ذكرايات إذاعية| عندما استضافت قريتي نجوم السينما

فهمي عمر
فهمي عمر

فى منتصف ديسمبر سنة ١٩٥٢ والثورة المجيدة فى بواكير أيامها رأى البعض من رجالاتها أن يسيّروا قطارات تجوب أنحاء مصر تجمع معونات عينية ومادية لأبناء الشقيقة فلسطين الذين أصابتهم نكبات حرب سنة ١٩٤٨ وأصبحوا مُهجّرين فى بعض من البلدان العربية وكانت مصر صاحبة النصيب الأوفر منهم.

وأطلق المسئولون صفة الرحمة على هذه القطارات التى كان عددها ثلاثة، قطار اتجه من القاهرة إلى الإسكندرية مارًّا بعواصم مديريات الوجه البحرى وقطار اتجه إلى بورسعيد مارًّا بمديريات ومدن شرق الدلتا انتهاءً ببورسعيد وقطار اتجه إلى الصعيد جنوبًا إلى أسوان وبالطبع كان من نصيبى أن أكون المذيع الذى صاحب قطار الصعيد والذى سافر فى رحلته إلى مدن الجنوب مجموعة من الفنانين ونفس الأمر اتُبع فى القطارين الآخرين حيث ساهم الفنانون فى هذه الرحلات ليجمعوا المعونات للأشقاء وكانت مجموعة الفنانين الذين سافروا فى قطار الصعيد تتكون من عز الدين ذو الفقار وزوجته فاتن حمامة ومحمود ذو الفقار وزوجته مريم فخر الدين، ومحمد فوزى وزوجته مديحة يسرى بالإضافة إلى عماد حمدى وثريا حلمى كما ضم ماجدة ووالدتها وشادية ووالدتها لأنهما فى ذلك الوقت لم تكونا قد تزوجتا بعد إضافة إلى هؤلاء صاحبنا أيضًا الناقد الفنى جليل البندارى صاحب العمود الشهير فى آخر ساعة بالإضافة إلى مقالاته فى الفن عمومًا.. استغرقت رحلة العودة لقطار الصعيد ست عشرة ليلة وكنا بالطبع ننام ونتناول وجباتنا الغذائية فى القطار، اتجه القطار دون توقف إلى اسوان فوصلها صباح اليوم التالى ليستقبلنا مدير مديرية أسوان وأعيان المديرية «لم يكن نظام المحافظات قد طبق»، والآلاف من الجماهير وطلبة المدارس فى زى الكشافة والجميع يلوح باللافتات التى تمجد ثورة ٢٣ يوليو وبعد ليلة فى أسوان جاد خلالها الكثيرون بالعطايا والتبرعات للأشقاء كما غنى فيها محمد فوزى على مسرح المدينة وكذلك ثريا حلمى وصعد بقية الفنانين لتحية الجماهير بعد هذه الليلة تحرك القطار شمالًا ليقف فى إسنا والأقصر وكانت التبرعات تجمع فى عربات بضاعة والتى عندما تمتلئ بالمؤن تنفصل عن القطار وتوضع بدلًا منها عربات فارغة وهكذا كانت العربات تمتلئ بالمعونات فى كل محطة يقف عليها القطار والتى على أرصفتها يتجمع الآلاف من المواطنين والأعيان يرحبون بنا ويقدمون تبرعاتهم وكذلك يقدمون اللحوم والديوك الرومى والفراخ وتوضع هذه المأكولات فى ثلاجات القطار لتطبخ لنا وتقدم فى وجبات الغداء والعشاء ووصلنا إلى مديرية قنا وكان الاستقبال فى محطات مدنها زاخرا بالكرم والتبرعات إلى أن وصل القطار إلى نجع حمادى وكنت قد هاتفت والدى يرحمه الله وأنا فى الأقصر قائلًا إنه لابد من تقديم واجب الضيافة لمن معى فى القطار رحب الوالد وقال أنا فى انتظاركم فى محطة نجع حمادى المركز والذى تتبعه قريتى وقبل الوصول كنت قد قدمت الدعوة للنجوم والسادة الضباط المشرفين على الرحلة..

