عبقرية العقاد l لم يكن ملحداً.. وكان أول من فضح خبث «الإخوان»

الأديب عباس العقاد
الأديب عباس العقاد

أعدّ الملف:عبدالهادى عباس

كان للعقاد أعداء، وكارهون، اتهموه بأشياء كثيرة لم تكن فيه، وكان أغرب اتهام قد تلقاه قول بعضهم إنه كان ملحدًا في بداية حياته، واستدلوا على ذلك بموقفه وكلامه عن «إعجاز القرآن» ومعركته مع مصطفى صادق الرافعي، وما ذكره فتحي رضوان في كتابه «عصر ورجال»، اتهموه بأنه كتب في الإسلاميات على سبيل الموضة وليس اقتناعًا، وأنه كان حداثيا غربيا، ولمَ لا وقد أثنى على قاسم أمين وكتابه «تحرير المرأة» وسماه «المصلح الكبير»، ودافع عن طه حسين والشيخ علي عبد الرازق؛ وكانت معظم تلك الاتهامات من جماعة الإخوان الإرهابية، حيث وقف ضدها وهي في مهدها وحذّر منها ومن أهدافها ومن مؤسسها، واعتبروه منحرفًا عن الدين لأنه حمل تقديرا كبيرا للحلاج وابن عربي، بل وزعموا كذبا أنه لم يكن يصلي الجمعة، وأخرجوه من الملة لأن صالونه كان يحضره الجميع على اختلاف دياناتهم، كذلك النساء، ونسبوا إليه علاقات غير شرعية مع النساء، رغم أن ذلك حرام شرعا، وأخرجوه من الدين لأنه كان يُربي كلبًا في بيته!

ويشدد د. محمد أحمد فايد هيكل، على أنه من مجازفات القول الادعاء بأن العقاد- رحمه الله- كان في مرحلة مبكرة من حياته ملحدًا أو متصالحًا مع الإلحاد، ويقول: يجب علينا أن نميز بين التساؤلات والشكوك العقلية التي تعتري المفكر المثقف بحثًا عن الحقيقة وبين الموقف الإلحادي المادي الذي يجزم بنفي الروح ولا يؤمن بالغيب وينابذ الدين منابذة صريحة مطمئنا إليها قلبه؛ ويضيف: ما أصدق الشاعر عبد الرحمن صدقي تلميذ العقاد وصديقه حينما وصفه في القصيدة التي رثاه بها قائلا: أقام على الإيمان صرح حياته، ولكنه الإيمان رحب منازله.

ويشير د. فايد هيكل، إلى أن الإيمان الرحب واسع الأفق وقد يخدع بعض أصحاب الأفق الضيق والفكر المحدود فيحسبونه إلحادا ويستبيحون في حق صاحبه التشهير والتحذير، ويوضح هنا أن كتابات العقاد المبكرة تدل على انشغال عميق بقضية الإيمان وعلى احتقاره لموقف الملحدين المتصلب حتى أنه ليسميهم بـ«الأغرار»، ونشر العقاد في سنة١٩٢٨ مقالا في جريدة «الأفكار» يناقش كتاب «على أطلال المذهب المادي» الذي ألفه الأستاذ محمد فريد وجدي، فنرى في أسلوب العقاد الشاب روحا مفعمة بالحماسة للإيمان والإنكار على الملحدين؛ ويؤكد العقاد أن التماس الهداية مسئولية والنظر في ملكوت السموات والأرض واجب كل إنسان عاقل يريد أن يطمئن قلبه وعلينا أن نطلب الحقيقة كلنا وألا يحتاج أحد منا إلى زخرفتها وتمويهها فما هي ببضاعة لأحد يملكها وحده، وأن المسئولية الفردية و«حرية الاختيار» و«الوعي الكوني» و«واجب السعي إلى الحق الذي يتحمله كل فرد» أوليات آمن بها العقاد وأعلنها منذ وقت مبكر، وهي أوليات تلقاها من الدين ثم غذتها دراسته للفلسفة، ولكن السمة التي تجلت بها والتي تكشفها عين الناقد البصير هي «روح الفن» أو النظرة الفنية كما كان يسميها، وهذه النظرة الفنية هي السمة المحورية لنثره وشعره، هي أنه ينظر إلى الكون نظرة «فنان» يندمج به ويتعاطف معه ويشعر بالمسئولية في علاقته به، وهذه النظرة تدل على أصالة مبدأ «الوعي الكوني» في نفسه، وهي أصالة مبكرة منذ كتابته الأولى ثم انتهت به إلى كتاباته الإسلامية المتأخرة.

