في نسخته الـ62

رسالة قوية من سميحة أيوب في اليوم العالمي للمسرح

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يواكب اليوم ٢٧ مارس، الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في نسخته ال٦٢، حيث تم إنشاء يوم المسرح العالمي من قبل "الهيئة الدولية للمسرح"، حيث بدأ هذا اليوم باقتراح من الشاعر والناقد ارفى كيفيما رئيس المعهد الفنلندي للمسرح، في يونيو 1961 في المؤتمر العالمي التاسع للهيئة الدولية للمسرح في فيينا، بإطلاق يوم عالمي للمسرح، وتم دعم الاقتراح، وتم اختيار يوم ٢٧ مارس يوما عالميا للمسرح، وهو تاريخ إطلاق موسم "مسرح الأمم" في باريس، وكان الاحتفال به لأول مرة في 27 مارس 1962، ومنذ ذلك الحين وفي هذا التاريخ من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي للمسرح على نطاق عالمي.

تأتي أهداف اليوم العالمي للمسرح كما هو الحال مع اليوم العالمي لفنون الرقص وهي: الترويج لهذا الفن عبر العالم، نشر المعرفة بين الناس حول قيمة النموذج الفني، تمکین صناع المسرح من الترويج لإعمالهم علی نطاق واسع حتی یدرك صناع القرار قیمة الفن ودعمه، التمتع بالفن المسرحي بحد ذاته، كما يهدف اليوم العالمي للمسرح، إلى تسليط الضوء على هذا الفن الذي يعتبر قيمة تاريخية ساهمت في نشر المعرفة وأصبحت المحفز  على التفكير النقدي والتغيير المجتمعي.

وتروج الهيئة الدولية للمسرح "ITI"، للاحتفال باليوم العالمي للمسرح سنويًا من خلال مراكزها، وبدعم من مجتمعات المسرح فى جميع أنحاء العالم، في أكثر من 90 مركزًا من مراكز الهيئة الدولية للمسرح على مستوى العالم، مع جامعات مسرحية وأكاديميات ومدارس وعشاق المسرح في جميع أنحاء العالم الذين ينضمون للاحتفال بهذا اليوم. 

وكانت قد اختارت الهيئة الدولية للمسرح برئاسة المهندس محمد سيف الافخم، الفنانة القديرة سميحة أيوب" سيدة المسرح العربي"، لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح ال62.

وأكد رئيس الهيئة الدولية للمسرح، أن أختيار الفنانة الكبيرة سميحة أيوب جاء لكونها رمزاً فنياً عربياً فريداً وهاماً في مجال المسرح، فقد ساهمت سيدة المسرح العربي، في رفعة وسمو أبو الفنون، ليس لكونها فنانة عبقرية الأداء فحسب، بل لكونها عاشقة للمسرح حتى النخاع، مشيرا إلى أنه بالرغم من مشاركاتها العديدة في الأعمال الدرامية والسينمائية، إلا أن عشقها للمسرح وخشبته له مكانة خاصة لديها، لا يضاهيه عشق أخر، حيث استمر عطائها المسرحي لأكثر من 70 عاماً، والذي جعلها تلقب بسيدة المسرح العربي.

وجاءت رسالة اليوم العالمي التي اختيرت لكتابتها الفنانة القديرة سميحة أيوب كالتالي: "أصدقائي المسرحيين في جميع أنحاء العالم أبث إليكم هذه الكلمة في ذكرى اليوم العالمي للمسرح، وبقدر ما يعتريني من شعور غامر بالسعادة أنني أتحدث إليكم، فإن كل ذرة في كياني تختلج تحت وطأة ما نعانيه جميعاً– مسرحيين وغير مسرحيين– من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار كنتيجة مباشرة لما يمر به عالمنا اليوم من صراعات وحروب وكوارث طبيعية كانت لها آثارها المدمرة ليس فقط على عالمنا المادي وإنما كذلك على عالمنا الروحي وسلامنا النفسي. 


أتحدث إليكم اليوم بينما ينتابني شعور بأن العالم بأسرة بات كالجزر المنعزلة، أو كالسفن الهاربة في أفق معبأ بالضباب، كل منها ينشر شراعه ويبحر على غير هدى، ليس يرى في الأفق ما يهديه، ورغم ذلك يكمل إبحاره آملاً أن يصل إلى مرفأ آمن يحتويه بعد تيه طويل وسط أمواج بحر هادر. 


لم يكن عالمنا الواحد أكثر التصاقاً ببعضه البعض منه اليوم، إلا أنه وفي ذات الوقت لم يكن أكثر تنافراً وابتعاداً عن بعضه البعض منه اليوم. وهنا تكمن المفارقة الدراماتيكية التي يفرضها علينا عالمنا المعاصر، فرغم ما نشهده جميعاً من تقارب في تداول الأخبار والاتصالات الحديثة التي كسرت كل حواجز الحدود الجغرافية إلا أن ما يشهده العالم من صراعات وتوترات فاقت حد التصور المنطقي وخلقت وسط هذا التقارب الظاهري تباعداً جوهرياً تنئ بنا عن الجوهر الحقيقي للإنسانية في أبسط صورها. 


إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة، وعلى حد قول الرائد العظيم قنسطنطين ستناسلافسكي "لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك، اترك الغبار والأوساخ في الخارج، تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية– كل الأشياء التي تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيدًا عن فنك– عند الباب".


 عندما نعتلي خشبة المسرح فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها في هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشي بعطرها مع الآخرين، إن ما نقوم به في عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريوجرافيا وحتى كتقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل أن نعتلي خشبة المسرح، هذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء. 


ربما لا أغالي عندما أقول إن ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة فيضيئ ظلمة الليل ويدفئ برودته.. نحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. ونحن من يوفر الأسباب لفهمها.. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف.. نحن من يعتنق مذهب الحياة لتدب في هذا العالم الحياة.. ونبذل من أجل ذلك من جهدنا ووقتنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا وأعصابنا كل ما يتوجب علينا بذله من أجل تحقيق هذه الرسالة السامية مدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال ومؤمنين بحق أن الحياة تستحق أن تعاش، أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعاً "المسرح" في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفاً واحداً كلنا جميعاً، يداً بيد وكتفاً بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشي فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح لعل إنسانيتنا التي أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقيناً قاطعاً يجعلنا جميعاً مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعاً أشقاء في الإنسانية. 


إنها رسالتنا نحن المسرحيون حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا.. نمتلك القدرة على بث الحياة.. فلنبثها معناً من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة".

يذكر أنه، قد شارك في كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح خلال الأعوام السابقة، كبار المسرحين العالميين، ومن بينهم: هيلين ميرين، شهيد نديم، كارلوس سيلدرن، ايزابيل هيبوبرت، اناتولي فاسيلييف، كريستوف فارليكوفسكي، بريت بيلي، داريو فو، جيسيكا أ.كاهوا، جودي دينج، اوغستو، روبير لوباج، الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، فيكتورهيجو راسكن باندا، فتحية العسال، وغيرهم.