يوميات الأخبار

دوامة الضغط العصبى

د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى

الطفل اتربى من وهو فى اللفة ان مفيش راجل بيعيط مع انه طفل مش راجل! ومع ان الراجل مهما كبر من حقه يعيط! مين قرر انه يسلبه الحق ده فى التعبير عن مشاعره؟؟ 

عزيزى القاريء.. أتمنى ان تكون فى أحسن حال..

عايزة اسألك سؤال أنا غالبًا عارفة اجابته.. بتحس كام مرة فى يومك انك مضغوط عصبيًا ؟ بمعنى انك سهل تنفعل وصعب تركز وبتحس ان الدنيا كلها فوق دماغك؟ اللى وراك مش بيخلص والتوتر ملازمك؟ الدنيا كلها بقت مشاكل ومش ملاحق تحل ايه والا ايه؟ 

خصوصًا ان المشاكل اللى بتحاوطك مش مشاكلك انت بس، دى مشاكل الناس اللى بتحبهم ويفرقوا معاك.. أنا متوقعة ان الاجابة هتحمل عدد لا يُستهان به من المرات..

ومتأكدة ان مفيش شخص هينكر وجود الضغوطات فى حياته الا اذا كان عايش فى عالم مواز غير عالمنا..

خلينا الأول نفهم كيفية تعامل الرجالة والستات مع الضغط وهل فعلًا كل منهم ليه طريقة مختلفة وأولويات مختلفة هى اللى بتحركه؟ 

الرجالة ربنا خلقهم لما بيقابلوا أى مشكلة هدفهم الأساسى انهم يحلوها، ولومعرفوش يحلوها يتجاهلوها بشكل مؤقت لإن احساس الفشل بالنسبة لهم مش سهل..
اذن الرجالة أولويتهم «حل المشكلة».

طيب هل ياترى فى تفسير علمى هو اللى بيوجّه الرجالة انهم يتصرفوا بالشكل ده مع المشاكل؟ 

أيوه طبعًا.. الفص الأيمن من مخ الرجل هو اللى بيخليه يفصل ويتناسى المشكلة لإنه مش عارف يحلها

لكن الفص الأيسر هو المسئول عن التحليل فا بيساعد الانسان انه يواجه المشكلة ويحلها..

والفصين دول عند الرجالة مش متصلين زى الستات ومفيش بينهم تناغم زى الستات..

الراجل يا اما مسيطر عليه الفص الأيمن يا الفص الأيسر..

لكن الستات وقت المشكلة ربنا خلقهم بيحتاجوا يتكلموا عن مشاكلهم وقت الضغط وهدفهم الرئيسى ان اللى قدامهم يسمعهم أكتر من انه يجد لهم حل..
اذن الستات أولوياتهم «الفضفضة والتعاطف والمشاركة أكتر من ايجاد الحلول»..

عرفت ليه دلوقتى مراتك بتهدى لما تيجى تشتكيلك وتقولها معلش وربنا معاكى حتى لو مقدمتلهاش حل، وليه بتتعصب لما مش بتسمعها ولا بتظهر لها انك مهتم بكلامها رغم انك ممكن جدًا يكون فكرك مشغول بإيجاد حل لمشكلتها ولكن انت مش بتُظهر تعاطفك معاها أوانصاتك ليها؟ 

أعتقد الصورة بدأت توضح شوية دلوقتي..

لوفهمنا كل طرف محتاج ايه وقت المشكلة هنقدر ندعمه ونقدمله اللى محتاجه من وجهة نظره هو مش من وجهة نظرنا احنا..

يعنى وقت المشكلة الست تحترم ان جوزها محتاج يفكر عشان يلاقى حل..

محتاج يدخل الكهف شويه من غير زن منك أوانك تحسسيه بالذنب والتقصير.

والراجل يحترم ان مراته محتاجة اللى يسمعها ويطمنها ويحسسها بوجوده..

سهلة أهى..

