يوميات الأخبار

عشرة كوتشينة.. فى البلكونة

إمانى ضرغام
إمانى ضرغام

سلامًا لكل من يترك فى حياتنا أشياء جميلة، تجعلنا نبتسم حين نتذكرهم فى زحمة الحياة، سلامًا للذين لا ينكرون معروفًا ولاينسون جميلًا، سلامًا لأصفياء القلوب الطيبين الأنقياء

الخميس:

هل الناس أصبحت أكثر عملًا وانشغالًا الآن عن ذى قبل... بمعنى آخر لماذا ترى الناس الآن حتى وإن خرجوا من بيوتهم إلى مكان للتنزه، مشغولين مهمومين...

إياك أن يقول لى أحد ما يحدث بسبب الأزمة الاقتصادية التى تجتاح العالم، فمثل هذه الأزمة وقعت أزمات غيرها عدة مرات بأشكال مختلفة، ولم ينته العالم ولم تندثر البشرية بل زاد تعداد العالم وارتفعت نسب الرفاهية والإنفاق، نعم الأزمة الاقتصادية لها آثار وتبعات وضحايا ولكن تبقى «أزمة وبتعدى»، الحقيقة أن الناس على طول وخداهم هموم الدنيا ومشاكلها، وإلا ما كنا سمعنا منذ 60 عاما أو يزيد أغانى مثل تيجى نلعب عشرة كوتشينة فى البلكونة، وأغنية أخرى مثل إمتى الزمان يسمح ياجميل وأقعد معاك على شط النيل، ففى الأغنيتين تريد السيدة التى تغنى أن يجلس معها زوجها سواء فى البلكونة أو على كورنيش النيل وهو فى الحالتين مشغول!

هكذا تأخذنا دوامة الحياة فنجرى ونلهث ونتعب وننشغل ونتناحر ونتعارك... ثم فى النهاية تذهب الروح إلى خالقها ويضمر الجسد ويتحلل ولا يبقى من الإنسان إلا الأشياء الجميلة التى فعلها فى لحظة صفاء وروقان بال.

الجمعة

فى يوم الجمعة نذهب أنا والأولاد لزيارة زوجى رحمه الله، كثيرا ما أجد بعض الأصدقاء قد أتوا لزيارته، وكثيرًا فى أيام أخرى غير يوم الجمعة ما يرن تليفونى ليقول لى أحد الزملاء أو الأصدقاء أنا بزور ياسر وبقرأ له الفاتحة، هناك من اعتاد زيارته وابنه معه وهناك من تقول لى زوجته: زوجى وإحنا خارجين قال تعالوا نقرأ الفاتحة لأستاذ ياسر وبعدين نخرج ورحنا معاه أنا والأولاد، وعلى رقم موبايل ياسر مازال هناك أصدقاء من أفاضل الناس لم يكونوا أصدقاء من المقربين لياسر ولكنهم أصدقاء...

مازالت تصل إلى موبايل ياسر منها رسائل يومية منذ وفاته حتى الآن تقول: «صباحك فى الجنة يا أستاذ ياسر» ، ساعات أسأل نفسى هل الذكرى الطيبة والسيرة العطرة هى الأبقى أم هو رضاء من الله سبحانه وتعالى يهبه لعباده الطيبين...

فأقول لنفسى: هو الشيئين فى آن واحد بكل تأكيد، فقد كان رحمة الله نقيا صالحا تقيا يخاف الله فى كل كلمة يكتبها، ولا يكتب إلا الصدق وللصالح العام، لم يجر وراء متاع الدنيا، ولكنه بنى وتعب واجتهد لمتاع الآخرة ، لذلك عندما أرى محبة الناس له رغم الغياب وصدق البعض فى محبته أقول هذه هى السيرة العطرة التى تبقى وتظل أكثر من العمر والحياة، ولا أتذكر إلا هؤلاء الأشخاص فقط ولا أذكر سواهم.

