الأردن في عيد استقلاله

مسيرة التحديث الوطني والتعاون العربي المُنتج

السفير أمجد العضايلة
السفير أمجد العضايلة

يحلُّ العيد الــ77 لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية فى ظل مسيرةٍ يتعزُ بها الأردنيون والأردنيات؛ حملت لهم دولةً ناجزةً ووطناً محصّناً بمؤسساته الراسخة ومحمياً بزنود وعيون أبنائه، محصنين بثقةٍ والتفافٍ حول قيادتهم، مدفوعين بإيمانهم بهذا الحمى العربى وبأملِ الغد المشرق، الذى عبروا، فى الطريق نحوه، محطاتٍ من الوحدةِ والتكاتفِ، مكلّلةً بالعطاءِ والبذلِ والتضحيات، التى ستبقى عنواناً ماثلاً فى تاريخ الأردن وشعبه الوفي.

والاستقلال، الذى كان ثمرة نضالٍ قاده الهاشميون وأبناء شعبهم منذ تأسيس الإمارة وانتقالها لبناء الدولة فمملكةً ناجزةً راسخة، يأتى مناسبة عزيزة تُشكّل محطةً تاريخيةً شامخة، بما حملته من تأسيسٍ لتحرر القرار الوطنى وتعزيزاً للسيادة الكاملة، لتنطلق منذ لحظتها جهودٌ متضافرةٌ للشعب الأردنى، متسلحاً برؤية قيادته الحكيمة ومستنداً إلى إرث عروبى قومى جسدته قيم ومبادئ الثورة العربية الكبرى، لبناء دعائم الدولة الحديثة وتعزيز مسيرةٍ ممتدة، تغلّبوا فيها على الصعب وتجاوزا التحديات، وبقى الأردن على دربٍ الإنجاز، رغم معيقاتٍ وظروفٍ صعبةٍ، لم تجد فى وجهها إلا تصميماً وإصراراً شكلته العزيمة الوطنية الصادقة.

إن النضال الوطنى المشرّف والإرادة الصادقة والعزيمة الصلبة، التى حملها المغفور له بإذن الله، الملك عبدالله المؤسس -طيّب الله ثراه- كانت المرجل، الذى حمل ودعم وعزّز طمح الأردنيين والأردنيات حيال وطنٍ بذلوا الغالى والنفيس فى سبيل بنائه والذود عنه ومراكمة إنجازاته وصون مسيرته، ومنطلقاً ليصبح الأردن، كما هو اليوم، وطناً حرا، سيدا وعزيزا، يحفظ كرامة كل أبنائه، وسندا قويا صلبا لقضايا أمته العربية والإسلامية.. وفى الخامس والعشرين من كل عام نحيى مناسبةً فى أهميتها الوطنية والتاريخية والقيمية الوجدانية فى قلوب الأسرة الأردنية الواحدة، مجددين ثوابت وقناعاتٍ وقيم وطنيةٍ لا حياد عنها، عمادها دستورٍ متقدّم، يلُفها الإيمان بالوطن، ويشحنها العزم، ويلهمها قيادةً نفاخر بها الأمم، لنجد الأردن اليوم، وفى المئوية الثانية من عمر الدولة، مصدراً للفخر لشعبه، ورمزاً للصمود لجيشه، وواحةً للأمن والاستقرار، وأنموذجاً للتقدم والازدهار، ومنارةً مشرقةً بين أشقائه، حاملاً لواء العروبة ومدافعا عن قضاياها.

وفى عهد جلالة الملك عبدالله الثانى، حامل الراية ومعزز المسيرة وقائد الإنجاز والقاسم والجامع الوطنى المشترك، شكّلت ذكرى الاستقلال دافعاً لمواكبة البناء ومواصلة المسيرة والمراكمة على الإنجاز، فكانت رؤية جلالة الملك لمستقبل الأردن وشعبه ومكانته فى الإقليم والعالم هى منبع كل الخطى التى سار عليها فى ثلاثية «التنمية-التطوير-الإصلاح» الشاملة، والتى امتازت بالشراكة بالحوار والتوافق على المخرجات والتدرّج فى التطبيق وتعميم مكتسبات التنمية على المجتمع والأفراد والمؤسسات والقطاعات المختلفة.

