من وراء النافذة

«خادم الشعب» .. زيلنسكى أم فاسيلى؟

هالة العيسوى
هالة العيسوى

فقط، بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، بدأ الاهتمام فى العالم العربي، وربما فى الغرب بالمسلسل الأوكرانى « خادم الشعب»، بطولة وإنتاج الممثل الكوميدى فلوديمير زيلنسكي، الذى أصبح فيما بعد رئيسًا لأوكرانيا، مع إن المسلسل قديم يعود أول مواسمه الثلاثة إلى عام 2015 و ظهر آخرها فى 2017، حتى عندما بدأت المنصات الخاصة مثل نتفليكس، فى إعادة بثه عام 2021، أى بعد انتخاب زيلنسكى رئيسًا لأوكرانيا، قصرت البث على 33 دولة، لم يكن لمصر نصيب منها إلا فى الشهر الجارى فقط.

عندما أتيحت لى الآن مشاهدة هذه الدراما التى يمكن إدراجها تحت تصنيف الكوميديا السياسية، لتناولها السياسة الأوكرانية المعاصرة، تداعت إلى ذهنى فضيحة تسريبات الوثائق الأمريكية السرية الأخيرة التى كشفت عن قلق واشنطن من عدم كفاية وقدرة أوكرانيا على صد القوات الروسية، واستدعيت شعور الاستياء الذى لاح فى تصريحات الرئيس زيلنسكى لصحيفة واشنطن بوست، من عدم تحذير واشنطن له من تسرب الوثائق قبل انتشارها فى الصحف، وعدم إبلاغه بالمعلومات الواردة فى الوثائق.

 لم أستطع مقاومة الربط بين هذه الأحداث وبين الصورة الدرامية للرئيس التى قدمها زيلنسكى فى المسلسل، سرح خيالى وتساءلت عن كيفية النظرة التى تنظر بها واشنطن للرئيس الأوكرانى الحالي، ودرجة تقييمها له كسياسى كفء مؤهل لقيادة بلاده، هل نظرت إليه واشنطن من زاوية نجاح تجربة رئيسها الأربعين دونالد ريجان، الذى بدأ حياته ممثلًا، ثم انخرط فى النشاطات النقابية والسياسية ؟ هل ترى فى زيلنسكي، ما رآه الأوكرانيون الذين انتخبوه رئيسًا، ذلك البطل الجرىء الذى يقود بلاده للتخلص من بقايا الشيوعية نحو الليبرالية والديموقراطية الغربية، ويقاوم الهيمنة الروسية؟ أم أنها تنظر إليه من خلال دوره فى المسلسل كشخص عديم الخبرات أو المهارات السياسية، وجد نفسه بالصدفة فى سدة الحكم، إلا أنها مضطرة لمساندته، لمجرد أنه يواجه روسيا عدوهما المشترك، فى حرب غير متكافئة القوى، وبالتالى فمن الضرورى أن تكون هناك مساندة ولكن محسوبة وبتحفظ، وأن تكون خطواته مراقبة وتحت السيطرة؟ .

الفارق فى الحالة الأخيرة، أن زيلنسكى الرئيس الواقعى كان منتجًا سينمائيًا وممثلًا كوميديًا، أما زيلنسكى الرئيس فى الدراما فكان أستاذًا للتاريخ بالمرحلة الثانوية، وهو فارق مهم له دلالته، فأستاذ التاريخ يستحضر تجارب الماضي، ويستوعب فلسفته، ولديه رصيد فكرى يتعلم منه، رغم حداثة تجربته فى الحكم، أما الممثل المحبوب فيستند إلى جماهيرية وظهير شعبي، وربما بعض الخبرة السياسية القصيرة التى اكتسبها بعد نجاح هذا المسلسل محليًا، وكان سببًا مباشرًا فى انخراطه فعليًا فى السياسة الأوكرانية؛ لدرجة أنهم أسسوا حزبًا سياسيًا أطلقوا عليه اسم المسلسل التليفزيونى « خادم الشعب». 

لسوء حظى لم أشاهد لزيلنسكى الممثل سوى هذا العمل على الرغم من وجود أفلام سابقة له، حمل أداؤه بعض لمحات من أداء الممثل البريطانى الكوميدى روان أتكنسون صاحب شخصية د. بن، ولعل تشابهًا فى الملامح وحجم الجسم كانا السبب فى هذه المقاربة، ويبدو أن دوره فى مسلسل خادم الشعب لامس مشاعر وطموحات الأوكرانيين، لدرجة أننى لم أتمكن من تحديد هل انتخب الأوكرانيون الفنان فلوديمير زيلنسكي، أم الأستاذ فاسيلى بتروفيتش جلوبورودكو؟ .