«الشيطان يعظ»!

النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب

فى إحدى قصائده، يقول الشاعر العربى المعروف أبو الأسود الدؤلي: لا تنه عن خلقٍ وتأتى مثله… عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ.

وقديمًا قيل، فى عيون الحكمة: «إن حال رجل وسط ألف رجل، خير من وعظ ألف رجل لرجل».

ومن حين إلى آخر، تطل علينا بعض الشخصيات المشهورة فى مواقع التواصل الاجتماعي، وهى تقدم لنا آراء ومواعظ أخلاقية، باعتبار أنهم «قدوة» للأجيال الجديدة من جمهور هذه المواقع، التى باتت الشغل الشاغل للناس جميعًا.

ويتعمد هؤلاء المشاهير «التنظير» فى كل شئون الحياة، على الرغم من أنهم قمة فى الانحلال والتفسخ الأخلاقي، سواء فى ذلك من انجرفوا فى دوامة تعاطى المخدرات، أو حتى فسادهم المالى أوعدم انتمائهم لوطنهم الذى احتضنهم وأعطاهم الكثير فى ظل أوطان أخرى ضاعت بلارجعة وأصبحت شعوبها بلا هوية ولا وطن يؤويهم

أنا لا أقصد هنا أحدًا بعينه، ولكن تابعوا بعض مشاهير المُغردين على السوشيال ميديا، وهم يدلون بدلوهم فى كل ما يخص الشأن العام بشكل يومي، ويقدمون لنا «المواعظ» كأنهم قديسون، بينما الحقيقة أنك لا تملك عندما تقرأ هذه المنشورات والتغريدات، سوى أن تجزم بأن «الشيطان يعظ» حقًا!

نعم لكل قاعدة شواذ، ولكن يجب على الدولة متابعة ما يُكتب على مواقع التواصل المختلفة، من قِبل أشخاص قد يتخذهم بعض الشباب غير الواعى قدوة لهم، لكى تقوم الجهات المعنية بتفنيد هذه الكتابات ودحضها أولًا بأول، وبيان أن الكثير منها إنما هو «محض أكاذيب»، ما أنزل الله بها من سلطان.

ومن المعلوم، أن كثيرًا من القيم والسلوكيات تنتقل إلى الآخرين عن طريق القدوات، فالإنسان بطبعه ميّال إلى التقليد والمحاكاة، ولا سيما فى مراحل حياته الأولى، ولذلك يقول المختصون فى علم النفس إن 70% من المهارات والمعلومات التى يكتسبها الطفل تكون من خلال التقليد والمحاكاة، ومن هنا ندرك أهمية القدوة إن كانت صالحة، وخطورتها الجسيمة على الفرد والمجتمع عندما تكون فاسدة.

وعلى مر التاريخ، كانت القدوة الحسنة هى إحدى ركائز بناء الإنسان والحضارات، فقد اقتدى الناس دائما بالأنبياء والمصلحين والذين كانت أفعالهم تطابق أقوالهم، فقد حذر الله - عز وجل - من مخالفة القول للفعل، الأمر الذى ينفى كون الإنسان قدوة بين الناس، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

ووجود «قدوة» من هذا النوع، يخالف قولها فعلها، كما نرى بأعيننا فى الوقت الراهن، يعد أزمة كبرى فى عملية التربية، وهذا هو ما يؤكد عليه عالم التربية الأمريكى الدكتور جون هولت فى كتابه بعنوان «كيف يفشل الأطفال»، قائلًا: «ليس علينا أن نجعل البشر طيبين، فقد ولدوا طيبين بالفعل، كل ما علينا فعله هو التوقف عن فعل الأشياء التى قد تجعلهم أشرارًا»!

ولقد كان جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، قدوة حسنة لأقوامهم وأهلهم، وهذا يدل على عِظَم وأهمية القدوة الحسنة، التى هى من الضرورات الفطرية للبشر، فالإنسان يحتاج إلى نموذج يقتدى به، وفق ما هو معروف فى وسائل التربية

ونحن نجد فى جميع مراحل سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وفى أخلاقه وصبره ومصابرته، عظيم القدوة والهدى الحسن، فقد قال الله تعالى فى حقه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). 

وإذا تكلمنا عن المهن والوظائف الحرة، كالمحامى أو الطبيب أو المهندس، أو المعلم أو الصنايعى الحر.. كيف لى أضمن وأنا تحت يده يدافع عني، أو يعالجني، أو يُشيد لى مبنى ما، أو ينجز لى عملاً احتاج إليه

أنه ليس مدمنًا أو فاسدًا أخلاقيًا وماليًا؟

المسألة، فى نهاية المطاف، هى مسألة ضمير. ولا يعلم أحد سوى الله سبحانه وتعالى ما تخفيه الضمائر، وما تضمره  الأنفس
وأن ماتربى عليه الإنسان  وتعلمه سيبقى معه يلازمه كظله.

وهنا أنبه الاباء والامهات على ضرورة متابعة ابنائهم خاصة عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعى لأنها للأسف أصبحت تعلم الأجيال الحديثة  وعليها شخصيات ما أنزل الله بها من سلطان وتتخذ للأسف قدوة حسنة

أخيرًا، يقول الله تعالى: (أُولَئكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).