وتميّز ما يطرحه جلالة الملك، وتوجيهه للحكومات المتعاقبة، بأنه يمثّل رؤى متقدّمة ضمن مسيرة تحديث الدولة الأردنية، قائم على الشراكة والحوار فى نموذجٍ ديمقراطيٍ أسهم فى تغليب التوافق وتعزيز مساحات الحرية وصون الحقوق واحترام الرأى الآخر وفتح الأبواب أمام كل القوى السياسية والمجتمعية، فأصبحت الشراكة نهجاً والمسؤولية تشاركية والحوار أُفقٌ مفتوح لا حصر له فى غرف ولا تقوقع له خلف رأى ولا استثناءٍ لفئة، فأصبح الأردن اليوم، بعد أكثر من مئة عامٍ على تأسيس دولته 77 عاما على استقلاله، حاضراً فيه شبابه فى الحوار وصناعة القرار، وللمرأة حظوة فى قطاعاته ومؤسساته.

وحرص جلالة الملك، رأس الدولة وقائد نظامها والضامن لمسيرة التحديث فيها، أن يكون الأردن نموذجاً ديمقراطى ميزته المتفردة توافق ثنائية «الإرادة الجمعية والمصلحة الوطنية»، والتى جسدتها مقولة جلالته «النموذج الديمقراطى الذى نسعى إليه جميعاً يعبّر عن إرادةٍ سياسيةٍ ومصلحة وطنيةٍ»، فكانت مبادرات الحوار: «اللجنة التوجيهية للأجندة الوطنية 2005»، «لجنة الحوار الوطنى 2011» و «الأوراق النقاشية الملكية 2012» والتى باكورة انطلاقها بعنوان «مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة»، لتعكس هذه المبادرات الملكية جميعها رؤية وطموح جلالة الملك لأردن المستقبل بما يلتقى مع تطلعات شعبه الوفى وطموح شبابه الواعد.

واختار جلالة الملك ضمن نهجه السياسى الحكيم ومواقفه الإصلاحية المتقدمة وتحت مظلته الجامعة لكل الأطراف والأطياف، أن يعبر الأردن إلى مئويته الثانية بمبادرةٍ تحديثيةٍ وتطويريةٍ شاملة، سياسياً واقتصادياً وإدارياً، لتطال الأبعاد المعززة للتنمية والرافدة لأذرعها، فكان تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية عاكساً ومعززاً للإرادة الملكية والتصميم والعزم بأن تقود هذه الجهود لمرحلةٍ جديدة ومفصلية ضمن مسارات تحديث الدولة، ومن هذا المنطلق جاءت الضمانة الملكية لمخرجات اللجنة بشمولية ما توصلت إليه من توصياتٍ من شأنها تعزيز الحريات والحياة السياسية والحزبية والبرلمانية والتنمية المحلية.

وفى إطار التكامل والشمولية، الذى تتميز بها رؤية التحديث والتطوير، جاء التكليف الملكى بإطلاق ورشات العمل الاقتصادية الوطنية» التى احتضنها الديوان الملكى الهاشمى وبمشاركةٍ واسعة هدفت لرسم خارطة طريق اقتصادية تضمن إطلاق الإمكانيات لتحقيق النمو الشامل وتعزيز التنمية ومكتسباتها وعوائدها، وهو ما تجسّد برعاية جلالة الملك لإطلاق «رؤية التحديث الاقتصادى - إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل».. ولم يكن الشق الإدارى بعيدا عن الرؤية الملكية للتحديث والتطوير والإصلاح، جاء تأكيد جلالة الملك على ضرورة أن تترافق الإصلاحات الإدارية مع مسارى الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وهو ما يستهدف بالأساس خدمة المواطن الأردنى والارتقاء بأداء مؤسسات الدولة وتعزيز مسيرة التنمية الشاملة.