السبت:

من أهم نعم ربنا سبحانه وتعالى على الإنسان هو الإحساس بنعم ربنا على ، كثير منا يألف النعم التى بين يديه ويطمع فى نعم الغير، وهذا طمع يضعه الشيطان فى نفس الإنسان حتى لا يعترف بنعم الله وفضله، لذلك فذكر النعم التى أنعم الله عليك بها هو فى حد ذاته حمد وشكر لله على ما أنعم به، لكن الطمع فيما أنعم الله به على غيرك ونسيان ما منحك هو أسوأ ما يمكن أن يصيب البشر ويحولهم من الحامدين الشاكرين إلى الحاسدين الكارهين... اللهم اكفنا شر من لا يرى نعمك التى لا تعد ولا تحصى.

الأحد

قبل نهاية رمضان دعتنى العزيزة جدا النجمة عفاف شعيب إلى إفطارها السنوى الذى تقيمه للأطفال الأيتام والمعاقين، والحقيقة أنا من محبى عفاف شعيب ومنذ سنوات ربطتنى بها صداقة جميلة عن طريق ياسر زوجى رحمه الله، ذهبت إلى إفطار رمضان وكان بنادى الشرطة للتجديف بالجزيرة، الإفطار الرمضانى الذى اعتادت عفاف عمله وتنظيمه منذ ما يزيد على 30 عاما كان زاخرا بالخير، فقد اعتادت إلى جانب الإفطار لـ120 طفلا من ثلاث جمعيات مختلفة اثنين من القاهرة وواحدة من الزقازيق، تقديم الألعاب والعيدية للأطفال ومكافآت وعيدية للدور والمشرفى ، كثير من الحضور الذين اعتادوا الحفل والعمل الخيرى يقدمون أيضا الهدايا للأطفال ويلعبون معهم ويستضيفونهم على موائدهم أثناء الإفطار..

سألت عفاف شعيب أنت الأولاد عارفينك ومرتبطين بك قالت أنا معايا حبايب كتير بنعمل اليوم ده من 30 سنة واللعبة والعيدية والملابس والإفطار كلها وسائل لإسعاد الأطفال، ثم تنهدت وهى تقول منذ سنوات كنت أقيم مثل هذه الاحتفالية مرتين تلاتة فى السنة، حضر الإفطار هذا العام النجمة مى كساب وأسرة الفنانة عفاف شعيب شقيقها وأبناؤه ، وأبناء شقيقتها وشقيقها المتوفين. 

وحضر أيضا اللواء طارق المهدى وعدد من السفراء ولواءات وزارة الداخلية بأسرهم وعدد من السفراء من أصدقاء النجمة عفاف شعيب وبعض السيدات الفاضلات من صديقات عفاف. 

اليوم بالنسبة لى كان ممتعا، لدرجة أننى بعد الإفطار حرصت على الجلوس مع الأطفال والاستمتاع معهم بجو جميل وفريد لا تجده إلا فى مصر حيث التكافل والمحبة فى أجمل صورهما.

الاثنين

هناك أناس لا تستقيم الحياة بغيرهم، وهناك أناس وجودهم أو حتى ذكرهم يغير شكل الحياة ويجعلك تشعر أن الدنيا كلها خير ومحبة ونقاء وراحة بال، أنا هنا لا أتحدث عن المستحيلات الثلاثة (الغول والعنقاء والخل الوفى) ولكنى أتحدث عن ناس... بشر من لحم ودم مثلنا لكن فى وجودهم نعمة وفى كلامهم بلسم شافى للصدور وفى تعاملهم جدعنة وشهامة وأصل، هؤلاء لم يندثروا أو يذهبوا وتذهب أيامهم بالعكس هؤلاء موجودون...ولكنك محتاج للحظات صفاء نفسى تراجع فيها وتفرز وتحلل وتنتقى حتى تعرفهم، لأنهم رغم وضوح وجودهم وضوح الشمس لكنك لابد أن تراهم بقلبك قبل عينيك لتعرف أن الله قد وهبك نعمة ما بعدها نعمة، ربنا يخليكم ليا وميحرمنيش منكم أبدا يارب.