نيجى للسؤال الأهم ليه فعليًا الجيل الحالى بيواجه ضغوطات أكتر بكتير من الأجيال السابقة؟ وده لا ينفى ان الأجيال السابقة واجهت أنواع مختلفة من التحديات والصعوبات بس وفقًا للدراسات الحديثة فإن الجيل الحالى له نصيب الأسد من الضغوطات والمعاناة والتوتر؟ 

أهم سبب على الاطلاق هى التوقعات غير الواقعية؛ سواء من الشخص نفسه يا من أهله يا من المحيطين بيه فى بيئة العمل أودائرة الأصدقاء..

الست بتتقولب فى قالب السوبر وومان .. لازم تعمل كل حاجة بدون كلل أو شكوى.. 

سوبر وومان بره البيت وجوه البيت.. شايلة كل المسئوليات فوق دماغها وتخاف تشتكى لحسن تفقد لقب السوبر وومان فى نظر اللى حوليها! 

والرجل كذلك عايش فى دور المُنقذ.. السوبر هيرو.. اللى مفيش أى حاجة ممكن تقف قدامه ومينفعش يقف عاجز قدام أى مشكلة حتى لو لسه متوجدلهاش حل فى الكون..

الرجالة فى مجتمعنا اتربت انها تكبت الضغط والتوتر جواها..

الطفل اتربى من وهو فى اللفة ان مفيش راجل بيعيط مع انه طفل مش راجل! ومع ان الراجل مهما كبر من حقه يعيط! مين قرر انه يسلبه الحق ده فى التعبير عن مشاعره؟؟ 

العياط مش دليل ضعف بس معتقدات المجتمع بتعتبر وصمة عار فى حق الرجالة! 

الراجل متربى من وهو طفل يكتم ويكبت ودلوقتى مستغربين الرجالة مضغوطة ليه؟ 

الستات اتربت انها تستحمل وتسكت وما تنطقش ودلوقتى مستغربين الستات جايبة آخرها ليه؟ 

الصورة عمالة توضح أكتر وأكتر..

نرجع بقى للتوقعات الغير منطقية اللى ضاغطة كل أفراد المجتمع من الصغير للكبير ، ده حتى الأطفال لم يسلموا من التوقعات الغير منطقية!

بنتوقع نتائج مبهرة من طفل لسه بيتعلم ألف أرنب .. باء بطة.. وبنحاسبه على توقعاتنا!

وبنتوقع امكانيات حامل دكتوراه من شاب لسه فى الثانوية العامة.. وبنعاقبه لو مقدرش يتماشى مع توقعاتنا !

وكل التوقعات دى لما بتتحطم على صخرة الواقع لا نجنى منها الا خيبات أمل متكررة واحباط وانعدام للثقة بالنفس وشخصيات مهزوزة ! 

هتصدقوا لوقولتلكم ان السوشيال ميديا من أهم مسببات الضغط النفسى والعصبى فى هذا الزمن! انها لعنة التكنولوچيا يا سادة! 

واحدة بتقوم بمهامها الأساسية بالعافية ده ان قدرت تقوم بيها، وتيجى تفتح الانستجرام تلاقى بوستات لقائمة مهام مستحيل تتم فى شهر وأصاحبها بيوهموا المتابعين ان دى انتاجيتهم الطبيعية ظنًا منهم أنهم بيصدروا طاقة ايجابية وبيشجعوا متابعينهم، ولكن فى الحقيقة دى ايجابية سامة لإنها غير واقعية وبتحبط الناس بدل انها تشجعهم وتدفعهم للأمام.. ايجابية تشل وتُعيق.. يبقى حرام نسميها ايجابية من الأصل! 

كلنا بنحس بالضغط لما قائمة المهام الخاصة بينا بتكون غير ملائمة لظروفنا ولا لطاقتنا، لما بنقارن انجازاتنا بإنجازات غيرنا، وبنتغاضى عن ظروف حياة كل شخص وقدراتنا المختلفة وأولوياتنا.. ولذلك لازم نعيد صياغة أولوياتنا ونعيد ترتيبها حسب احتياجاتنا ومتطلباتنا وقدراتنا منعًا اننا نحس بالضغط والتوتر والارهاق وأهم من ده كله تفاديًا لشعور الاحباط والفشل.

