قرشا، الا انه كان مبلغا يشترى الكثير. وكل عصر وله أذان. وكل عام وأنتم بخير.