ويشير د. محمد أحمد فايد، إلى أن بعض الكتّاب قد اندفع فتصوّر أن العقاد لم يتجه إلى الكتابة الدينية إلا طلبا للشهرة واستعادة للمجد الضائع بعدما فقد الجماهير السياسية التي انصرفت عنه بعد خروجه من الوفد، وأنه عثر على الحل حين رأى نجاح الدكتور محمد حسين هيكل جماهيريا بعد أن كتب «حياة محمد»، فوجد العقاد حبل النجاة واندفع إلى الكتابة دفاعا عن الإسلام، ويقول: وهذا كله وهم من الكاتب وتحيز واضح ضد العقاد وبُعد شديد عن التحليل الدقيق سواء للنص أم لشخصية العقاد، فالعقاد الذي أقام مذهبه النقدي على الصدق، وكانت معاركه الأدبية المبكرة والمتأخرة ومعاركه السياسية من أجل هذا المبدأ، مبدأ الصدق، الذي لايمكن أن يتخلى عنه في قضية الدين التي هي قضية علاقته بالكون. العقاد صريح واضح وفارس نبيل لا يحمل قلمه إلا ليكتب عن عقيدة وإيمان، ويجب أن نعود إلى التأمل في البيت الشعري الذي قاله الشاعر عبدالرحمن صدقي في القصيدة التي رثى بها العقاد، خاصة شطر العجز الذي استدرك به فقال: «ولكنه الإيمان رحب منازله»، فالرحب الاتساع المريح فماذا يقصد الشاعر بذلك؟ وإلامَ يرمي؟ ويجيب: معروف عن العقاد أنه صاحب منطق صارم أدى به إلى اتساع رؤيته لا إلى ضيقها ولا أستطيع بحثيا ونقديا أن أفصل بين بنائه الفكري والأدبي وكتاباته الدينية، فدراسته للدين ينطبق عليها ما ينطبق على دراسته الأدبية من تقدير لأثر الشخصية والاعتداد بالفرد مع مراعاة تأثير العصر وتأثير البيئة، ولذلك تأتي دراسته للعبقريات الإسلامية ملتزمة بالمنهج نفسه الذي درس به شخصيات أدبية مثل ابن الرومي أو عمر بن أبي ربيعة وغيرهما من الشعراء في القديم والحديث.

ويُضيف: كما أن كتابته عن الإسلام وتجديد الدعوة، تعنى بمراعاة اختلاف التجديد في البيئات المتباينة والعصور المتغايرة، بل إنه ليذهب إلى اختلاف صورة الإسلام في كل شخص بحسب مكوناته النفسية الخاصة به، وليس معنى هذا أن قواعد الإسلام وثوابته تتغير، وإنما معناه أنه مادام للبيئة مكوناتها وخصائصها الثقافية والاجتماعية، وما دام لكل إنسان فرد تاريخه النفسي ومكوناته، فكل فرد يتلقى الإسلام ممزوجا بطبائعه، ويفهم أوامره ونواهيه من خلال ماضيه وتراثه، ويتجلى تحقيق هذا الفهم وتطبيقه في دراسته لجميع الشخصيات الدينية التي رآها مستحقة للدراسة، وأما إذا شئت بيانه تفصيليا فارجع إلى الفصل الذي كتبه في عبقرية عمر بعنوان: «إسلامه» فربما يتبادر إلى الأذهان أن البحث في هذا الفصل لن يخرج عن حادثة دخول عمر في الإسلام، وهذا وإن كان مهما فإن الأهم منه وهو الشق الثاني من الفصل طريقة عمر في فهم الإسلام وتطبيقه مع الموازنة الدقيقة بين شخصيتي الإمامين الصديق والفاروق.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 8/3/2023

أقرأ أيضأ : حفيد الأديب عباس العقاد يكشف تفاصيل إزالة منزله الأثري