أهم أسباب الضغط بالنسبة للستات فى مجتمعنا هو نقص الدعم الذكورى فى بعض الأسر.

أب رامى كل الحِمل على مراته والأم شايلة شيلة تفوق طاقتها وحتى مفيش تقدير فالنتيجة ضغط وتوتر ملازم الأم طول عمرها..وأمراض ملهاش أول من آخر.. تلاقى ست فى أوائل الأربعينات شكلها تجاوز الستين! 

أخ أكبر ماسك الموبايل طول اليوم .. مدلل.. وأخته هى اللى بتقوم بدوره فا تعيش مضغوطة منذ طفولتها وشايلة الهم قبل الأوان.

الدعم الذكورى المتمثل فى الأب والزوج والأخ هو رمانة الميزان، مهما المجتمعات طالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة بيبقى الرجل هو مصدر السند والدعم والاحتواء للست وغياب الدور ده فى الكثير من الأسر بيؤدى لخلل وضغط للزوجات وقد يصل الأمر للطلاق لإنها مش مستحملة كم المسئوليات اللى على عاتقها دون مساعدة أوتقدير من الطرف الآخر.. عرفنا دلوقتى اختلاف تعامل الستات والرجالة مع الضغط ومسببات الضغط.

محتاجين دلوقتى نعرف بشكل مُبسط ايه اللى بيحصل فى جسمنا وقت تعرضنا للضغط؟ 

وقت الضغط بيرتفع افراز ال “adrenal gland “ الغدة الكظرية لهرمونى الكورتيزول والادرينالين ودول اسمهم stress hormones دورهم انهم يساعدوا الجسم على مواجهة التوتر والضغط بطريقتين.

الطريقة الأولى ان الدم بيتوجه أكتر للعضلات والمخ ومراكز القوى عشان يقدر الانسان يفكر ويواجه ويتخد قرارات سريعة فالطاقة دى بتتسحب من باقى الأجهزة التانية اللى مش هتسعفنى وقت الخطر مثل جهاز المناعة والجهاز الهضمى.

مثلًا : لو هاجمنى كلب شرس قدامى اختيارين يا اما أجرى يا أقرر أواجه الكلب وفى الحالتين مش هقدر اتصرف الا بعد تدفق الهرمونين بمعدل أكتر من الطبيعى.

والمفروض ان السيناريو اللى ذكرته ده يكون ظرف مؤقت فى جسمنا لإن جسمك لما بيزيد افراز الهرمونين دول بيترجم ان حضرتك فى «خطر» من غير ما يفسر ايه هو الخطر ده، يعنى مشكلة فى الشغل زى خناقة مع مراتك زى أسد بيجرى وراك.. مش فارقه.

وجسمك غير مهيأ انه يتعرض لهذا الكم من الضغط والاستنفار علطول ولفترات طويلة لإن ده بيضعف جهازك المناعى تدريجيًا لإن الجسم وجه طاقته وقت الاستنفار للعضلات والمخ عوضًا عن جهازك المناعى والهضمى..

ولهذا فإن استمرار الضغط بيضعف المناعة وبيسبب اضطرابات فى الجهاز الهضمى..

عرفت ليه دلوقتى انك لما بتتعرض لضغط لفترة طويلة بتتوالى عليك الأمراض؟ 

الكلام عن الضغط العصبى ومواجهته محتاج كلام كتير وشرح أكتر.

ان شاء الله نستكمله فى اليوميات القادمة وهنوضح فيها ازاى نقلل التوتر والضغط لأن الحياة محتاجة وعى مننا بجسمنا ومشاعرنا واحتياجاتنا عشان نقدر نواجهها من غير ما نيجى على صحتنا ونفسيتنا.

«ضغوط الحياة لن تهدأ.. كل ما عليك فعله ان تهدأ انت»