وعلى رصيف محطة مدينة نجع حمادى كان الوالد يقف ومعه أفراد من عائلتى وجمع كبير من أبناء قريتى واعتذر كل من محمود ذو الفقار وزوجته ولبى الدعوة بقية الفنانين حيث استقل الجميع السيارات فى السابعة مساءً ووصلنا إلى القرية بعد حوالى نصف ساعة ولم تكن الكهرباء قد دخلت إلى القرى فى تلك الأيام بل كانت الكلوبات هى وسيلة الإضاءة وعلى ضوئها سار الموكب من مشارف القرية إلى دوار العائلة وكان بالطبع على رأس قائمة الضيوف السادة الضباط المشرفون على الرحلة وأذكر منهم العميد عبدالهادى عمر والبكباشى عبدالرحمن حسني «يرحمهما الله» وفى التاسعة دعاهم الوالد إلى تناول العشاء ثم أمضينا بقية السهرة فى صالونات الدوار لنعود بعد ذلك إلى القطار الذى تحرك فى طريقه إلى سوهاج وهكذا أمضينا حوالى أسبوعين إلى أن وصلنا إلى القاهرة فى الثانى من يناير سنة ١٩٥٣ وأذكر أننا احتفلنا بليلة رأس السنة فى العربة التى كنا نتناول فيها الوجبات وأقول إن الصداقة توطدت بينى وبين مجموعة الفنانين الذين سافروا فى الرحلة وأسهموا إسهامًا رائعًا فى جمع المعونات للأشقاء وكذلك أذكر أن الحب أوقع شباكه بين شادية وعماد حمدى خلال هذه الرحلة فكان زواجهما بعد أسابيع قليلة من انتهائها وفى السياق أقول إن مصاحبة المذيع الشهير الراحل جلال معوض لقطار شرق الدلتا المتجه من القاهرة إلى بورسعيد كانت السبب فى تعرف المذيع الشهير بفاتنة الشاشة ليلى فوزى فقد كانت هى وزوجها عزيز عثمان فى ذات الوقت ممن سافروا من النجوم فى هذه الرحلة وكان جلال هو مذيعها وعقب انفصالها عن عزيز عثمان وزواجها من أنور وجدى وكان جلال يزورها من حين إلى آخر ثم بعد وفاة أنور وجدى كان الزواج الذى استمر سنوات إلى أن رحل جلال إلى عالم البقاء واختتم بأن رحلة قطار الرحمة إلى الصعيد كانت أيضًا بداية للشقاق الذى أدى بعد انتهاء الرحلة بعدة شهور إلى طلاق المخرج الكبير من زوجته الفنانة الأشهر وبمناسبة ما ذكرته خاصة بجلال معوض فإننى أرجو أن أتحدث عنه وعن تاريخه الإذاعى فى ذكريات تالية..

ساردًا قصة تعيينه فى الإذاعة محررًا بمراقبة الأخبار ثم أصبح مذيعًا، كان أكثرنا شهرة وصيتًا لدى المستمع ثم وصل إلى منصب كبير المذيعين وكان هو مذيع كل المؤتمرات والاحتفالات التى يحضرها الزعيم جمال عبدالناصر إلى أن جاء الرئيس السادات فحدثت جفوة أدت إلى خروجه إلى المعاش مع العديد من زملائه الإذاعيين وهم فى سن الزهور وبعضهم نقل إلى جهات حكومية بعيدًا عن الإذاعة وسافر جلال ليعمل فى الإذاعة الليبية ولكنه لم يطق العيش بعيدًا عن مصر وعن صداقاته التى ارتبط فيها بالوسط الفنى وتهيأت له فرصة العمل فى وزارة الثقافة إلى أن رحل عن دنيانا بعد إحالته إلى المعاش بسنوات قليلة ولكن قصة جلال معوض لم تنته بعد وللحديث بقية.