الثلاثاء:

المستقبل كله للصناعات الصغيرة.. لماذ لا يقوم الشباب المقبل على عمل مشروع على عمل دراسة وسؤال مجموعات من الناس عن ماذا ينقصهم، أشياء كثيرة نستوردها وغلا سعرها ومن الممكن أن تكون صناعات صغيرة للشباب، حتقولوا زى إيه حقول زى أكل الحيوانات المنزلية (الدراى) زى كلور حمامات السباحة، وزى مستلزمات الحدائق، وزى بعض أنواع الملابس والحقائب، وزى حاجات تانية كتير مطلوبة ويبحث الناس عنها ولا تحتاج إلى مصانع كبيرة أو رأس مال ضخم، لكن مشكلتنا أننا لا ننظر إلا إلى ماهو ناجح ومحقق ربحا خياليا حتى نعمل به لدرجة أن أبلكيشنز الإنترنت أصبحت أكثر شىء يتجه له الناس دون تصنيع حقيقى ودورة رأس مال حقيقية.

(عمو جميل جورج )

أصبح الآن من الصعب أن تغفل عن تليفونك أو تتركه ساعات مثلا بلا شحن أو عطلانا، وصعب جدا كذلك أن تغفل عن متابعة صفحتك على فيس بوك لمدة يوم، يوم الأربعاء الماضى كانت آلام المعدة والقولون العصبى شديدة جدا بالنسبة لى، وما أدراكم ما آلام القولون والمعدة، لذلك عندما تصيبنى أستسلم لحقنتين مسكنتين وألوذ بالنوم هربا من الوجع، وعندما استيقظت يوم الخميس كانت الآلام مازالت موجودة ومؤثرة على، لم أهتم خلال اليومين بشحن التليفون أو النظر إلى صفحة فيس بوك، فالآلام تجعلنى لا أفكر فى شىء سوى متى ينتهى ما أنا به، وغالبا أشغل أحد المسلسلات ذات الثلاثين حلقة على واتش إت أو شاهد ويظل يعمل ليل نهار لعل أحداثه تأخذنى من الألم، مساء الخميس بدأت أتحسن... بعد الساعة 9 مساء بدأت أشحن الموبايل وبدأت أنظر على صفحتى على فيس بوك...وفاة الأستاذ جميل جورج مدير تحرير الأخبار....يااااااه يا أستاذ جميل... ده أنت لسه طالبنى من أسبوعين تطمن عليا وعلى الأولاد وتؤكد عليا عاوزين حاجة ولو احتجتى حاجة كلمينى يا أمانى متتكسفيش أنا عمو جميل وأنت بنتى طول عمرك...هكذا كان يحدثنى منذ أسبوعين، لم يترك مناسبة إلا وكان يتصل يطمئن ويسأل عنا وزاد الأمر بعد وفاة ياسر، بل أنه كان قارئا ليومياتى السابقة وكان يتصل بى بعد كل يوميات يقول لى ياااه يا أمانى فكرتينى بحبيبى وابنى ياسر ربنا يصبرك، ثم يقول لى رأيه ويطالبنى بالمزيد من الكتابة عن إنسان أحببته أكثر من روحى وأحبه كل من تعامل معه، عمو جميل لم يكن مدير تحرير جريدة الأخبار عادى كده بل كان محررا اقتصاديا رفيع المستوى، وكان محللا للقضايا والأحداث الاقتصادية على مستوى رفيع وأهم من كل هذا أنه كان واحدا من جيل العمالقة الذين فقدناهم واحدا تلو الآخر جلال دويدار، وسعيد سنبل، ووجيه أبو ذكرى وفاروق الشاذلى وأحمد الجندى وحسن شاه ومها عبد الفتاح من أساتذتنا العظام الذين تعلمنا منهم والذين أعطوا لمهنة الصحافة أكثر مما أخذوا بكثير جدا، رحمهم الله جميعا وأحسن إليهم.