الكوميسا واقتصاد مصر وأهمية جولة الرئيس الإفريقية| تحليل

جانب من اللقاء
جانب من اللقاء

"لقد عاهدتكم، عند تسلم رئاسة التجمع عام 2021 بالعمل بكل جهد وإخلاص، لتعميق التكامل الاقتصادى بين دول الإقليم .. والآن.. وبعد انتهاء فترة رئاسة مصر للكوميسا، فإننى أجدد عهدى لكم، باستمرار العمل بالتنسيق مع كافة أشقائنا، نحو تنفيذ أهداف أجندة التنمية الإفريقية 2063 لاسيما مع تولى مصر، رئاسة الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقى "نيباد"، على مدى العامين القادمين. وفى الختام، اسمحوا لى أن أعلن، انتهاء فترة رئاسة مصر للكوميسا، وإنه لمن دواعى سرورى، أن أقوم بتسليم مسئولية رئاسة التجمع، إلى أخى الرئيس "هيتشيليما"، رئيس جمهورية زامبيا.. وإننى لعلى ثقة تامة، بأنه سيبذل كل ما فى وسعه، للبناء على منجزات الرئاسة المصرية.. متمنيا له، ولحكومته السداد والتوفيق .. كما أود الإعلان، عن هيئة المكتب الجديدة لقمة الكوميسا؛ والتى تتشكل من جمهورية زامبيا رئيسا، وجمهورية بوروندى كنائب للرئيس، وجمهورية مصر العربية كمقرر".

هكذا اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمته اليوم خلال أعمال القمة الثانية والعشرين للسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى - كوميسا".. فما هى السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى - كوميسا"؟، وما هى أهميتها لمصر ولإفريقيا؟، وماذا قدمت مصر خلال رئاستها للكوميسا؟، وأسباب وأهمية قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بجولة إفريقية تشمل ثلاث دول أفريقية هى انجولا وزامبيا وموزمبيق، نستعرضها ببساطة من خلال التحليل التالي.


ما هى السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى - كوميسا" ؟ ..


تأسست السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي (الكوميسا)، في عام 1994، بهدف تعويض منطقة التجارة التفضيلية السابقة (PTA).
وبدأت اتفاقية الكوميسا كمنطقة تجارة تفضيلية تهدف للوصول لإقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتتطور لتصبح اتحادا جمركيا ثم سوقاً مشتركة.
والسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي - الكوميسا؛ هى معاهدة تجمع بين مجموعة من الدول المستقلة والحرة وذات السيادة التي توافق على التعاون من أجل تنمية مواردها الطبيعية والبشرية. وبالتالي، فإن الهدف الرئيسي للكوميسا هو تكوين وحدة اقتصادية وتجارية مهمة من خلال التكامل الإقليمي، تهدف إلى تعميق الاندماج الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية ما بين دول التجمع، بالتناغم مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية.
ودخلت منطقة التجارة الحرة القارية، حيز النفاذ في يناير 2021 كما صاحب التقدم المحرز، في التكامل الاقتصادي القاري، وصدق على معاهدة الكوميسا، 21 دولة، لتمتد السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، على مساحة قدرها حولي 12 مليون كيلومتر مربع بإجمالي ناتج محلي عالمي يتجاوز 768 مليار دولار وبعدد سكان يبلغ حوالي 583 مليون نسمة.
وتضم دول الكوميسا، مصر، وبوروندي، وجزر القمر، والكونغو الديموقراطية، وجيبوتي، وإريتريا، وكينيا، وإثيوبيا، وإيسواتيني، ومالاوي ومدغشقر وليبيا وسيشيل ورواندا وموريشيس وتونس والسودان والصومال وزامبيا وزيمبابوى وأوغندا.


ما هى أهمية الكوميسا لمصر ولإفريقيا؟..


وقعت مصر على الانضمام إلى اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا) في 29/6/1998 وتم البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء اعتبارا من 17/2/1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل للسلع التي يصاحبها شهادة المنشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة.

اقرأ أيضا المشاركون بالكوميسا يعربون عن تقديرهم للإنجازات التي تحققت خلال الرئاسة المصرية


ووفقا لهيئة تنمية الصادرات المصرية التابعة لوزارة التجارة والصناعة، تمثل الدول الأعضاء، سوقاً رحبة ومتنفساً للعديد من المنتجات المصرية، بجانب الاستفادة من الإعفاءات المتبادلة، حيث توجد 11 دولة، انضمت إلى منطقة التجارة الحرة التابعة للكوميسا وتقوم تلك الدول بمنح وارداتها من الدول الأخرى إعفاء تاماً، بالإضافة إلى قيام مصر بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع باقي الدول الأعضاء .


