اول سطر

بلد الغريب والبحيرات المرة

طاهر قابيل
طاهر قابيل

القلزم من أكبر المدن المطلة على البحر الأحمر، وتقع على رأس خليج المدخل الجنوبى للقناة، ولقبت باسم بلد الغريب نسبة إلى أحد أعلام الصوفية، واختلفت الاجتهادات حول تسميتها منها أنه مشتق من اسم الملك «يو- سوتيس أو يوسفاليس» الذى اتخذ منها قاعدةً لعملياته الحربية لتأمين مناجم سيناء و»سيكوت» وأطلق عليها الإغريق «هيروبوليس أوإيرو»، واحتفظت المدينة بأهميتها الملاحية والإستراتيجية كجزء من قلاع سور مصر الشرقى الذى يمتد إلى غزة.. وكان فرعا النيل «البيلوزى والتانيسى» يخترقان برزخ القلزم ويصبان فى البحر المتوسط.

عندما انفصلت البحيرات المرة عن خليج القلزم نشأت ضاحية جنوب الميناء وسميت «السويس» تولت المدينة الجديدة التجارة مع بلاد بونت وفارس والهند والشرق الأقصى، واصبحت مركزا لتلاقى تجارة الشرق والغرب، وأمتازت مدينة السويس قديما بشوارعها الضيقة ومبانيها ذات الطابع المملوكى، وعندما خشى الأتراك من تهديدات الأساطيل الأجنبية، أنشأوا أسطولا يحمى موانئ البحر الأحمر، وحولوا المدينة الى موقع حربى لحماية المدخل الشرقى، وبناء قلعة حصينة فوق أحد التلال تشرِف على البحر، واقاموا ترسانة لبناء وترميم السفن .. وبدأت نهضة المحافظة بعد شق قناة السويس، وإنشاء ميناء بور توفيق، وتوسيع الحوض ليستقبل السفن واصلاحها، ودخلت عهدا جديدا بنمو عمرانى أعاقته ندرة المياه العذبة التى كانت تنقَل إليها على ظهور الجمال من «عيون موسى» على مسافة 16كيلو مترا بشبه جزيرة سيناء..

وكانت مكاتب شركات الملاحة والفنادق تعتمد على تحويل ماء البحر، وعندما أُنشئ الخط الحديدى بين القاهرة والسويس تم نقل المياه فى صهاريج بالقطارات، حتى تم حفر الترعة الحلوة لخدمة مشروع القناة، وعرفت بترعة الإسماعيلية، والتى تأتى من النيل مباشرة عند شبرا، وتمربالعباسة ثم وادى الطميلات فمدينة الإسماعيلية، ثم تتفرع إلى فرعين احدهما إلى بورسعيد، والثانى يخترق صحراء السويس، وينتهى عند خليجها.

فى عام 1865تم بناء حوض»إبراهيم» ليحل محل مرفأ السويس القديم الذى أصبح يمثل خطراعلى السفن والملاحة، فقد كان يحد الميناء القديم جسر يمر فوقه خط حديدى، وبينه وبين القناة أرض منخفضة تغطيها المياه وقت المد، وتنحسرعنها بالجَزر، وتشقها قناة صغيرة تصل منها المراكب والسفن إلى رصيف قديم، حيث محطة الحجاج والبضائع والجمرك والترسانة. ومع تزايد حركة الملاحة تدريجياً فى أواخر القرن الماضى، ولا سيما خلال الحرب العالمية الأولى، فازداد عدد السفن وحمولتها، وأنشأت «الشركة المصرية الإنجليزية» للنفط معملاً للتكرير فى الزيتية، وكانت السفن تدخل المرفأ لتفريغ شحنتها سفينة عقب أخرى، فتقرر إنشاء ميناء السويس الجديد فى الخليج الواقع بين مرفأ إبراهيم ومنطقة الزيتية، وبدأ العمل فى الميناء الجديد ومد خطوط حديدية من حى الأربعين إلى معملى التكرير، وإنشاء عدد من الصناعات المهمة منها تكرير البترول ومشتقاته.