إن الإصلاح والتحديث والتطوير، هى ميزة الدولة الأردنية فى عيد استقلالها الـ77 ومئويتها الثانية، وهى ما جعلت هذا الاستقلال ناجزاً مبنياً على مرتكزات أساسية فى مسيرة النهضة والبناء والإنجاز فى تاريخ الأردن العزيز، ما يعنى لنا أردنيين وأردنيين، يحتضننا وطنٌ لا مثيل له وتجمعنا قواسم لا تقوى عليها ظرف، أن نبقى عوامل ودوافع الأمل والعزم والتصميم والعمل قواسماً تجمعنا وتدفعنا لتعزيز وحدتنا الوطنية والتفافنا حول قيادةٍ امتلكت شرعيةً دينية وتاريخية وحملت رسالةً مقدسة، لنمضى نحو مستقبلٍ واعد، ومزيد مما يستحق الأردن وشعبه الأغر وتراه قيادته الهاشمية المظفّرة.

وإلى جانب جلالة الملك، فى هذا المسيرة الممتدة بالخير والرفعة، يقود سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثانى ولى العهد زمام العديد من الجهود والمبادرات، التى من شأنها رفد المسيرة الوطنية وتعزيز آفاقها بأفكار الشباب وريادتهم وعيونهم الطموحة باعتبارهم عماد المستقبل وبناة الغد، يمضى بينهم ومعهم سمو ولى العهد أوقات منتجة ويتبادل وإياهم أفكاراً وحوارات خلّاقة ويشاركهم فى تنفيذ مبادراتٍ وبرامج عملية ستكون نتاجها ثمار تصب فى بوتقة التنمية الوطنية ورافداً لها.

وفى عمقه العربى وحاضنته الإقليمية، فإن الأردن لطالما كانت القضايا العربية وتحقيق الوفاق وتعزيز التعاون البينى لازمةً عقائديةً وأولويةً راسخةً فى سياسته الخارجية، وعلاقاته مع جواره العربي. وبذل الأردن، قيادةً سياسيةً ومؤسسات الدولة، مع دول عربية شقيقة فى السياق الثنائى من جهة والتعاون متعدد الأطراف من جهةٍ أخرى فى سبيل الوصول إلى نماذج تعاون مشترك، فى عديد المجالات، تبنى على القواسم المشتركة والمزايا التنافسية وتحقق التكامل وتبادل المنفعة.

وإيماناً بمكانتها فى العمق العربى ووزنها الإقليمى، جاءت مصر فى ثقلها السياسى ودورها المحورى وقربها الجغرافى للأردن وتطابق المواقف والرؤى معها وتكاتف المساعى المشتركة، لتكون الثنائى العربى الذى جمعه مع الأردن أطر تعاونٍ وأوجه تنسيق ومجالات تبادل متّنت العلاقات الأخوية لتكون أنموذجاً للعلاقات العربية، وهى علاقة استراتيجية لم تكن الظروف والتحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية عائقاً لها، وبالتأكيد فإن ميزة العلاقات التى تجمع الأردن ومصر يمكن تشبيهها بالمعادلة الطردية مع الأزمات، فكلما زادت حدة الظروف والأزمات التى تشهدها المنطقة زاد مستوى التقارب والتنسيق الأردنى المصرى، لقناعة القيادتين الحكيمتين فيهما؛ جلالة الملك عبدالله الثانى وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن التنسيق المستمر دربٌ للتقارب، وفى التقارب يتمتن التوافق وبما ينعكس على القوة والقدرة الجمعية للدول العربية فى مواجهة مختلف الظروف والتحديات.

ولعل مصر والأردن اليوم، وبتوجيه من قيادتيهما، يقودان عبر المؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية، نماذج مشتركة فى العمل العربى متعدد الأطراف، سواء على الصعيد السياسى والدبلوماسى فيما يخص القضية الفلسطينية فضلاً عن دور البلدين تحت مظلة جامعة الدول العربية، أو فى المجال الاقتصادى فى نماذج تعاون وتكامل ثلاثى مع العراق تم توسيع إطاره ليشمل دولاً عربية أخرى فى مجالات الصناعة والطاقة، أو فى المجال الإعلامى فى خدمة الوعى العربى وإبراز القضايا العربية والدفاع عنها إعلامياً. 

وسيبقى الأردن، كما هم أشقاؤه العرب، حريصاً على المنعة العربية وتحقيق الوفاق العربى، ويضع قضايا أمته على أولويات سياسته الخارجية ومساراته الدبلوماسية. 

كل عام والأردن عزيزاً منيعاً مكتسياً بثوب المجد ومحاطاً بسياج المنعة ومنيراً.