كما يمكن الاستفادة من هيكل واردات الدول الأعضاء حيث تُقبل تلك الدول على استيراد العديد من السلع التي تتمتع مصر بميزة عالية في إنتاجها يأتي على رأس تلك القائمة الأرز والمواد الغذائية و الأدوات المنزلية و البصل المجفف والسيراميك و الأدوات الصحية و الأدوية ثم إطارات السيارات و منتجات الألومنيوم والحديد والصلب و الغزل والمنسوجات و الأحذية .


ويتضح من هيكل إنتاج الدول الأعضاء أنها دولاً تعتمد على تصدير خامات ومواد خام وسلع رئيسية مثل النحاس والبن والشاي والجلود الخام و الماشية اللحوم و السمسم و الذرة والتبغ وهي سلع هامة يؤثر منحها الإعفاء على رفاهية المستهلك المصري.
كما يمكن الاستفادة من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الأفريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات إلى دول إفريقيا .


وتنص المادة 158 من اتفاقية الكوميسا على تشجيع التعاون في مجالات الاستثمار، كما تنص المادة 164 على تحرير التجارة في الخدمات مما يتيح الفرصة لمصر لتصدير الخبرات الفنية خاصة مع تفوق مصر في مجال التجارة في الخدمات وبالأخص أعمال المقاولات، كمل تنص الاتفاقية على إقامة نظام متقدم لتبادل المعلومات داخل الدول الأعضاء.


هناك مكاسب أخرى ناجمة عما تضمنه الاتفاق في مجال التعاون الصناعي والزراعي وكذا في مجال النقل والمواصلات.


كما تهدف الكوميسا، إلي تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتعزيز التجارة الحرة بين الدول الأعضاء، وتعزيز التعاون في مجالات مثل الطاقة والنقل والاتصالات والتعليم والتكنولوجيا، كما تعمل "الكوميسا " على تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الاعضاء .


وتحاول الكوميسا، الاستجابة للاحتياجات الخصوصية للمنطقة مرتكزة على مؤسساتها. وبالتالي، يتم وضع الخبرة الإفريقية في المجالات المستهدفة في خدمة رواد الأعمال، وتشارك المؤسسات المالية التابعة للكوميسا في تنمية المهارات  ودراسات السوق المتعمقة.


وتتيح المؤسسات المالية التابعة للكوميسا؛ توفير  التمويلات اللازمة من خلال بنك التجارة والتنمية، وتوفير خدمات التأمين وإعادة التأمين للمخاطر غير التجارية من خلال وكالة التأمين التجاري الإفريقي، وشركة إعادة التأمين ZEP - Re (PTA)، تسهيل المدفوعات الدولية بفضل نظام الدفع والتسوية الإقليمي، ودعم المنافسة في المنطقة من خلال لجنة المنافسة في الكوميسا.

 

ماذا قدمت مصر خلال رئاستها للكوميسا؟..


تلعب مصر دورًا حيويًا في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول الأفريقية، فهى بوابة أفريقيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا، كما تعد مصر واحدة من الدول الرائدة في إفريقيا من حيث الاستثمار والتجارة، نظراً لتمتعها بموقع استراتيجي يجعلها مركزًا للتجارة بين دول شمال وجنوب القارة الإفريقية، و مصر ثالث أكبر اقتصاد فى افريقيا من حيث الناتج المحلى الإجمالي، بعد نيجيريا وجنوب إفريقيا.


وتولت مصر قيادة تجمع "الكوميسا"، على مدار العامين الماضيين فى فترة شديدة الدقة، شهدت تطورات مهمة، على المستويين الدولى والإقليمى ولقد وضعت مصر أمام أعينها، أهدافا محددة، خلال رئاستها للتجمع، ترتكز على دفع معدلات التكامل الاقتصادى، من أجل تعزيز مستوى رفاهية شعوبنا، بالإضافة إلى تعزيز مقدرات السلم والأمن بدولنا، غير أنه وبالرغم من النجاحات التى تم تحقيقها، فلا يزال أمامنا الكثير، لتوظيف تكاملنا الإقليمى لمواجهة التحديات الراهنة. 


واستعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمته اليوم خلال أعمال القمة الثانية والعشرين للسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى - كوميسا"، أبرز الإنجازات على مدار العامين الماضيين، وهى؛ تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية، وتحقيق التناغم بينها وبين اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية، بين تجمعات "الكوميسا" و"السادك" و"شرق إفريقيا" عبر إجراءات محددة، لحث الدول الأعضاء على تنفيذ الإعفاءات الجمركية، وتيســير حركـــة التبــادل التجـــارى فيـما بينـها، حيث أسفرت تلك الجهود، عن زيادة الصادرات البينية لدول "الكوميسا" لتصل إلى "13" مليار دولار عام 2022، وهى القيمة الأعلى، منذ إنشاء منطقة التجارة الحرة، فى إطار التجمع عام 2000 بجانب ارتفاع حجم التبادل التجارى بين مصر ودول "الكوميسا" فى ذات العام، إلى أعلى قيمة لها منذ انضمام مصر للكوميسا، ليصل إلى 4.3 مليار دولار.


