أمنية

صراع فى الوفد

محمد سعد
محمد سعد

قلبى مع حزب الوفد العريق، فعلى امتداد تاريخه النضالى الذى امتد لقرابة الـ 100 عام تعرّض للكثير والكثير من الأزمات ومحاولات الانشقاق ووصل الأمر فى عام 2006 إلى اقتحام المقر الرئيسى وإشعال النيران بين جدرانه. 

أتذكر هذه الواقعة كأنها حدثت بالأمس القريب، فما أشبه الليلة بالبارحة، ففى فجر الثلاثاء الماضى دخل إلى مقر الحزب بعض أبناء الوفد واعتصموا داخل المقر معترضين على إدارة الدكتور عبد السند يمامة رئيس الحزب الذى بدورة اتهمهم باقتحام المقر، هذا ما حدث بالضبط فى بداية أحداث إحراق الوفد قبل ١٧ عامًا ووصل الخلاف إلى حد استخدام الأسلحة النارية وإشعال النيران فى مقر الحزب بالدقى، وقد كنت وقتها محررًا تحت التمرين بالأخبار وأُسند إلىَّ تغطية جلسات تجديد حبس قيادات الحزب فى محكمة الدقى الجزئية. 

وتعود أسباب الأزمة إلى عدم رضا أعضاء الحزب عن أداء نعمان جمعة، رئيس الحزب وقتها، مما أدى إلى عقد اجتماعات فى غيبة رئيس الحزب وسحب الثقة منه واختيار محمود أباظة خلفًا له، بينما رفض نعمان جمعة الاعتراف بهذه الإجراءات ولجأ للقضاء الإدارى الذى منحه حكمًا ببطلان إجراءات عزله، ليصل الصراع إلى ذروته بانقسام الوفد إلى فريقين، أحدهما مؤيد لنعمان جمعة والآخر مؤيد لمحمود أباظة الذى تسلم رئاسة الحزب بعد هذه الأزمة، واستمر بها حتى شهد الحزب إجراء الانتخابات على منصب رئيس الحزب والتى فاز بها الدكتور السيد البدوى فى مواجهة محمود أباظة، لتحدث المفارقة بدخول الأخير طرفًا فى صراع داخلى.

تاريخ الوفد فى ممارسة الصراع بين أعضائه حافل مثلما كان تاريخة النضالى، وكان أول شقاق خلال المفاوضات بين الوفد المصرى واللورد ميلنر، بعد تأييد سعد زغلول لرفض التفاوض معه والعودة إلى مصر لمواصلة كفاحه الشعبى ضد الاحتلال، أما عدلى يكن فوافق على استمرار التفاوض مع اللورد "ملنر"، مما أدى انقسام بين أعضاء الحزب، وجعل "عدلى يكن" ينشق هو وجماعته عن الحزب ويدشن حزب الأحرار الدستوريين، ثم الخلاف بين مصطفى النحاس رئيس الوزراء ومحمود فهمى النقراشى والذى كان يشغل منصب وزير المواصلات، حول إسناد النحاس مشروع كهرباء خزان أسوان لعدد من الشركات الأجنبية، أدى إلى انشقاق عدد من أعضائه وتكوينهم الهيئة السعدية.

ثم الخلاف الأشهر فى أربعينيات القرن الماضى بين النحاس ومكرم عبيد سكرتير عام الحزب ووزير المالية، حول انضمام فؤاد سراج الدين، حيث اعتبر مكرم عبيد أن انضمام الأخير يُهدد موقعه القيادى بالحزب وبقاءه فى منصبه، وفى عصر الرئيس السادات وإطلاق ما عرف عرف وقتها بالمنابر الحزبية قام فؤاد سراج الدين فى يناير 1978 بطلب السماح لحزب الوفد بممارسة العمل الحزبى العلنى، وهو الأمر الذى لم يلقَ القبول فى الدولة باعتبار أن الوفد كان هو حزب العهد البائد والفاسد فى عهد ما قبل ثورة يوليو، ومع ذلك حصل سراج الدين على الموافقة من لجنة شئون الأحزاب، ولكن قرَّر قادة الحزب إعلان تجميده طواعية، لكنهم تراجعوا عن قرارهم فى عام ٨٤ وبدأ الوفد يُمارس نشاطه.

وفى عام ٢٠١٥ أصدر السيد البدوى، رئيس الحزب، قرارًا بفصل القيادى فؤاد بدراوى و٦ آخرين أطلقوا على أنفسهم تيار الإصلاح على خلفية اتهامهم فى التمويل الأجنبى بسبب تملكهم جمعيات بالمخالفة للقانون.

الصراع باقٍ بين أبناء الحزب منذ ١٠٠ عام وسيظل، وفى تقديرى فإن الخلاف دائمًا كان على السلطة والزعامة وليس لمصلحة الحزب الذى تلاشى دوره فى الشارع أو غرفتى البرلمان وفقد تأثيره تمامًا على العامة من الناس.