فى الصميم

سلاح الاغتيالات.. لن ينقذ إسرائيل

جلال عارف
جلال عارف

مع انطلاق طائرات الاغتيال إلى غزة، حرصت إسرائيل على تسريب المعلومات عن أن نتنياهو أبلغ إدارة بايدن مسبقا بنواياه. وهو أمر طبيعى لأن إسرائيل لم تبدأ أبدا معركة دون أن يكون الداعم الأكبر لها على علم بتحركاتها، ولأن طبيعة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة أكبر بكثير جدا من الخلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو وتحالف زعماء عصابات اليمين المتطرف، حتى لو وصل الأمر إلى انتظار نتنياهو الدعوة لزيارة واشنطون منذ شهور دون جدوي، وإلى تعبير الإدارة الأمريكية عن «الاشمئزاز»، من أفعال حكومته!!

ومع أن أول غارة لطائرات الاغتيال كانت صادمة بسقوط أربعة أطفال وخمس نساء مع المستهدفين الثلاثة من قادة الجهاد، فإن «واشنطون» سارعت بالتأكيد على حق إسرائيل المشروع فى الدفاع عن أمنها!!

.. ومع استمرار القتال كان هذا هو موقف قوى دولية أخرى تسير فى نفس الخط، وكان الضغط لمنع مجلس الأمن من إدانة إسرائيل حتى فى «بيان صحفى»، غير ملزم، وهى أوضاع تكررت كثيرا وكانت أكبر ما يشجع إسرائيل على ارتكاب جرائمها وهى تدرك أن العقاب الدولى مستبعد، وأن «الفيتو»، جاهز دائما لضمان ذلك!!

ولا بديل- فى كل الأحوال- عن بذل أقصى الجهد لوقف القتال ومنع التصعيد الذى يهدد المنطقة كلها فى ظل ظروف بالغة الصعوبة، وحتى لو كان هذا العدوان الإسرائيلى جاء خرقا لهدنة لم يحترمها نتنياهو. وقف القتال هو المهمة العاجلة، لكن وقف القتال دون أفق سياسى لا يعنى إلا أن تعيش المنطقة فى انتظار انفجار جديد، خاصة مع صعود اليمين الفاشى فى إسرائيل، ومع حكومات يتحكم فى قرارها من ينكرون وجود شعب فلسطين أو يدعون لإبادته!!

وبدون التخلى عن المعايير المزدوجة، والعمل الجاد لفتح الأفق السياسى الذى يضمن تطبيق القرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطينى المحتل منذ ٦٧، بدون ذلك سيبقى الموقف قابلا للانفجار فى أى لحظة، وستبقى إسرائيل مجرد كيان عنصرى واحتلال استيطانى مهما تسلح بالقوة الغاشمة، وستفشل أيضا كل محاولات حصار شعب فلسطين وتصفية قضيته.

اغتالت إسرائيل فى هذه الجولة عددا من رجال المقاومة، وضعفهم من النساء والأطفال، وبينما كان نتنياهو يقف مع قياداته العسكرية يتباهى بـ«الإنجاز العظيم»، كانت صواريخ المقاومة تضرب «تل أبيب». وهو يعرف أن هذا مجرد «إنذار» بأن القادم أخطر، وبأن ترسانة المقاومة فيها ما يجعل استمرار إسرائيل فى العدوان مغامرة غير مأمونة.

التهدئة ضرورية، وما تبذله مصر من جهود فى هذا السبيل يقدره العالم كله، وسيبقى الأمر رهينا بالتزام كل الأطراف بما يتم التوافق عليه، وما إذا كانت حكومة نتنياهو ستتوقف عن محاولات الهروب إلى الخارج من أزماتها الداخلية..

لكن الأهم والأخطر هو أن يدرك الجميع أنه بلا أفق سياسى للحل سيبقى الموقف رهنا للانفجار فى أى لحظة، وبدون فرض قرارات الشرعية الدولية على الجميع لن يتحقق السلام الحقيقي، وبدون التزام دولى بالابتعاد عن المعايير المزدوجة من جانب القوى الكبرى «وخاصة أمريكا»، فإن إسرائيل ستمضى فى نفس الطريق..

تغتال كل فرصة لسلام لن يتحقق إلا بأن ينال الفلسطينيون كل حقوقهم، ويستعيدوا أرضهم، ويحرروا القدس الأسيرة التى تتعرض الآن لهجمات التهويد الشرسة.