وفى ذات السياق، قدمت مصر مبادرة التكامل الصناعى الإقليمى، فى إطار استراتيجية التصنيع بالكوميسا 2017 – 2026  والتى تهدف إلى تعميق الإنتاج الصناعى، من خلال ربط سلاسل القيمة الإقليمية، وفقا للميزة التنافسية للدول وأود فى هذا الصدد، تثمين دور وكالة الاستثمار الإقليمية بالكوميسا، التى تستضيفها مصر، لجذب الاستثمارات إلى دول التجمع، مع ضرورة الاستمرار فى الجهود الجارية، لتوجيه تلك الاستثمارات إلى القطاع الصناعى. 


اتصالا بما تقدم، ركزت مصر على قطاع البنية التحتية، من خلال تشجيع مشروعات الربط بين الدول الأعضاء، ومن أبرزها، مشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، حيث أدعو الأمانة العامة، لتكثيف الجهود لحشد الموارد المالية اللازمة، لتنفيذ تلك المشروعات.
وألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الضوء على أحد المشروعات، التى تمثل فخرا لقارتنا، والذى أثبت وجود ثمار حقيقية للتعاون بين دولنا، حال توفر الإرادة السياسية، وهو مشروع سد "جوليوس نيريرى" العملاق فى دولة تنزانيا الشقيقة الذى يتم تنفيذه بأياد مصرية وتنزانية، وسيولد طاقة كهربائية تقدر بـ"2.5" جيجاوات حيث أثبتت الشركات المصرية المنفذة للمشروع، امتلاكها خبرات وقدرات، تمكنها من تنفيذ مشروعات بمقاييس عالمية وهى الخبرات التى تتطلع مصر، لمشاركتها مع دولنا الإفريقية الشقيقة.


أما فى مجال التصنيع الدوائى، فقد كان من الضرورى، تسليط الضوء على القطاع الطبى والصحى بالكوميسا، لاسيما فى ظل التحديات، التى فرضتها جائحة "كورونا"، وبناء عليه، قدمت مصر مقترحا، لإنشاء لجنة الصحة بسكرتارية الكوميسا،  كما استضافت الدورة الأولى، للمؤتمر الطبى الإفريقى، الذى تنعقد نسخته الثانية حالياً، لبحث ســبل الاســـتثمار فــى هــذا المجــال الحيــوى، فضلا عن تزايد الاهتمام، الذى وجهته مصر، للاستثمار فى توطين صناعة الدواء واللقاحات وصولا للإعلان عن تقديم مصر لـــــ"٣٠" مليون جرعة، من لقاحات فيروس "كورونا" إلى الدول الإفريقية، وبما يؤكد دور مصر، كمركز إقليمى لتصنيع اللقاحات الطبية. 


أهمية قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بجولة إفريقية..


وأخيرا، بدأت مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مسئولية رئاسة الدولة المصرية في عام 2014، وهى تتحرك بخطى ثابتة ومتقدمة نحو تعزيز وتعميق تواجدها الإفريقى فى كل الأنشطة ومجالات التعاون والتعامل والتبادل الاقتصادى والسياسى والأمني والثقافى.


لعل أحدثها استضافة مصر في الفترة من 22 إلي 26 مايو الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الافريقى للتنمية، بمشاركة 81 دولة من الدول ضمن مجموعة بنك التنمية الإفريقي، وحضر الجلسة الافتتاحية لها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعدد من رؤساء الدول الإفريقية، والتي شاءت الأقدار أن أكون أحد المشاركين والحاضرين بها لألمس بنفسي عمق العلاقات المصرية الإفريقية على جميع المستويات، ومدى تميز التنظيم لهذه الاجتماعات الهامة والتي شارك بها حضور رفيع المستوى من 81 دولة من الدول الأعضاء لتبرز النجاح الكبير الاي حققته الدولة المصرية في هذا الملف.


كما بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى، هذا الأسبوع جولة افريقية تشمل انجولا وزامبيا وموزمبيق، بغرض تكثيف التواصل والتنسيق مع الدول الإفريقية لدعم التعاون فى  المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.


وتتضمن مشاركة الرئيس السيسي، فى أعمال القمة الثانية والعشرين للسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى - كوميسا، وتكتسب تلك الزيارة أهميتها الخاصة لأنها متوجهة إلي 3 دول فى جنوب القارة؛ بما يعزز التوجه المصرى الاستراتيجى والاهتمام بكل الدول الإفريقية وليس دول الشمال الإفريقى فقط.


كما أن هذه الدول تعد فرصة مناسبة للتعاون الاستثماري والتجارى والتبادل السلعى وتوفر الأسواق  الواعدة لاستقبال سلع التصدير المصرية، كما أن تلك الدول لديها امكانيات جيدة فى مواد تحتاجها مصر كالنفط.


ويساهم تعزيز العلاقات بين مصر وإفريقيا لدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ويعمل على تعزيز السلم والأمن في القارة الإفريقية والعالم بشكل عام.