خارج النص

محو أمية خريجى «التابلت»!!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

فى أسبوع واحد تجمعت أمامى ثلاث رسائل، لا أعتقد أنها كانت من قبيل الصدفة، الأولى كانت اختباراً تداولته صفحات التواصل الاجتماعى لاختبار إتمام الشهادة الابتدائية فى مادة اللغة العربية فى مصر عام 1913، والامتحان يتضمن أسئلة يعجز بالفعل خريجو جامعات اليوم بل وحاصلون على درجات علمية رفيعة فى الإجابة عليها.

الرسالة الثانية كانت حديثاً مشتركاً مع بعض أعضاء هيئة التدريس فى إحدى مؤسسات تدريس الإعلام، وكان القاسم المشترك فى الحديث هو التراجع الواضح فى مستوى الدفعات الجديدة، ليس فقط ما يتعلق بجدية التحصيل والرغبة فى التعلم، بل على مستوى المهارات الأساسية، وأبرزها القراءة والكتابة، فهناك معدل مزعج من أخطاء الإملاء، وعجز الطلاب عن التعبير والإجابة على الأسئلة المقالية بطريقة مرضية، هذا فضلاً عن غياب شبه كامل لمهارات التفكير النقدي!! .

أما الرسالة الثالثة فكانت تقريراً صحفياً يتناول قرار الحكومة السويدية بعد سنوات طويلة من الاستثمار فى تقنيات التعليم الإلكتروني، بالعودة إلى وسائل التعليم التقليدية، الكتاب والأوراق والأقلام، والسبب أن دراسات تقييم مستوى خريجى المنظومة التعليمية فى السويد، وبالمناسبة هى من بين الأكثر تقدماً فى المجال التعليمي، ويُضرب بها المثل فى جودة التعليم ومخرجاته، كشفت عن تراجع واضح فى قدرات الطلاب على القراءة والكتابة والتعبير السليم والواضح عن أفكارهم.

الدراسات السويدية أرجعت الأمر إلى الاعتماد على الوسائل الإلكترونية فى التعلم، وتقديم مادة سهلة لا يبذل الطالب جهداً فكرياً فى تحصيلها، بل يعتمد على الأسئلة المغلقة MCQ)) التى لا تنمى مهارات التعبير والتفكير النقدى والقدرة على التعبير.

ورغم الاعتراف بالإمكانات التى يوفرها التعليم الإلكتروني، بل وحتى التعليم عن بعد، والذى برز بقوة خلال جائحة كورونا، إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذا النمط يؤدى إلى تراجع فى مستوى التعليم والتحصيل، بل وفى المستوى المعرفى والثقافى للأجيال الجديدة، فالاعتماد على الوسائل التكنولوجية قد يوفر لهم المعلومات، لكنه لا يدعم المعرفة، وشتان بين المصطلحين.

بل إن إفراط الأجيال الجديدة فى الاعتماد على الأجهزة، وبخاصة الهواتف الذكية جعلهم أقل تركيزاً وأكثر تشتتاً، وأضعف قدرة على التعامل مع الموضوعات التى تتطلب تعمقاً أو جهداً من أجل بناء علاقات متعددة بين عناصرها، وبالمناسبة هذا ليس رأياً شخصياً، بل نتائج رصدتها العديد من الدراسات العلمية التى أجريت على الجيل «زد» وما يليه من أجيال أصغر، وكلما قل عمر مستخدم تلك الأجهزة، تضاعف التأثير.

لا أبالغ ولا أتهكم، عندما أقول إننا بحاجة إلى محو أمية الدفعات التى تتخرج عبر الدراسة على التابلت والأجهزة التكنولوجية، وهذا ليس عيباً، بل يمكن أن يكون من بين إجراءات عديدة لمواجهة الحقيقة وإصلاح ما يمكن إصلاحه فى مجال التعليم.

وهنا أقترح أن يُضاف عام قبل السنة الأولى للدراسة الجامعية، يمكن أن نطلق عليه عاما تمهيديا أو جسرا إلى الجامعة، يتم خلال هذا العام التركيز على استعادة مهارات القراءة والكتابة الصحيحة، ورفع مستوى اللغات العربية والأجنبية، وقدرات البحث العلمى الأساسية، على أن تشرف جهة واحدة فقط على هذا البرنامج، وأن يكون اختباره موحداً فى التخصصات المتشابهة، بحيث نضمن مستوى معيارياً، لا تتدخل فيه اعتبارات الربح والخسارة فى بعض الجامعات، ومن يجتاز هذا البرنامج يصبح مؤهلاً لاستكمال مساره الجامعي، ومن لا يستطيع فعليه أن يعيد دراسة البرنامج لعام إضافي، أو يتم تحويل مساره إلى مستوى دراسى أقل.

أتمنى أن ننتبه إلى خطورة الأمر، وأزمة الكفاءة التى يمكن أن يؤدى إليها، وأن تجرى مراجعة شفافة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.